الثلاثاء 30 إبريل 2024
ضيف

عبد الناصر ناجي: إصلاح المدرسة لا يكون بالوصفات السحرية وإنما بالتخطيط المسبق لسياسات عمومية مندمجة

عبد الناصر ناجي: إصلاح المدرسة لا يكون بالوصفات السحرية وإنما بالتخطيط المسبق لسياسات عمومية مندمجة

يرى عبد الناصر ناجي، رئيس جمعية أماكن (الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم)، أن السياسات التي اعتمدها المغرب منذ الاستقلال في مجال التعليم عبارة عن ردود أفعال متسرعة على اختلالات بنيوية متجذرة لا تعالج بالمسكنات، بل تقتضي مقاربة شمولية تبدأ بالتشخيص المعمق للأسباب وتتوج برؤية استراتيجية بعيدة المدى. وشدد عبد الناصر الناجي، إصلاح المدرسة لا يكون بالوصفات السحرية وإنما بالتخطيط المسبق لسياسات عمومية مندمجة لا تهم فقط التعليم وإنما جميع القطاعات ذات الصلة بتأهيل العنصر البشري.

+ لماذا فشل المغرب في وضع سياسة تعليمية متكاملة ؟

- غالبا ما كانت السياسات التي اعتمدها المغرب منذ الاستقلال في مجال التعليم عبارة عن ردود أفعال متسرعة على اختلالات بنيوية متجذرة لا تعالج بالمسكنات، بل تقتضي مقاربة شمولية تبدأ بالتشخيص المعمق للأسباب وتتوج برؤية إستراتيجية بعيدة المدى، يسندها مخطط استراتيجي متكامل يعبد لها الطريق نحو التطبيق الفعلي. على العكس من ذلك تماما، كانت سياساتنا التعليمية عبارة عن حلول جزئية لمشاكل معزولة، أو في أحسن الحالات نوايا طيبة تشكل فقط إرهاصات لمقاربة متكاملة كما كان عليه الأمر إبان الاستقلال عندما تم تبني المبادئ الأربعة المعروفة. لكن يمكن القول بأن الأمر تغير مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي شكل بالفعل نقلة نوعية على مستوى مقاربة الشأن التعليمي، حيث يمكن القول بأنه لأول مرة في تاريخ المغرب أصبحنا نتوفر على رؤية إستراتيجية في مجال التربية والتكوين. غير أنه مع الأسف استمرت أزمة الفشل تلاحق تعليمنا لتنتقل من إخفاق على مستوى المقاربة التصورية نفسها إلى اختلالات على مستوى تصريف هذه المقاربة. وهكذا فالميثاق رغم أنه نجح في وضع تصور متكامل لمنظومة التربية والتكوين، فإنه سقط في ثلاث هفوات قاتلة أسست لفشل معلن. فهو أولا ارتهن إلى منطق التوافق الهش في قضايا جوهرية كانت تقتضي الحسم الواضح مثل المسألة اللغوية، وثانيا سقط في فخ الأجرأة فاقتحم بذلك ملعب الفاعل الحكومي وضيق عليه هامش المبادرة دون مراعاة لمبدأي التدرج والواقعية، ثم ثالثا لم يواكب بإستراتيجية لتدبير التغيير تسمح لجميع الفاعلين بركوب قطار الإصلاح.

+ نلاحظ أن جميع ألوان الطيف السياسي تحملت مسؤولية حقيبة التربية والتعليم لكن مع ذلك لم ينجح أي حزب في إيجاد الوصفة السحرية للمدرسة العمومية؟

- إصلاح المدرسة لا يكون بالوصفات السحرية وإنما بالتخطيط المسبق لسياسات عمومية مندمجة لا تهم فقط التعليم وإنما جميع القطاعات ذات الصلة بتأهيل العنصر البشري. وإذا توقفنا عند مرحلة الميثاق التي اتسمت بتوفر المغرب على رؤية إستراتيجية على المدى البعيد لإصلاح التعليم، فيمكن حصر أهم أسباب فشل الأحزاب التي تحملت مسؤولية تدبير الشأن التعليمي في إصلاح هذا الأخير في ثلاثة رئيسية يمكن ترتيبها ترتيبا كرونولوجيا، بالإضافة إلى سبب رابع يخترق الزمن. السبب الأول رافق بداية تطبيق الميثاق بين 2000 و2005، ويتمثل في عدم اعتباره آنذاك مرجعية ملزمة للإصلاح، خاصة وأنها لم تتحول إلى قانون إطار كما أوصى بذلك الميثاق نفسه، الشيء الذي جعل الفاعل الحكومي يتعامل معه بشكل انتقائي وليس كنسق كامل لإصلاح منظومة التربية والتكوين. بعد صدور التقرير التقييمي المعد من طرف اللجنة الخاصة للتربية والتكوين التي أعدت الميثاق، والذي أشار إلى القصور الكبير في تطبيق مقتضيات هذا الأخير، بدأ التفكير في وضع مقاربة جادة لتحويل الميثاق إلى مخطط استراتيجي للإصلاح، غير أن ذلك ظل حبرا على ورق.. وهنا يأتي السبب الثاني وهو عدم القدرة على التخطيط العقلاني لتنزيل رؤية الإصلاح. هذا التخطيط تم بالفعل بعد صدور تقرير المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 وتمثل في البرنامج الاستعجالي الذي شكل بالفعل خارطة طريق واضحة، غير أن ما كان ينقصها هو المقاربة التشاركية في الإعداد وتأهيل الموارد البشرية اللازمة للتطبيق.. وهو السبب الثالث لفشل الحكومات المتعاقبة في إصلاح التعليم. أما السبب الرابع فهو غياب الإشراف الموحد على قطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي وضعف التنسيق بينها.

+ هل تعتقد أن مخطط عزيمان سيكون له وقع إيجابي على السياسة التعليمية؟

- نأمل ذلك خاصة وأن الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس الأعلى أمام الملك محمد السادس عند تقديمه للرؤية الإستراتيجية تؤكد على استمرارية الميثاق كمرجعية للميثاق، وهو ما يضمن البناء على المكتسبات وعلى تبني التصور الشمولي للإصلاح. كما أن تحويل هذه الرؤية إلى قانون إطار سيمكن من إعطاء قوة أكبر لمرجعية الإصلاح شريطة أن تتحقق ثلاثة شروط لا بد منها. أولها المشاركة المسؤولة لجميع مكونات البرلمان في المناقشة الجادة لمشروع القانون الإطار الذي ستقترحه الحكومة، والتي نتمنى أن تحرص كل الحرص على أن يشكل نقلة نوعية في مجال إصلاح التربية والتكوين في إطار المرجعيات الموجهة وعلى رأسها الدستور. وثانيها تحويل القانون الإطار إلى مخطط إستراتيجي متكامل تشارك في بلورته جميع الأطراف المعنية وتخصص له الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذه. وثالثها تدبير التغيير بكل ما يتطلب ذلك من تأهيل للموارد البشرية وضمان انخراطها والتعاقد معها في إطار شفاف وواضح.