أمام النزاع العسكري الدائر بين إيران وإسرائيل، ظهرت على الساحة المغربية فئة من المواطنين تعبر علانية عن دعمها للجمهورية الإسلامية الإيرانية، معتبرة إياها "المدافع الحقيقي عن القضية الفلسطينية" في وجه "الكيان الصهيوني الغاصب". هذا الموقف، وإن كان نابعا، في جزء كبير منه، من العاطفة الدينية والوجدانية تجاه فلسطين، يطرح إشكالا سياسيا وأخلاقيا عميقا حينما يصدر عن مواطنين مغاربة يفترض فيهم الولاء لقضية وطنهم الأولى؛ قضية الوحدة الترابية قبل أي اعتبارات خارجية.
فإيران، وكما هو موثق في التقارير الرسمية والدبلوماسية، لا تخفي عداءها لمصالح المغرب وتصفه بـ «دولة احتلال»، بل تتورط، حسب تصريحات رسمية، في دعم «البوليساريو» عبر حليفها «حزب لله»، وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة 2018. وللتذكير بحسن نية المغرب، فقد قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران في 2009 بسبب اتهامات بنشر المذهب الشيعي في المغرب، ثم استؤنفت العلاقات في 2017 لكنها قطعت مجددا في 2018 بسبب دعم البوليساريو عبر حزب لله اللبناني، وسفارة إيران في الجزائر.
كما يرى المغرب أن إيران تسعى لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا عبر نشر المذهب الشيعي، مما يتعارض مع النموذج السني الصوفي الذي تتبناه المملكة المغربية.
وبعد توقيع اتفاقيات إبراهام في 2020، عزز المغرب علاقاته مع إسرائيل، في موقف سيادي مستقل، عبرت إيران عن غضبها الشديد حيث تعتبر إسرائيل عدوا رئيسيا.
فكيف، إذن، يمكن لمواطن مغربي أن يناصر دولة تناصب بلاده العداء بشكل واضح وممنهج؟ أليس في هذا نوع من الانفصام السياسي أو ازدواجية الولاء؟
المعضلة لا تكمن فقط في دعم إيران كدولة، بل في تبني خطابها الطائفي الذي يحاول تسييس الدين لخدمة أجنداتها التوسعية في المنطقة. فالدفاع عن فلسطين لا يمر، بأي حال، عبر تبييض وجه أنظمة تستثمر في الحروب بالوكالة وتقايض القضايا العادلة بنفوذها الإقليمي. كما أن دعم المقاومة الفلسطينية لا يبرر التغاضي عن التدخل الإيراني في اليمن وسوريا ولبنان، ولا عن القمع الداخلي الذي يعانيه الإيرانيون أنفسهم.
إن المغرب، دولة ذات سيادة وتاريخ عريق في دعم القضية الفلسطينية، من خلال مواقف دبلوماسية وإنسانية صلبة، يقودها جلالة الملك بصفته رئيس لجنة القدس. هذا المسار الوطني يجب أن يحتكم إليه في التعبير عن التضامن، لا من خلال الاصطفاف خلف دول تتقاطع مصالحها مع أعداء المغرب.
كما أن دعم الفلسطينيين لا يتطلب بالضرورة دعم إيران، كما أن مناصرة القضية العادلة يجب أن تبنى على أسس سيادية وواعية، لا على ردود فعل عاطفية قد تضر بالمصلحة الوطنية. فحب فلسطين لا يجب أن ينسينا حب الوطن.
المغرب أولا وأخيرا.
الإعلامي سعيد بوزيام/المدير السابق لإذاعة الدار البيضاء