Thursday 7 August 2025
سياسة

مصطفى عجاب: تعقيبا على ميمونة الحاج الداهي... "لا تطيلي النظر إلينا من الهاوية.. نحن لسنا كذلك "

 
مصطفى عجاب: تعقيبا على ميمونة الحاج الداهي... "لا تطيلي النظر إلينا من الهاوية.. نحن لسنا كذلك " عجاب (يسارا) إلى جانب ادريس لشكر ويتوسطهما المحامي غدان
يشهد النقاش حول الولاية الرابعة لإدريس لشكر، على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انقساما واضحا داخل حزب "الوردة"، بين مؤيدين يرون استمرار لشكر ضرورة للاستقرار والحفاظ على الوحدة، ومعارضين يرون أن الاستمرار يكرس الانغلاق ويجدد الجدل الداخلي.
في هذا الرأي يعود مصطفى عجاب، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، للتعقيب على الكاتبة ميمونة الحاج داهي التي تنتقد بحدة الولاية الرابعة لادريس لشكر:


أشعرتني ميمونة الحاج الداهي في الخاص أنها نشرت ردا على تدوينتي السابقة، جوابا على ما نشرته حول الاتحاد الاشتراكي في تدوينة سابقة، وتعقيبا على ردها، أود أن أفتتح هذه المحاورة بملاحظتين:

أولاهما: حين تأخذني الحمية على الاتحاد الاشتراكي فلأنني التحقت بشبيبة الاتحاد في عمر السادسة عشرة، وخلال هذه السنوات الطوال من العمل داخل الحزب، وأقول النضال، كان الاتحاد الاشتراكي هو أسرتي التي احتضنني صغيرا وعوضني عن حضن الأم الذي افتقدته في سنوات الصبا، هي الأسرة التي ربتني وأدبتني وهدبتني، وجدت فيها الأخوات والأخوة الذين تقاسمنا الخبز والملح وحتى المعاناة، انشغلت بالحزب حتى فوجئت بأن بناتي الثلاث قد كبرن في غفلة مني لولا الفاضلة أمهن، ومن غير إطالة في هذا الاستطراد ظل الحزب مكونا أساسيا لهويتي، وانشغالا يوميا في حياتي، آلم لانكسارات الحزب، وأزهو لانتصاراته.

ثانيتهما: أنت في المقابل، تمارسين الكتابة كانشغال وأقرب للهواية، تستطيعين أن تنتقدي من تشائين وقتما تشائين، لست مقيدة بمرجعية، ولا خاضعة لمحاسبة في فضاء يتسع للرأي بلا ضوابط ولا قيود.. ولم أستطع من متابعتي لك سوى حرصك على مصالحة فريقين من أهل قبيلة.

بعد الملاحظتين، بودي أن أتفاعل مع تساؤلاتك، وأنعتها كذلك كي لا أسقط في فخ ما اعتبرته "مغالطات" في جوابي السابق، ترفعا لا جبنا.

- في التاريخ والمشروعية: لم يبدأ تاريخ الاتحاد أمس، بل يحفر عميقا في تربة البلد، وفي كل تاريخ الاتحاد تنازعته الشرعيات، منذ الجامعات المتحدة وإلى يوم الناس هذا. في سنوات الجمر والرصاص أدى الاتحاديون من أرواحهم وأجسادهم ضرائب جمة، كان لها أبلغ الأثر فيما نحن عليه اليوم، خلال هذا التاريخ لم يكن الاتحاد ملكا للمغاربة إلا من حيث ما قدمه من تضحيات، ومع ذلك كان الرعاة في أعالي الجبال التي آوى إليها المسلحون يتركون أغنامهم عرضة للذئاب للمساعدة في إلقاء القبض عليهم، وفي ذلك قصص ومحن تروى.. فالذاكرة والحالة هاته لا تسطع شمسها من نفس النافذة لمن يده تمسك الوردة، وذا الذي يمسك الخنجر… الاتحاد حقا ليس طائفة مغلقة لعبدة الشياطين، ولكن لا يمكن ان يكون مثل "المأوى الإسباني" في المثل الفرنسي حيث يمكن أن يلتقي الجميع بالجميع، ويستطيع كل واحد أن يفترش أرضيته، ويعبث حتى بأثاثه.. الاتحاد حزب، في القانون كما في أصل تسمية الحزب، تحكمه قيم وضوابط وأجهزة. أعضاؤه هم الحزب، والحزب هو مجموع أعضائه.

- في التاريخ والواقع: التاريخ يكتبه المؤرخون، والواقع يصنعه الحاضرون الفاعلون. عندما نتحدث عن قاداتنا وزعمائنا، لا نستدرجهم للتخفي أو التمسح، ولا حتى للتفاخر، وإن كانوا ممن يحق الافتخار بهم، بل لأننا حماة تركتهم، نتأمل صورهم، ونحيي ذكراهم، ونستنير بهديهم.. بل من حقهم علينا الوفاء لتضحياتهم، ومن واجبنا تجاههم أن نظل على عهدهم نرعى الحزب الذي تعاهدنا على الانتماء لمشروعه.. وهكذا يسير قطار الاتحاد بين الخلف والسلف على نفس السكة، في حركية دائمة، أماماً بالتأكيد، وفي كل محطة ينزل المتعبون ويمتطي آخرون واثقون في المستقبل. وفي هذا المسير المتواصل لا نبتزّ التاريخ، قدر ما نستخلص منه الدروس والعبر، بكل ما له وعليه.

- الزعيم والمؤسسة: الزعامة زعامة، تُكسبها الخبرة، وتشحذها العزيمة، وتعركها النوازل، تصنعها الكاريزما، خذ عبد الرحيم بوعبيد، قدس الله سره، كان قائدا كاريزميا، لم ينازعه لأجل "التناوب الذي يغريك" من كانوا معه في القيادة ممن حملوا السلاح في وجه المستعمر، ومن رابطوا في ممرات الإعدام، بل بقي ربانا لسفينة الاتحاد حتى أسلم الروح.. هناك ربانا من نوع آخر، القرصان القابع على الشاطئ يترصد اقتراب السفينة، يستولي عليها ويقتل ربانها ويقودها لأقرب نقطة تمكنه من الاستيلاء على حمولتها، هو ربان أيضا في لحظة السطو، لكنه لن يكون ربانا حقيقيا أبدا. لذلك عندما يرأس الكاتب الأول المؤتمر في كل بقاع المغرب، خرج الاتحاديون، حتى بعد شد وجدب، متوافقين متآلفين، بحكمة القائد لا بالشرطة والعسس. عندما نكون جمع في القيادة، فلأننا مارسنا خلافنا، ووحدنا القائد على رأي اجتمعنا حوله، وليس لكون الكاتب الأول كان يتمنطق بحزام ناسف يهدد بتفجير المقر فوق رؤوسنا. المؤسسة الحزبية، كما غيرها من المؤسسات، كالسفينة تمخر عباب البحر، الربان الكفء من يوصلها لبر الأمان، والقرصان قد يغرقها.

- الخلاف والاختلاف: شتان بين أن تختلف وتنافح عن رأيك في مقابل رأي يخالف رأيك، وتقبل بالديمقراطية لحسم الاختلاف، والتعبير عن الاختلاف في الحزب محله هيئات وأجهزة الحزب، أما ان تحمل مكبر صوت وتذود في الأسواق العامة تسب وتلعن من يختلفون معك، فقد نتحول إلى نموذج لصراع الديكة في روما القديمة، أو صراع المجالدين مع سبارتاكوس حيث لا تتوقف المعركة إلا بمنتصر حي ومهزوم ميت. المختلف يفترض أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب. أما الذين يخوِّنون، ويسبون ويلعنون، ينتشون إذا ضعف الحزب، ويتألمون إذا تعافى، وينصبون له المشانق، ويرتلون المراثي على روحه، وشهدنا، وشهد معنا الناس، من قال إن الاتحاد لم يعد موجودا، والذي قال إنه جثة نتنة لم تجد من يواريها الثرى..ومن شبهتنا ب "كريغور سامسا" في رواية " التحول" لكافكا الذي تحول مسخا حينما استيقظ صباحا من نومه عقب أحلام مضطربة، ووجد نفسه قد تحول في سريره إلى حشرة عملاقة! ألم يفارق عبد الرحيم إخوة من رفقة الدرب، ألم يفارق اليوسفي ثلة من قادة ومناضلين.. وقد كان في كل فراق ألم وضياع طاقات.. وربما كان في ذلك رحمة بالحزب.

- عن الكاتب الأول: في محاورتي السابقة كنت قد أوفيتك مناقب اخي الأستاذ ادريس لشكر، الانسان، المواطن، القائد.. لكنك تصرين على عنادك، والعناد دليل عجز، لن أكرر ما سبق، ما الذي يدعوك لاجترار القول بكونه حاد عن المشروع الاتحادي؟ "حاصر البدائل، أقصى المعترضين، ورط الحزب في معارك شخصية، منطق المقاعد لا المبادئ"!!.. فأما عن البدائل؟ فلم نسمع بدائل ومبادرات إلا من الاتحاد في مختلف مواقعه بتوجيه من كاتبه الأول.. من تجرأ دفاعا عن تحديث المجتمع في الدعوة إلى فتح نقاش في موضوع الإرث؟ تتذكرين كيف تم تكفيره وإهدار دمه، هل أنعش ذاكرتك بما كان يفعله أصحاب "البدائل" الذين تغمزين إليهم، من وصف ما نحن عليه من تغول غير الاتحاد وكاتبه الأول؟ من وقف في البرلمان دفاعا عن حقوق المواطنين في المسطرة المدنية، والمسطرة الحنائية، وقانون الإضراب.. والمجال لا يسع لمزيد.. أليس هذا هو الاتحاد الذي نعرف.. عندما تتحدثين عن المعترضين تقيمين الحجة على أن الاعتراض يفترض للمعترض حق النقض، وليس من الديمقراطية.. أما عن الحاشية، وليست عيبا بل وضرورة في محيط السلاطين، لكن نحن أخوات وإخوة ولم نكن يوما حاشية، تأكدي سيدتي أن الحزب تحرر فعلا من حاشية دلفت القيادة على حين غرة، استوفت مآربها وصفقت الباب وراءها، ومن يريد عودتها هو من يريد فعلا أن يخنق الحزب.
- أما عن كون الحزب ملك مشاع، فهو أولا ملك للاتحاديات والاتحاديين، بحكم الدستور والقانون التنظيمي المنظم للأحزاب، هم بناته وحماته، هم من ينظمون صفوفه، وينافحون من أجله في مواقع تواجدهم، يسعون لتوسيع قاعدته، يكابدون من أجل أن يحسن مواقعه في الجماعات والمؤسسات، من يدفعون جزء من معاشهم لتغطية مصاريفه، من يعطلون التزاماتهم الأسرية لحضور اجتماعاته.. هؤلاء هم الاتحاد.. أما من يتغنون بماضيه من باب النوستالجيا فلا اعتراض، أما من مر يوما ببابه تم ذهب لا يلوي على شيء، وأما من يدعون للحزب بالويل والثبور وعظائم الامور.. فلا هم شركاؤنا ولا نحن شركاء لهم.. أما المغاربة الذين يكنون التقدير للحزب، يدعمونه بأصواتهم، ويتمنون له في أعماق قلوبهم بالنصر، فهؤلاء هم نسعى جاهدين لنكون في مستوى ثقتهم ورهانهم.. لأن المقاعد تهمنا.. والاتحاد بيتنا.. وإدريس لشكر قائدنا..

ربما من سوء، أو ربما من حسن، طبائعنا في الاتحاد الاشتراكي أننا حين نكون في الحزب نصير إخوانا متحابين، لكن بمجرد ما نغادر الحزب نصير عتاة قساة على الحزب وعلى الأخوة نفسها. حتى إنه يصدق علينا ما قاله فيكتور هوجو "أنا لا أكره أحدًا، حتى صديقي الذي خذلني لازلت أحبّه، لكني لا أستطيع تقبّله بجواري مرّة أخرى".

وختاما أستعير مقولة لفريديريك نيتشه اعتقدها تكثف قصدي فيما كتبته إليك "حين تُطيل النظر إلى الهاوية، تنظر الهاوية إليكَ أيضًا وتنفذ فيك ومن خلالك". فلا تطيلي النظر إلينا من الهاوية، نحن لسنا كذلك.