السبت 21 سبتمبر 2024
سياسة

بعد رفض المجتمع: هل ترخص المحكمة للوزير بالتعـدد؟

بعد رفض المجتمع: هل ترخص المحكمة للوزير بالتعـدد؟

بقدر ما تداولت الأوساط الاقتصادية والإعلامية الدولية أخيرا المجهود الكبير الذي بدله المغرب في إنشاء أول وحدة في العالم لإنجاز الطاقة الكهربائية بواسطة الألواح الشمسية في جنوب المغرب، وما شكلته تلك الخطوة الكبيرة في مجال إنتاج الطاقة الحرارية في بلد من بلدان إفريقيا و من حماية البيئة وهو الانجاز الذي تحقق بأعمال الفكر الحداثي المتنور المتجه للمستقبل والمؤمن به، بقدر ما تداولت كذلك، تلك الأوساط السياسية والإعلامية الدولية خبر و رغبة وزير في الحكومة الحالية بالزواج من زميلته في نفس الحكومة باعتبارها زوجة ثانية.

وبينما اختلفت الآراء في بلادنا بسبب ما اعتبره البعض أمرا يدخل في الحياة الشخصية للوزيرين، وبين من يعتبر أن صفة الوزير التي يحملانها تجعل من سلوكهما شأنا عاما يحق للمواطن التدخل فيه.

غير أن اختلاف الآراء حول تلك الإشكالية وطنيا قوبل بإجماع الآراء دوليا على التساؤل حول مشروعية هذا التصرف :

          1- مشروعيته المتعلقة بالاهتمامات اليومية للوزيرين بين ما يشغلهم كأفراد لهم حاجياتهم الخاصة وما يجب أن يشغلهم كمسؤولين على الشأن العام في تدبير قطاعين خطيرين، الأول يتعلق بإعادة تشكيل المجتمع المدني ليؤهل حتى ليلعب دوره الدستوري الذي استند على مبدأ المساواة واحترام حقوق المرأة , والثاني المتعلق بالبحث العلمي وتكوين الأطر وما يعنيه من حمل للفكر التحديثي من جهة والتفرغ للبحث العلمي وإبداع الأفكار الجديرة بنقل المغرب إلى مصاف للدول المتقدمة، وهي مهمة لا تسمح لمن هو مسؤول عنها إلا بالانشغال بهذا الورش الكبير و الضروري لمواجهة التحديات الدولية و الإقليمية التي يعرفها المغرب و لا تترك له بالتالي أي وقت ليفكر في شهوات الدنيا الفانية  كما يقولون .

2-مشروعيته القانونية التي يعتقد البعض عن خطأ أن القانون المغربي يبيح التعدد بينما الواقع والحقيقة أن مدونة الأسرة تمنع التعدد كمبدأ ولم تطلقه بيد الرجل على عواهنه.

سيقف المؤرخون والسياسيون وعلماء الاجتماع على محطة عرفها المغرب ولم تعرفها باقي الدول العربية الاسلامية وهي المحطة التي أخرجت فيها مسيرة الدار البيضاء  لتواجه مسيرة الرباط التي نظمتها بالأساس المرأة للدفاع عن حقوقها ولإخراجها من الوضع الذي وضعتها فيه مدونة الأحوال الشخصية الذي كانت تعتبر المرأة كسلعة وجدت لإمتاع الرجل وله الحق في التخلي عنها او التزوج عليها وقت ما أراد و كيف ما أراد.

وبغض النظر عن كون من نظر وحرض على تنظيم مسيرة الدار البيضاء و الذي لم يكن يستحضر خطورة ما أقدم عليه من وقوع اصطدام بين أعضاء نفس المجتمع في قضية هي من صلب دين الإسلام دين المغاربة أجمعين و المشترك بينهم و الذي لا حق لأحد في  تملكه تعبيرا أو تأويلا او خطابا من أجل إخضاع الجزء الأخر من المجتمع سياسيا و بعد ذلك اقتصاديا و اجتماعيا .

غير أن تلك المغامرة ووجهت بالتحكيم الأول لجلالة الملك عندما أصدر وصاياه الإحدى عشر للبرلمان في خطابه الموجه إليه و إلى الأمة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة للبرلمان في سنة 2003.

ولقد جاء في خطاب جلالته آنذاك، وهو يعرض لأول مرة في تاريخ المغرب قواعد قانونية يتعلق بالأحوال الشخصية للمغاربة على البرلمان , ما دام أن مدونة الأحوال الشخصية التي كان العمل جاري بها لم تصدر على البرلمان كما أن كل التعديلات التي أدخلت عليها لم تصدر عن البرلمان وإنما كانت تصدر بواسطة ظهائر في إطار الفصل 19 من دساتير 1972 و1992 و1996 , ان مقتضيات مدونة الأسرة أتت في إطار الإصلاحات الجوهرية التي أراد جلالته أن يدخلها على القواعد القانونية المنظمة للعلاقات الأسرية وهي الإصلاحات التي أمر بها في إطار اختصاصاته كأمير للمؤمنين كما ورد في ذلك الخطاب.

وبالرجوع إلى الإصلاح الرابع المذكور في ذلك الخطاب، نجده يتضمن التحول والتغيير الكبير في قضية التعدد والذي ورد فيه ما يلي :

"-رابعا (يقول الخطاب الملكي) فيما يخص التعدد فقد راعينا في شأنه الالتزام "بمقاصد الإسلام السمحة في الحرص على الحد الذي جعل الحق سبحانه يقيد "إمكان التعدد بتوفيره ، في قوله تعالى: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، وحيث إنه "تعالى نفى هذا العدل بقوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" "فقد جعله شبه ممتنع شرعا كما تشبعنا بحكمة الإسلام المتميزة بالترخيص "بزواج الرجل بامرأة ثانية بصفة شرعية لضرورات قاهرة وضوابط صارمة وبإذن "من القاضي بدل اللجوء إلى الفعل غير الشرعي في حالة منع التعدد بصفة "قطعية.

"ومن هذا المنطق، فإن التعدد لا يجوز إلا وفق الحالات والشروط الشرعية

التالية:

"-لا يأذن القاضي بالتعدد إلا إذا تأكد من إمكانية الزوج في توفير العدل "على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وأبنائها في جميع جوانب الحياة، "وإذا "ثبت لديه المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد".(انتهى الخطاب الملكي)

وعندما نعود إلى مشروع المدونة كما قدمته الحكومة آنذاك وحضر دراستها في لجنة العدل لأول مرة في تاريخ البرلمان وزيرين هما وزير العدل المرحوم محمد بوزوبع و وزير الأوقاف أطال الله عمره السيد احمد التوفيق، نجد أن مشروع المادة 40 نصت على مايلي:  "يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات كما يمنع في حالة وجود شرط من "الزوجة بعدم التزوج عنها".

ونصت مشروع المادة 41 على ما يلي :

"لا تأذن للمحكمة بالتعـدد :

"-إذا لم تثبت ضرورته.

"-إذا لم تطالبه الموارد الكافية لإعالة الاسرتين وضمان جميع الحقوق من "نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة".

وبعد النقاش الذي عرفه مشروع المادتين في قلب لجنة العدل والتشريع من تضارب في الفهم والاستيعاب لجوهر الإصلاحات التي أتى بها الخطاب الملكي في باب التعدد الذي كان واضحا ومستندا إلى نص في القرار الكريم اعتبرت اللجنة بجميع أعضائها وفرقها وأحزابها أن جملة "إذا لم تثبت ضرورته" هي جملة قاصرة على استيعاب ما أتى به الخطاب الملكي من الطابع الاستثنائي للترخيص بالتعدد.

وبعد تداول النقاش بين جميع أعضاء اللجنة من جهة والحكومة من جهة، وبعد إجماع الكل على ضرورة أن يكون النص في مستوى الإصلاح المقدم في الخطاب الملكي، تم الاتفاق على الصيغة التالية الموجودة في مدونة الأسرة وهي :

المادة 41 :

"لا تأذن المحكمة بالتعدد.

"-إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي.

"-إذا لم يكن لطالبة الموارد الكافية لإعالة الأسرتين ضمانا لحقوق ونفقة "وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة".

فالمبدأ الذي سنته مدونة الأسرة و التي تم التصويت عليها بالإجماع، هو مبدأ منع التعدد وهو ما يتأكد ويتبين من أن القواعد المتعلقة بالتعدد أتت في القسم الثالث المتعلق بموانع الزواج،  ولم ينص عليه المشرع في القسم الأول المنظم للخطبة والزواج، وهو ما يؤكد أن نية المشرع التي أجمع عليها نواب الأمة هي تقرير مبدأ منع التعدد وليس إباحته.

غير أن من المعلوم أن لكل منع كيف ما كان قانوني أوديني أو أخلاقي أو حتى حسابي رياضي لا بد له من استثناء لحالات استثنائية .

لهذا، فإن المادة 40 من مدونة الأسرة بدأت بكلمة "يمنع التعدد....". و هو المبدأ المجمع عليه تم أتت المادة 41 لتؤكد ذلك المنع  كمبدأ وهو مت يتضح من كون المشرع في تلك المادة  توجه إلى المحكمة وأمرها بأن لا تأذن بالتعدد، إذ ور د فيها ما يلي "لا تأذن المحكمة بالتعدد... فالمشرع بهذه الصيغة أراد أن يؤكد للمحكمة باعتبارها هي الموكول لها بالترخيص بالتعدد من عدمه بأن لا ترخص بالتعدد كمبدأ و كمنطلق، وأنه لو كان إرادة المشرع يريد الترخيص كمبدأ لنص في تلك المادة على جملة "تأذن المحكمة بالتعدد...." وهو الأمر الذي لم يقم به المشرع.

فإذن المبدأ الأساسي ادن هو منع التعدد .

غير أن المشرع سمح للمحكمة بالترخيص بالتعدد بصفة جد استثنائية عندما يثبت طالب التعدد ان له  "مبرر موضوعي الاستثنائي". يدفعه و يلزمه وهو ضروري لحياته.

فإذن المحكمة التي تريد أن تخرج عن مبدأ منع التعدد إلى الإذن بالترخيص به يجب أن يثبت لها طالب التعدد أن له مبرر موضوعي واستثنائي.

ومن غير المنازع فيه أن اختيار المشرع لوصف المبرر بالموضوعي الاستثنائي لا يعني إلا أمر واحد أن لا يكون مرتبطا بشهوة الرجل وبرغبته في التمتع بزوجتين وإنما يجب أن يكون الغرض من التعدد ضرورة استمرار حياة طالب التعدد كزوج أي في الحالة التي تكون المرأة الأولى مريضة لا يسمح لها مرضها بمعاشرة زوجها آو تكون عاقرا لا تلد و الكل في إطار الغرض الشرعي والديني من الزواج و الغاية منه هي الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة، كما تنص على ذلك المادة 4 من مدونة الأسرة.

 لهذا ألزمت المدونة على المحكمة التحقق هل الزوج طالب التعدد لا توفر له زوجته الأولى الإحصان و العفاف و لم تنشئ له أسرة مستقرة، وفي هذه الحالة يتحقق له المبرر الموضوعي الاستثنائي المذكور في المادة 41 .

لكن،إذا كانت الزوجة الأولى وفرت للزوج الإحصان و العفاف و أنشأت له أسرة مستقرة فبأي حق يريد الزوج أن يتزوج عليها إلا إذا لم يكن الغرض هو نزوة شهوة حرمها الله على كل محصن .

فالمبرر الموضوعي الاستثنائي لطلب التعدد هو المدخل الشرعي و القانوني و الأخلاقي للترخيص بالتعدد وغير ذلك سيكون فيه ظلم قاتل لكرامة المرأة كيف كانت.

ولن تنطلي على أي عاقلة كيف ما كانت معتقداتها ما يشاع من كون الزوجة الأولى التي وهبت حياتها لزوجها و هيأت له كل الظروف لينجح في حياته و أنجبت له أولاده و قدمت له كل الخدمات في منزله من كل جوانب الحياة ستكون راضية بان تسمح لغيرها بأن يحتضن زوجها في مكانها.

إلا في حالة وحيدة إذا كان زواجها منه غير مبني على ود وحب وإنما تزوجت منه مكرهة في ظروف لم يكن لها أن ترفضه ففي هذه الحالة يمكن ان نتصور بأنها إنما تريد أن تتخلص منه فتزوجه غيرها.

  لهذا،ضيق المشرع من مبرر الترخيص بالتعدد فجعل ذلك المبرر موضوعيا استثنائيا أي غير ذاتي أي خارج عن شهوة وغريزة الرجل و رغبته في الاستمتاع بزوجة ثانية مع احتفاظه بالأولى .

فالمحكمة، إذن يجب عليها أن تتحقق من ثبوت المبرر الموضوعي والاستثنائي وهو أمر قانوني ينص عليه المادة 41 من مدونة الأسرة التي هي من النظام العام.

ومعلوم أن السياسة القضائية مثلها مثل السياسة الجنائية هي من اختصاص السلطة التنفيذية التي يجب أن تسأل عليها أمام البرلمان.

فقضية إذن المحكمة للوزير بالتعدد هي قضية شأن عام من حق المواطن الاهتمام بها ومن حق الحقوقي التساؤل حول مدى احترام كرامة المرأة بخصوصها ومن حق القانوني أن يساءل عن مدى تطبيق القانون تطبيقا سليما على الجميع باعتبار أن جميع المغاربة متساوون أمام القانون وهو التحول الذي أسس له دستور 2011 عندما ألغى المحكمة العليا و فرض على الوزراء أن يحاكموا أمام المحاكم العادية مثل جميع المواطنين.

إن عدم الوقوف على ضرورة تحقق المبرر الموضوعي الاستثنائي سيؤدي إلى جعل الأصل هو إباحة التعدد بدل منعه كما ورد في مدونة الأسرة وبالتالي سيفرغ الإصلاح الذي دون في مدونة الأسرة من كامل محتواه وسيرجع بالمغرب إلى عهد مدونة الأحوال الشخصية.

 كما سيؤدي بكل بساطة إلى هدم قاعدة مجتمعية تم الإجماع عليها من قبل الدولة و المجتمع وتم النص عليها في مدونة الأسرة الذي اخترق بها المغرب اكبر البرلمانات الدولية الديمقراطية و اتيح لها أن تعرض وتدرس في اكبر المحافل الدولية و التي أشرت على تقدم المغرب وعلى وسطية اسلامه وتسامحه ومكنته من الرد على خصومه من جهة و اثبت قدرته على التجديد ومواكبة العصر دون الانقطاع عن جذوره.

فهل ستتحقق المحكمة من المبرر الموضوعي الاستثنائي مع الوزير أم...