الاثنين 6 مايو 2024
سياسة

انغير بوبكر: حكومة عبد الإله بنكيران تؤدي ثمن خيانتها لحركة 20 فبراير

انغير بوبكر: حكومة عبد الإله بنكيران تؤدي ثمن خيانتها لحركة 20 فبراير

يوم بعد يوم، يفصح رئيس الحكومة المغربية عن صعوبات سياسية كبرى تواجهه في تسيير حكومة المملكة المغربية ، في لقاءات تلفزيونية متعددة  وآخرها على قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود  ،ولقاءات مباشرة مع المواطنين في مناسبات مختلفة ، يكرر الأستاذ عبد الاله بنكيران لازمات أساسية تعتبر العمود الفقري لخطابه السياسي   تعبر عن فشله في تنزيل برنامجه الانتخابي والسياسي لظروف ذاتية، متعلقة بأداء وزرائه في العدالة والتنمية أو في  أحزاب التحالف الحكومي أو، لظروف موضوعية متعلقة بأداء المؤسسات الدستورية الأخرى والعوامل الأخرى الداخلية والخارجية المؤثرة في العمل الحكومي . يمكن إجمال هذه اللازمات الأساسية إلى ثلاثة عناصر متكررة باستمرار في قاموسه السياسي ، والتي يمكن اعتبار تكرارها بلغة علم النفس إنها تحتل مساحة كبيرة في تفكيره السياسي وهواجسه الكبرى. انه متخوف منها وتعكس رغم زعمه العكس من ذلك .

اللازمة الأولى : الاستعمال المفرط للملك في الخطاب السياسي لبنكيران يشي بأمر أساسي يهم التخوف الكبير من رئيس الحكومة من نوايا المحيط الملكي وخوفه الضمني من أن يلقى مصير اليوسفي، رغم اختلاف السياق الدستوري الحالي الذي يلزم الملك باختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات ، فقول بنكيران مرارا وتكرارا بأنه جاء فقط لمساعدة الملك أو عندما يقول بان الحاكم الفعلي للمغرب هو الملك كما قال على قناة الجزيرة مؤخرا، كل هذه المؤشرات تدل على أن بنكيران يريد إعطاء المغاربة انطباع، بان حكومته وشخصه لا يتحملان المسؤولية الكبيرة في بطء عملية الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي المغربي بل إن المؤسسة الملكية باعتبارها الحاكم الفعلي هي من تتحمل ذلك  . كما أن بنكيران لا يفوت فرصة دون أن يذكر اتصالاته المتكررة مع الملك والهدف من ذكر ذلك بشكل متكرر هو، إعلام المواطنيين والمستثمرين وكل من يهمهم الأمر في الداخل والخارج  بان حكومة بنكيران وشخصه  يحظيان برعاية واحتضان ملكيين ، هو بطريقة غير مباشرة يدفع عن حزبه وشخصه ادعاءات خصومه السياسيين بان العدالة والتنمية يمارس التقية السياسية أي يتمسكن حتى يتمكن كما يقول المغاربة في حديثهم  المأثور، لكن بنكيران، أخيرا، أخافه كثيرا الاستجابة الملكية السريعة لمطالب المعارضة عندما اشتكت  بنكيران للمحيط الملكي ، كما أخافه أكثر تصريح رجل مقرب جدا من مراكز القرار بالمغرب ، واقصد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة والذي أكد عدم رضا الملك على حكومة عبد الاله بنكيران ، رغم العتاب الشديد الذي  يمكن أن يكون قد وجه إليه بعد هذا التصريح من جهات عليا. ربما هذه الأمور مجتمعة هي التي أدت إلى نرفزة وعصبية رئيس الحكومة أثناء جلسة المساءلة الشهرية الأخيرة والتي استغلها لتمرير قضية هامة ، وهي أن قضية التحكيم الملكي الذي لجأت اليه المعارضة لن تلجمه عن الكلام الشعبوي الذي يتهم به  ، هذا التخوف البنكيراني من التشويش على الرضا الملكي لحكومته، دفعه دفعا كبيرا لاختزال ممارسته السياسية وعمله الحكومي في ما يعتبره إرضاء  للملك ومحيطه مما جعل المغاربة ينظرون بعين التشاؤم من إصرار  بنكيران بتغليب منطق التنازلات دون جدوى عن مطلب الإصلاح السياسي والاقتصادي، وهي نفس الطريقة التي اتبعها اليوسفي سابقا وفشل فيها فشلا ذريعا، وهو الذي وضع كل رصيده السياسي والحقوقي والتاريخي لخدمة قضية التناوب السياسي  لكن ظنه وسعيه خابا ، بعدما اجبر على الرحيل عن الحكومة واستبداله بتكنوقراطي أكثر ثقة وأمانة بمعايير النظام السياسي . بدون تكريم ولا  ضجيج ولا احتجاج  خلع عبد الرحمان اليوسفي  لأنه ببساطة قضى على النقابة وعلى الشبيبة وعلى الأصوات العاقلة بحزب عبد الرحيم بوعبيد ، فبقي اليوسفي وحيدا في مواجهة طلاب الاستوزار بأي ثمن  وختم حياته السياسية ببلاغ بروكسيل الشهير  الذي لايزال لم يقرأ جيدا بما فيه الكفاية من قبل السياسيين والباحثين، وربما ستضيء لنا مذكرات عبد الرحمان اليوسفي' شفاه الله وأطال في عمره"  في المستقبل بعض مناطق العتمة في المرحلة السياسية لحكومة التناوب التوافقي وبعدها  .

عبد الاله بنكيران يسير بثبات نحو مصير سلفه الصالح عبد الرحمان اليوسفي ، ماض بقوة في إفقار الطبقة المتوسطة المغربية والبرجوازية الصغرى والتضييق على أجورها وضرب قدراتها الشرائية ، وسبق أن تجاهل نضالات الشباب المغربي  في حركة 20 فبراير رغم انه استفاد من نضالاتها  وتضحياتها ولولاها لما أصبح رئيس حكومة ولا حتى وزير  ، لكنه خانها  وسكت عن المتابعات القضائية لنشطائها  وتخالف وتعاند  مع النقابات العمالية وتصارع مع الحركة النسائية مبخسا مطالبها المحقة ، ووضع كل سياسته في سلة واحدة أي سلة السعي نحو الرضا الملكي، لذلك فسيكون مصيره حتما ليس أفضل من مصير سلفه  الأستاذ اليوسفي، حيث سيلقى نفسه وحيدا في مواجهة الجميع وحينئذ سيكون لقمة سائغة لخصومه ومنافسيه وللماسكين الحقيقيين بزمام الأمور بالمغرب.

اللازمة الثانية :

كل خطابات بنكيران تتحدث عن انجازات اقتصادية لفائدة الاقتصاد الوطني وعن تحسن مناخ الاستثمار  ، والحال إننا جميعا نعلم علم اليقين أن معدل الفقر في ازدياد والبطالة في باضطراد والمديونية أصبحت غير مقبولة   ولا نحتاج إلى قراءة التقارير الوطنية والدولية حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المغربي فنحن نلمسها في معيشنا اليومي، نعلم جيدا أن نسبة نمو الاقتصاد الوطني انكمشت كثيرا بفعل الضغوط الضريبية على الطبقات المتوسطة  وهي المحرك الديناميكي للاقتصاد الوطني  من حيث الاستهلاك وتوفير الثروة ، كما نعلم جيدا إن عدد العاطلين عن العمل تزايد تزايدا مضطردا بفعل سن الحكومة سياسة اقتصادية ترتكز على القطاع الخاص الهش أصلا وتسعى جاهدة لإقالة الدولة من واجباتها التشغيلية واصل وجودها أصلا ، أي أن الدولة وجدت أصلا لخدمة المواطن وتشغيله وتطبيبه مقابل الضرائب والالتزام الذي يبديه المواطن  للقانون ، فيما حكومة بنكيران تريد للمواطن ان يخدم الدولة، كأن الدولة  هي الأصل والمواطن وهو الفرع . حكومة بنكيران بطبيعتها السياسية عاجزة عن إعطاء بدائل اقتصادية جذرية وحقيقية للنمو الاقتصادي العادل ، والسبب ليس في نوايا أعضاء الحكومة أو لعدم رغبتهم في ذلك ، ولكن لان الاختيارات الاقتصادية لحكومة بنكيران وللحكومات السابقة هي النهج الرأسمالي التبعي ، وهذا النهج مميت لكل القوى السياسية المطبقة له لأنه لا يمكن أن تتماشى الرأسمالية التبعية مع العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات ،فالحكومة التي تريد خوصصة التعليم والصحة والإبقاء على الأدوار الأمنية للدولة فاشلة اقتصاديا وسياسيا رغم قوة خطابها التواصلي أو علاء كعبها الأخلاقي ، حكومة بنكيران رهنت الاقتصاد الوطني بالديون الخارجية والداخلية المشروطة سياسيا بطبيعة الحال .وأصبح الدين الخارجي يستنزف 65 في المائة من الناتج الوطني الداخلي ، فماذا بقي للاستثمار؟

حكومة بنكيران تدعي أنها صوت الجماهير المقهورة والضعيفة اقتصاديا والمهشمة اجتماعيا وصوت من لا صوت لهم ، ولكنها تكتفي بالخطاب الأخلاقي فقط رغم أهميته في تصريف الأمور العمومية ، لكنها عاجزة عن إقرار عدالة "أجرية" عبر تخفيض الأجور العليا وإلغاء صناديق التعويضات الخيالية في الوزارات ، عاجزة تماما عن إقرار ضريبة على الثروات الكبرى بالمغرب في إطار التضامن الاجتماعي ، وعاجزة أكثر على استرداد الأموال المنهوبة والمسروقة وإعادة استثمارها. حكومة بنكيران نالت ثقة المواطنين لان سجل العدالة والتنمية ،وليس بالضرورة كل أعضاء التحالف الحكومي ، يبدو على الأقل خاليا من الجرائم السياسية والاقتصادية ضد الشعب المغربي ، وهذا صحيح واتفق معه ، ولكن إستراتيجية الحزب الاقتصادية والاجتماعية خالية من بدائل تنموية تقوم على التشغيل للجميع والتوزيع العادل للثروات وبعبارة دقيقة على متطلبات إقرار دولة العدل والحق والقانون كأفق استراتيجي. الحزب يطبق أجندة المؤسسات الدولية المانحة ويتجه نحو ربط الاقتصاد الوطني بالأسواق الدولية بدون تنافسية تذكر ولا اخذ بالاعتبار مساوئ النظام الرأسمالي التبعي ، المفقر للشعوب والمستلب لثرواتها. عبدالاله بنكيران يتباهى دائما بأنه استطاع فتح ملف صندوق المقاصة ، وهو ملف شائك قد يعصف بشعبيته الانتخابية وهذا صحيح .لكن أليس لرئيس الحكومة بدائل أخرى لدعم الطبقات الفقيرة ومنها تأميم بعض مؤسسات الدولة ومنها الفوسفاط؟ رغم أن خطاب التأميم قد يبدو إجراءا  ماضويا وغير معقول ولكن يجب أن يعرف المواطن المغربي بان تخصيص عائدات الفوسفاط وحدها قادرة على تشغيلهم جميعا ، والحال اليوم إن ما يربط أيادي الحكومات المغربية هو عدم قدرتها على التحكم على كل مفاصل الثروات الوطنية التي تعتبر خارج اختصاصات الحكومة والبرلمان مجتمعين  ، أو التغاضي عن وكالات تستنزف ميزانية الدولة ولا تقوم بأعمال اقتصادية منتجة وقابلة للقياس و لا تخضع للتقييم ولا التمحيص ، فانا شخصيا اعرف جماعة قروية عدد سكانها ألف نسمة ورصد لها مبلغ 5 مليار سنتيم لانجاز طرق قروية حولها رئيس الجماعة إلى ثلاث طرق كل واحدة منها تؤدي الى بيت احد الأعضاء في الأغلبية ، وبرمج التطهير السائل بمليار سنتيم سيستفيد منه مقهى واحد ووحيد ، فلو جمع هذا المبلغ وقسم على السكان على شكل استثمارات  سيعطي نتائج باهرة  وسينقذ ألف نسمة من الفقر المدقع ، ولكن من يحاسب من في المغرب ؟ وهذا نموذج مصغر للنهب المنظم للمالية العمومية في مغرب غني ومفقر في نفس الوقت،  ولكن يصر رئيس الحكومة أن يزيد تفقيره عبر إجراءات لاشعبية ولا ديموقراطية وانتقامية من الطبقات الكادحة لأنه يجبن أمام القوى الناهبة والمستغلة بدعوى التدرج في الإصلاح .

اللازمة الثالثة: رئيس الحكومة يستغل كل فرصة جماهيرية ليقول بان حكومته جاءت لمحاربة الفساد ووقف النهب المنظم للمال العام وإقران المسؤولية بالمحاسبة . ثلاث خطوات أساسية أقدم عليها رئيس الحكومة تدحض أقاويله وتصريحاته بخصوص محاربة الفساد.

الخطوة الأولى : تواطئ رئيس الحكومة مع المفسدين في إبقاء نظام الانتخابات والتقطيع على حاله أي مشرعنا للبلقنة وللفساد الانتخابي ولصالح الأعيان أصحاب الشكارة  ، وكلنا نعرف بأن أي إصلاح سياسي بالمغرب واي مصالحة للمغاربة مع السياسة لابد أن تبدأ بإجراءات عملية لتقوية المشروعية الديموقراطية الترابية والمجالية ، أي تقوية قدرات وضمانات الحكامة الديموقراطية للمجال وللفاعلين فيه ، فالإبقاء على لوائح انتخابية مشكوك فيها وإقصاء الملايين من المغاربة من التصويت بالبطاقة الوطنية لدواعي تقنية كما يقال وهو غير صحيح ، وإلغاء الكفاءة والشهادة في رئاسة الجماعات الترابية بدعوى التدرج في الإصلاح وعدم إغضاب الأعيان وهو الأرجح ، وإقصاء المرأة المغربية من المناصفة بدعوى حفظ الخصوصية المغربية ومراعاة التقاليد المرعية في الحفاظ على مجتمع بطريكي . كل هذه العناصر وأخرى تعتبر رئيس الحكومة باعتباره الدستوري والقانوني والشعبي متآمرا على الشعب المغربي ومشاركا في جريمة الإبقاء على تخلفه السياسي والاجتماعي لدواعي سياسية رجعية وشخصية كي لا أقول انتهازية سياسية ، والحال أن الشعب الذي صوت عليه كان يأمل منه ان ينقل المغرب من مرحلة التحكم السياسي  إلى مرحلة الانتقال الديموقراطي، لكن مرة أخرى غلب الطبع التطبع لدى رئيس الحكومة.

الخطوة الثانية :الإبقاء على نفس الترسانة القانونية المنظمة للغابات وللثروات الطبيعية والتي يتم استغلالها لقضم أراضي الشعب المغربي وتفويتها إلى الخواص بطرق ملتوية وفاسدة ، فجميع القوانين المغربية تعرضت للتغيير والتبديل إلا القوانين التي تتعلق بالغابات  والثروات الباطنية فهي بقيت قوانين استعمارية فوق المسائلة والتعديل والتجريح ، والحال ان الحكومة المغربية لم تستطع لحد الآن مواجهة مافيات الأراضي التي تشكل دولة داخل الدولة ، وتسيطر على القضاء وعلى المحافظات العقارية  والإعلام والاستثمار بل الأدهى من كل هذا التأمر أن تقوم الحكومة بالمتابعات القضائية وسجن  السكان المحتجين والمتضررين من نزع الأراضي وتفويتها للرساميل الأجنبية  .

الخطوة الثالثة : الاحتفاظ على نفس قانون الصفقات العمومية ، الذي يعتبر البقرة الحلوب لمدراء المؤسسات العمومية ورؤساء المؤسسات الترابية، هذا القانون فصل أساسا وبثغراته العديدة للنهب المنظم للمالية العمومية ، فالإبقاء على سندات الطلب ضمن مدونة الصفقات العمومية تفتح الباب على مصراعيه للفساد وسرقة المال العام ، ولعل تقارير المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات كافية للتدليل على ما أقول، حيث انتشار الفساد واستغلال النفوذ وغيرها من الجرائم المالية التي تكرمت عليهم الحكومة بعدم متابعتهم إلا بعد الانتخابات ، أي تعطيل دور القضاء وتسخيره لخدمة السياسيين .

هذه الخطوات الثلاثة وغيرها كثير، تثبت بما لا يدع مجالا للشك إن حكومة عبدالإله بنكيران هي حكومة استمرار للنهب والقمع والمتابعات القضائية في حق الفاضحين للفساد من صحافة ومدونين  الحقوقيين ، وليست حكومة قطع مع الاستبداد والفساد والتحكم السياسي كما هو مأمول منها.

عدم التزام الحكومة المغربية بواجباتها الدستورية والقانونية والأخلاقية في إقرار ربط المسؤولية بالمحاسبة وتنصلها من استحقاقات الانتقال الديموقراطي وضروراته الموضوعية أي تخليق  الحياة السياسية وإطلاق الحريات العامة بحرية ومسؤولية وتكريم المرأة المغربية وإنصافها سياسيا واجتماعيا وقانونيا ، كل هذا  يلازمه وجود معارضة سياسية مغربية مثخنة بجراح الفساد الأخلاقي والسياسي والانقسامات الداخلية وضعف المشروعية الشعبية  وانعدام البرامج السياسية والاقتصادية البديلة.

المغرب في منعطف تاريخي بين حكومة شعبية عاجزة وخنوعة وبين مجتمع محتقن وطموح ومثقل بالخيبات والآلام والخيانات . المجتمع المغربي لن يبقى مكتوف الأيدي أمام ارتفاع الأسعار وضعف التنمية واستشراء الفساد وانهيار الصورة المعنوية لمعظم الأحزاب والنقابات، المغرب أمامه خيارين لا ثالث لهما أما حكومة مسؤولة وديموقراطية ومستقلة في قراراتها وإما انتفاضات واحتجاجات مستقبلية واحتقان اجتماعي وسياسي خطير ، حينئذ سيخسر الجميع الذي يجمعنا أي الوطن