السبت 21 سبتمبر 2024
سياسة

الأستاذ عبد الكبير طبيح يكتب عن: مسودة وزير العدل ام مسودة الحكومة؟

الأستاذ عبد الكبير طبيح يكتب عن: مسودة وزير العدل ام مسودة الحكومة؟

تتناول هذه المقالة الأولى محاولة لطرح إشكال ذو صبغة دستورية تتمثل في مفهوم الدولة في نظر الحكومة بصفة عامة وفي نظر حزب رئيس الحكومة بصفة خاصة.ذلك أن جل أعضاء هذه الحكومة، ومن بينهم رئيسها تحركوا ويتحركون منذ تعيينهم من قبل جلالة الملك وتنصيبهم من قبل البرلمان بشكل واضح خارج القواعد الدستورية الجديدة التي سنها دستور 2011.

صحيح أن "الحكومة" في الدساتير السابقة كانت عبارة عن مجموعة من الوزراء وكان يوجد على رأسهم وزير أول، أو كما كان يقول أحد السادة الوزراء السابقين أنا لست وزيرا أولا بل أول وزير، وبالتالي لم تكن لها مسؤولية جماعية وتضامنية حول برنامج معين تسأل عليه كحكومة أمام جهة التعيين وأمام جهة التنصيب وفي نهاية الولاية أمام المنتخبين .

لكن، دستور 2011 أحدث تحولا نوعيا في بناء مؤسسات الدولة، إذ أحدث مؤسسة الحكومة كهيأة دستورية باختصاصات دستورية وبهيكلة دستورية تميزها على الحكومات في الدساتير السابقة سواء من حيث حصر مهمة اقتراح مشاريع القوانين فيها وحدها، إلا ما تعلق بالجانب الديني والعسكري أو سلطتها في التعيين في المناصب العليا سواء بصفة حصرية أو في تشاركية مع اختصاصات المجلس الوزاري.

لكن الفارق البارز بين حكومات قبل دستور 2011 والحكومة الحالية هو أن رئيسها لا يعزل من قبل جلالة الملك، وإنما عزله يمر عبر حل البرلمان وإعادة الانتخابات.

وهذه الحصانة لرئيس الحكومة لا توجد إلا في الديمقراطيات العريقة، وهي إعلان قوي رسم خصوصية خطاب 9 مارس 2011.

فإذن الحكومة الحالية هي حكومة مسؤولة مسؤولية جماعية هي متضامنة في كل ما يجب أن تقوم به .

ما يهمنا اليوم في هذه المقالة هو مبدأ التضامن الحكومي أي المسؤولية الجماعية لأعضاء الحكومة على كل ما تقوم به، وعلى الخصوص عند تقديم مشاريع القوانين.

وبخصوص مسودة مشروع القانون الجنائي، فإنها تطرح بكل حدة سؤال مبدأ المسؤولية الجماعية للحكومة وكذا سؤال مبدأ التضامن الحكومي بين أعضائها.

من الشروط السياسية والتدبيرية لإخراج أي مشروع قانون من قبل أي حكومة هو مروره عبر الآلية التي تحقق تلك المسؤولية الجماعية للحكومة، وتضمن مبدأ التضامن الحكومي تلك الآلية المتمثلة في إلزام أي وزير قبل نشر نسخته من أي مشروع قانون أن يبعث بها إلى الأمانة العامة للحكومة التي تعمل على إرسالها إلى كل الوزارات والإدارات والمؤسسات المعنية به لتستجمع كل ملاحظات هذه المؤسسات وتعيده بعد ذلك إلى الوزارة التي اقترحته لتراجع ما اقترحته بناء على ملاحظات باقي المؤسسات آنذاك يعرض على الحكومة ليأخذ صفة مشروع للقانون الذي يضمن تحقق المسؤولية الجماعية للحكومة ويضمن مبدأ التضامن الحكومي.

فهل مسودة مشروع القانون الجنائي الحالي أخضعه السيد وزير العدل لهذه المسطرة المعمول بها في كل الحكومات السابقة وفي كل الدولة واستجمع إزاءه أعضاء الحكومة التي ينتمي إليها، أم أنه استأثر بالأمر لوحده وضمن في تلك المسودة رأيه الوحيد وقام بنشره في بوابة وزارة العدل وقدمه للمغاربة في ندوة ترأسها لوحده بدون حضور أي وزير أخر، وطلب من المجتمع إبداء آرائهم حوله.

الجواب على الاستفسار نتركه لعضو في الحكومة التي ينتمي إليها وزير العدل وهو وزير الإسكان وسياسة المدينة السيد نبيل بن عبد الله، الذي نقلت عنه وسائل الإعلام ما عبر عنه عند استضافته من قبل الوكالة المغربية للأنباء، والذي نقلت عنه وسائل الإعلام تلك أنه "تعهد بالتصدي لكل نكوص أو تراجع على مستوى الحريات الفردية من داخل الحكومة، إذ أعلن مسبقا رفض حزبه لبعض ما جاء به مسودة القانون الجنائي، وإذ دعا بلغة صريحة إلى عدم اتفاقه مع تشديد العقوبة" في بعض الجرائم، كما نقلت بعض وسائل الإعلام الأخرى أن "الوزير اعتبر أن الطريقة التي عالجت بها مسودة القانون الجنائي "لبعض الجرائم" تمس بالحريات الفردية وتعهد بأن يقوم حزبه وزرائه بدوهم  في تعديل  هذه المسودة".

هذا صوت وزير للإسكان، بينما لم يسمع بعد رأي وزير التجارة في الفصول التي تهم جرائم الأموال والتجارة، لم يسمع بعد رأي وزير الداخلية في الجرائم المتعلقة بالأمن الداخلي، لم نسمع بعد رأي وزير الخارجية في الجرائم التي لها علاقة بهذه الوزارة وغيرهم من أعضاء الحكومة.

والثابت من تصريح وزير الإسكان أنه لم يساهم في مسودة مشروع القانون الجنائي، وهو ما يبين أن الأمر يتعلق برأي لوزير واحد في الحكومة وليس برأي الحكومة الجماعي المتضامن، كما تفرض ذلك القواعد الأولية لاحترام مؤسسات الدولة.

فهل يحق لوزير العدل، وفي دولة المؤسسات ودولة دستور 2011 الذي أسس لحكومة مسؤولة مسؤولية جماعية وتضامنية، أن يطرح على المجتمع مسودته تحمل رأيه وحده، أم كان عليه أن يستجمع آراء جميع الوزراء قبل أن يقدم تلك المسودة للمغاربة ليضمن لها الاتفاق المبدي لكل أعضاء الحكومة وحتى يتحاشى الخرجة التي قام بها وزير الإسكان في تعارض واضح بخصوص المنهجية التي اتبعها وزير العدل في تهييء تلك المسودة .

إن الواضح اليوم هو أن مسودة، أو ما يعرف بالدارجة بـ "الوسخ" الذي يحرره الطالب قبل ملئ ورقة الامتحان النهائية، هي في الواقع لا تعبر إلا عن رأي وزير العدل الوحيد، ولا يعرف المغاربة، إلى حدود اليوم، رأي الحكومة بكامل أعضائها كمؤسسة دستورية.

غير أن ما سبق بيانه ليس هو الإشكال الوحيد الذي تطرحه المبادرة الخاصة لوزير العدل، وإنما يطرح كذلك مبدأ الأمانة التاريخية.

ذلك أن خلو المسودة من تقديم وبيان للأسباب، الذي ستعود إلى مضمونه مرة أخرى، يلزم أن يعلن وزير العدل عند عرضه لمسودته ما قدمه وزراء العدل الذين سبقوه حتى يمكن الرأي العام من تقييم العمل الجديد الذي ابتدعه بالمقارنة مع ما سبق أن قدمه وزراء العدل السابقين .

ذلك أن التخفيض من العقوبات الحبسية وتجنيح بعض الجنايات تعويضا بعض العقوبات الجنحية بالغرامات المالية هو مجهود أحدثه واجتهد فيه السيد وزير العدل السابق الأستاذ الفاضل محمد مشيش العلمي، والذي سبق له أن عرضه أمام لجنة العدل والتشريع.

كما أن إدراج العقوبات البديلة في القانون الجنائي المغربي كان من إبداع واجتهاد السيد وزير العدل السابق الأستاذ الفاضل عمر عزيمان الذي قدم أفكاره هو كذلك في جميع مداخلاته أمام البرلمان.

كما أن إدخال الأفكار والمبادئ التي تنص عليها الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان وملاءمة القانون الجنائي مع تلك الاتفاقيات سواء تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وبالجرائم ضد الإنسانية أبدعه واجتهد فيه وزير العدل السابق المرحوم الأستاذ محمد بوزوبع.

كما أن الوزير الذي جمع كل هذه الأفكار وصاغها في شكل فصول قانونية وأحالها على الأمانة العامة للحكومة هو وزير العدل السابق الأستاذ عبد الواحد الراضي، الذي قدم أكثر من 22 مشروع قانونا بعدما عينه جلالة الملك وزيرا للعدل كلفه بإنجاز تصور لإصلاح منظومة العدالة.

فكان من الواجب، وللأمانة التاريخية واحترام مجهود كل السادة الوزراء السابقين، أن يذكر هؤلاء في تلك المسودة حتى يمكننا أن نطالب غدا بأن لا ينسى ما سيقدمه وزير العدل الحالي للعدالة في المغرب إنشاء الله.