بدعوة من فعاليات جمعوية، شاركت بصفتي فاعلا جمعويا ومتتبعا للحراك السياسي والثقافي والاجتماعي في ندوة "أدوار المجتمع المدني الجديدة بين مقتضيات الدستور والممارسة" بمؤسسة الرعاية الاجتماعية دار الطالب والطالبة بجماعة الصخور الرحامنة، يوم الخميس 12 مارس 2015. وقد شارك في الندوة الأستاذ الحسين الفردوس إطار بالوزارة الكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني ورئيس قسم الحكامة بالإضافة إلى فعاليات أخرى مهتمة بتدبير الشأن المحلي بإقليم الرحامنة.
كنت أنتظر من الخطاب الرسمي لوزارة الشوباني أن يستحضر مفهوم الديمقراطية التشاركية بالشكل والمضمون المطلوب في حضرة النسيج الجمعوي بإقليم الرحامنة، خصوصا أن اللحظة التاريخية تستدعي على الأقل نقل كل مسارات الحوار الوطني المرتبط بالمجتمع المدني بأمانة وتجرد على اعتبار أن دستور 2011 لم ينزل من السماء بل هو نتيجة حراك قوي عرفه الشارع المغربي بقيادة كل الفعاليات السياسية والنقابية والاجتماعية والحقوقية والثقافية والفنية والبيئية وعموم الشعب المغربي، ما دفعني إلى تسجيل النقط التالية خلال مداخلتي:
1 ـ قراءة في الفيديو الذي بثه ذ. الحسين الفردوس
12 دقيقة كاملة لم يتطرق فيها الفيديو لنداء الرباط وموقف الجمعيات والفعاليات الوازنة التي انسحبت من الحوار الوطني بعدما استعصى عليها تأسيس الحوار على خطة ومنهجية محكمة البنيان لإرساء دعائمه ليكون حوارا منفتحا في مساره تشاركيا في مقاربته شموليا في معالجته ومكرسا لقيم التعدد والمساواة ومنسجما مع روح ومقتضيات الدستور، حيث سجلت أن الفيديو مارس التعتيم ولم يتطرق لهذا الموقف المعارض للمنهجية والمقاربة المعتمدة من طرف ذات الوزارة، بل اعتبرت ذلك يتناقض مع مضامين الدستور على مستوى الرأي والرأي الآخر خصوصا أن هناك حوارا آخر انطلق بالموازاة مع الحوار الرسمي للحكومة... فلماذا لم يتناول الفيديو هذه الوقفة الديمقراطية بامتياز ويعرض نتائج حوار نداء الرباط ووثائقه وخلاصاته وتوصياته؟؟
2 ـ دحض مسألة تفضيل الحوار الوطني للمجتمع المدني
خلال تناوله للموضوع استهل الحسين الفردوس، رئيس قسم الحكامة، خطابه بالتأكيد على أنه لأول مرة في تاريخ المغرب يتم تشغيل آلية الحوار الوطني للوصول لنتائج غاية في الأهمية في قضية وطنية، مما دفعني إلى تسجيل موقف معارض لدفوعاته المرتبطة بالحوار الوطني للمجتمع المدني، حيث أكدت في مداخلتي مثل ما جاء في مجموعة من المداخلات من وسط القاعة والتي ثمنت ما قلت، "ألم يعرف المغرب حوارات وطنية ذات أهمية بالغة جدا مثل الحوار الوطني لإعداد التراب الوطني، والميثاق الوطني للبيئة والجهوية الموسعة وووو"، بل تم التأكيد على أن دستور 2011 هو ثمرة لحوارات عميقة ومتجذرة نابعة من نخبنا الفكرية والثقافية والحقوقية والنقابية والسياسية.
3 ـ المجتمع المدني سلطة خامسة دستوريا مع وقف التنفيذ
خلال مداخلتي المتواضعة دافعت باستماتة عن مكونات الحقل المدني التي ترافعت عن أدوار المجتمع المدني الطلائعية منذ 40 سنة من تاريخ سنوات الرصاص، التي قدمت فيها نخبنا ضرائب النضال من أجل هذه اللحظة والتي يطبعها التلكؤ في تنزيل وأجرأت مضامين دستور يوليوز 2011، حيث أكدت على أن العديد من الفصول القانونية بوأت المجتمع المدني مكانته الحقيقية كسلطة خامسة ( الفصول 12/ 13/ 14/ 15/ 33/ 139/ 170...)، بعد السلطة التشريعية (الباب الرابع)، والتنفيذية (الباب الخامس)، والقضائية (الباب السابع)، والإعلامية (الفصل 28 من الدستور)، لكن مع وقف التنفيذ.. حيث أكدت على أن التماطل في التنصيص على قوانين تنظيمية تفك قيود العمل تعرقل حقيقة هذا التحول والمنعطف الدستوري، بل إن هناك العديد من الرسائل السياسية تؤكد أن حكومة المرحلة ترهن الزمن المغربي بالمماطلة والتسويف والعرقلة بحكم عدم قدرتها على ملائمة قوانيننا مع المواثيق الدولية ذات الصلة. وتساءلت عن ملف تشغيل القاصرات الذي تناقضت فيه الحكومة وأغلبيتها مع روح الدستور (تحديد سن الخادمة في 15 سنة في الوقت الذي ترافع فيها المجتمع المدني عن تحديد السن في 17 سنة)، وكذا ملف إلغاء عقوبة الإعدام الذي قدمت فيه مرافعات حقوقية ولم ترضخ الحكومة للمجتمع المدني المتخصص في شأنه.. كما أشهرت ورقة المرفق العمومي وتعطيل مهام وأدوار الجمعيات المتخصصة في التخييم والترفيه والتأطير والتكوين بعد عزل وإقالة وزير الشبيبة والرياضة من منصبه... هي أمثلة عديدة لأسئلة مؤجلة الأجوبة الصريحة طال انتظارها بين مفترق الطرق المؤدية لإصلاحات تنموية حقيقية في إطار "أغنية" الديمقراطية التشاركية و"مواويلها ومعزوفاتها" ذات النشاز الموسيقي على آلة "القانون". وفي نفس السياق طرحت سؤال المجتمع المدني الحارق: هل يجب أن يكون مفهوم الإشراك حقيقيا مبنيا على التعاقد الواضح والمؤطر بقانون يحدده ويحميه، أم فقط بإشراك صوري الهدف منه الالتفاف على متطلبات اللحظة السياسية ؟
4 ـ تفاعل الحضور بالقاعة
من خلال مداخلات النسيج الجمعوي المحلي وفعاليات جماعية وبرلمانية، تم التأكيد على أن الحوار الوطني هو نافدة للمجتمع المدني على السياسات العمومية وشكل من أشكال النقاش العمومي الذي أضحى مكسبا مهما بفضل الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يعرفه المغرب منذ عقود وليس هو وليد اللحظة كما ادعى رئيس الحكامة الحسين الفردوس.. واعتبرت العديد من الأصوات أن الضامن الاساسي لتفعيل وأجرأت مفهوم الديمقراطية التشاركية هو ربط المسئولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة في التدبير والتسيير، واعتماد المواطنة كرافعة للديمقراطية التشاركية في بعدها الحقوقي الكوني ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا، واستحضار كل شروط التغيير الحقيقي كما رسمه خطاب 9 مارس التاريخي الذي وضع خارطة الطريق للحراك السياسي والاجتماعي من خلال عصارة دستور 2011، لأن المجتمع المدني -حسب المتدخلين- أضحى شريكا اساسيا في طرح المشاريع ومواكبتها ومناقشتها ورصد الاختلالات وتقييمها وأجرأتها.
على سبيل الختم
محور الندوة بدوره عرف انتقادا من طرف القاعة على اعتبار أن الأدوار التي يلعبها المجتمع المدني ليست بجديدة في الحياة السياسية والحقوقية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بل هي أدوار ولدت مع المجتمع المدني، حيث أكد بعض المتدخلين على أنه كان على المنظمين تغيير محور الأدوار الجديدة بمحور معيقات المجتمع المدني بين الممارسة ودستور يوليوز 2011 .