الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد بن الطاهر: مسلمو فرنسا من أجل العيش المشترك.. لا للتشهير بأي دين

محمد بن الطاهر: مسلمو فرنسا من أجل العيش المشترك.. لا للتشهير بأي دين

«منذ حوالي قرن، ظلت مسألة الإصلاح في العالم الإسلامي مطروحة على جدول الأعمال. ومهما اختلف أصحابها وكيفما كانت اتجاهاتهم فإنهم يتفقون جميعا على الاعتراف بأن هناك أزمة وذلك لأن الفكر الإسلامي تكلس بسبب الانفعالات الدوغمائية».

بن عاشور، عميد بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس

 

- ميثاق (Charte) من أجل العيش المشترك

أعلن إمام مسجد باريس ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) أنه يعتزم محاربة تجنيد الشبان المسلمين للجهاد والإرهاب الدولي.

«علينا أن ننشر مدونة من 21 فصلا سيتم تعميمها ابتداء من الخميس على جميع مساجد فرنسا تحت عنوان: «اتفاق مسلمي فرنسا من أجل العيش المشترك». ويتحدث هذا الميثاق عن مكافحة كل أشكال التحريض على العنف. وهاجسنا هو أن نكون يقظين واستباقيين والحرص على تكثيف التنبيهات حتى لا يترك أي مكان لنفود دعاة الكراهية. للأسف توجد بفرنسا منظمة مهيكلة لإسلام سياسي، بدعاتها ومجنديها وأسلحتها وأهدافها العدائية، ونحن ننوي محاربة شكل هذا النوع من الاختراقات غير المقبولة».

ردود الفعل الظلامية التي تقسم المسلمين إلى فئات، لم تتأخر في زرع الفرقة والالتباس من خلال الرجوع إلى قراءة لا تاريخية للنص القرآني. هم يذكرون القرآن ويفسرون تصريحات دليل بوبكر، كدعوة لمنع القرآن الذي جاء فيه:

- «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون...» سورة التوبة، الآية 111

- «فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم» سورة محمد، الآية 53

ماذا تعني هذه الدعوات إلى الحرب عندما يدعو القرآن إلى السلام: «ولا تجاد لوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن...» (سورة العنكبوت)، الآية 35

- «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» سورة النحل، الآية 125

ماذا تعني هذه الدعوات عندما نستحضر: «أن الله جعل من السلام خلاص أمتنا وضمانا وحماية لغير المسلمين الذين يعيشون بيننا»

الميثاق هي أداة فلسفية وسياسية مهمة في سياق تجنيد شبان في قضايا غامضة إنه أيضا ميثاق المثقف المسلم ميثاق إنساني حتى يتعلم المسلم العيش في مجتمع متعدد، ديمقراطي يقبل فيه المؤمن مواطنة غير المؤمن.

وأنصار النصوص الحربية يقصدون أنفسهم من الحياة العامة والعيش المشترك بدعوتهم إلى الحرب المقدسة وخروجهم عن تعاليم الدعوة إلى السلم.

- العودة إلى الإلهام الفكري

في دعوته إلى هذا الميثاق، يذكر رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، باستلهام هذا الميثاق ضد خطابات الكراهية وضد كل أشكال التحريض على العنف، وتعامل تحول ممارسة الإسلام إلى سكة من أجل العيش المشترك. وقد ساهم مفكرون مسلمون كبار في إثراء هذه الإضاءات من خلال أعمالهم الخصبة.

- محمد أركون ينيرنا

في أبحاثه الفكرية النيرة، اقترح محمد أركون منهجية لإعادة وضع الإسلام في السياق التاريخي للتدبير الديمقراطي للاختلاف الثقافي المتزايد والذي زادت العولمة من تضخيمه.

فأزمة العالم الإسلامي يمكن تقسيمها إلى شقين:

مادي: التأخر المتراكم في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية...

فلسفي: التأخر الواضح في مجالات الثقافة والفن والقانون والأدب والأبحاث الدينية

والعنصر المثقف ليس أفضل حالا: وقد حاول محمد أركون أن يحدد الميكانيزمات التي تأسست بواسطتها المعرفة الإسلامية وعلاقتها بالقيادة الاجتماعية.

بعبارة أخرى اقترح أركون تفكيك البناء الكلاسيكي المرتبط بالتحالف بين السلطة السياسية والمجال الديني، انطلاقا من مقاربة من ثلاث مراحل أساسية:

مرحلة الأزمة: تفكيك الفكر الديني الأرتذوكسي فيما يسميه الإسلامولوجيا التطبيقية والعودة إلى الإنسانية الإسلامية للقرن الرابع للهجرة (القرن 10 ميلادي).

أزمة مرتبطة بالعلاقة الوثيقة بين تأخر المجتمعات الإسلامية وتقدم أوربا، تشجعها بروز المذاهب الفقهية عبر المدرسة الأشعرية التي شجعت الكسل الفكري، ولم يعد الأتباع يجادلون شيوخهم.

وبخصوص مفهوم إعادة تفكيك الفكر الديني، بلور أركون مبدأ «تحرير الفكر الإسلامي من الحواجز الدوغمائية التي سيج بها نفسه، أي نوع التمرد ضد الأسس الأسطورية فهو لا يعني تدميرا عنيفا وإنما دخولا منهجيا في المسلسل الجدالي والثقافي للنصوص المرجعية.

- إعادة قراءة القرآن: لا إكراه في الدين

التمييز بين القرآن والإسلام يجب أن يشكل أساس المنتوج الإسلامي في سياق العلمانية أي بعبارة أخرى بين النص والتأويلات.

فالرسالة المفتوحة للنص القرآني أغلقها المفسرون. ويدعو محمد أركون إلى «إعادة قراءة القرآن، لأن القراءة التي قام بها الفقهاء والمفسرون موجهة. ولإعادة قراءة القرآن، يتحدث عن لغة البنية الأسطورية. والمفسرون العرب لكلمة «أسطورة» قاموا بمحاكمتها والصقوا بها تهمة الكفر. والخطاب القرآني ترك الخيارات مفتوحة بسبب بنية لغته الأسطورية، بمعنى آخر أن القرآن منفتح ولكن الفقهاء جعلوا منه رسالة مغلقة».

والبنية الأسطورية للغة المستعملة متضامنة ومترابطة مع المجتمع الذي يتكلم بها.

وإعادة قراءة القرآن تعني التوقف عن تلك القراءة المغلقة للقرآن وتحويل معيار القيمة إلى معيار قانوني.

وما يدينه أركون كون الفكر الديني مناقض للفكر الفلسفي الذي هو مصدر الحداثة...

رواد هذا الفكر، الذي يضع الإسلام أمام مستلزمات العيش المشترك كمعتقد أقلية، دعوا في نفس الوقت إلى النضال من أجل أن يخرج المسلمون من هرم هذه الأفكار الجاهزة: «نضال من أجل حرية الفكر ويعيد النظر في كل هذا الوعي الأسطوري في مؤسسة الإسلام. نضال يدافع عن مقولة «لا إكراه في الدين». وإعادة إحياء الإسلام يجب أن تمر كذلك عبر إنسانيته.

- عودة إلى الميثاق

«يشكل تنامي الجهاد في فرنسا فضاضة غير مسبوقة تقود إلى أعمال فظيعة مخالفة لكل قيمنا» يقول دليل بوبكر، وهو بذلك يدعو إلى الانتباه بشكل خاص للأطفال الأوربيين الذين يتوجهون إلى المساجد طلبا لتحول سريع، لأن هؤلاء الشبان يستعجلون القيام بأعمال للدفاع عن الإسلام ومحاربة أعداء الإسلام.

أكيد أن الشبان المعنيين بهذه التصريحات المثيرة هم أقلية وعدد المواليد المسلمين في فرنسا أكبر بكثير من 4000 الذين يعتنقون الإسلام سنويا، وخاصة عندما نعلم أنه من أصل 5 مرشحين للجهاد، هناك واحد من الذين اعتنقوا الإسلام، لماذا إذا لا نولي اهتماما متوازنا بين هاتين الفئتين؟

وكان من المفيد أيضا أن يشرح لنا السيد بوبكر لماذا ينخرط أوربيون معتنقون جدد للإسلام، مباشرة في الجهاد.

ولطمئنتنا قرر إمام المسجد الكبير بباريس التكفل بالمشكل:

ميثاق من 21 فصلا تحت اسم «اتفاق مسلمي فرنسا من أجل العيش المشترك» سيتم توزيعها على حوالي 2000 مسجد حتى لا يترك أي مكان للأئمة دعاة الكراهية. «ميثاق»، «عيش مشترك» لن يستوعبه بالضرورة الأئمة.

وكيفما كان الأمر، المهمة ستكون صعبة لأنها تستهدف منظمة مهيكلة لإسلام سياسي مستورد بأئمته ومجنديه وأسلحته وأهدافه الحربية. ومن تم يمكن تصور سهولة الربط المباشر بين الإسلام والعنف الإرهابي، إذا ما ظلت البيداغوجيا مترددة.

وبالتالي على الجالية المسلمة أن تنخرط في الميدان من خلال نشاطات وقائية من أجل كشف الأعراض الأولى للتطرف التي تظهر في سلوكات أبناء الأوربيين، على أمل معالجة الداء من جذوره. ولكن هل سيكون ذلك فعالا إزاء ديانة، وصفها دليل بوبكر قبل ثلاث سنوات، بايديولوجية الصراع والاعتداء.

ومع ذلك فإن الوقاية لن تكون فعالة إذا لم تكن مصحوبة بأنشطة للاحتواء في العمق عبر المعرفة المتبادلة والعدالة الاجتماعية تجاه «الاختلاف».

 

احتواء الاستقطاب عبر المعرفة المتبادلة من أجل محاربة الجهل وتشجيع رفض كل أشكال الظلامية في الأحياء. ويقترح مجلس أوربا في مبدإه الخامس للحوار بين الديانات على المستوى المحلي: «أن تقوم السلطات المحلية بتحديد لحظات مميزة قادرة على تشجيع المعرفة المتبادلة اللقاء بين الأشخاص كأشخاص وتقليص الإحساس بالريبة والحذر ورعب الخوف. ومثل هذه المناسبات تسمح بالانتقال من الجهل إلى المعرفة ومن المعرفة إلى الفهم ومن الفهم إلى الثقة.

فالشباب الذين يتم تجنيدهم من طرف أئمة الكراهية والمحتالين المدجنين هم أيضا ضحايا أوضاعهم الاجتماعية، فهم في بعض الأحيان مقصيون من النظام التعليمي، بدون آفاق واضحة للعمل ويعانون من العزلة والتشهير في حياتهم اليومية بالأحياء.

فالسلطات المحلية مطالبة بتجسيد اهتمامها بالاختلاف الثقافي والديني وبالحوار بين الديانات في الإطار العادي واليومي لتنفيذ السياسات العمومية المحلية (اجتماعية، رياضية، تربوية، عمرانية، ثقافية ....إلخ) وكذلك في إطار علاقتها مع الجمعيات التي يجسد بذلك بعدا أفقيا: هذا البعد يجب أن يؤطر وينير مجموع الأنشطة في مختلف القطاعات وليس مجالا حصريا في حد ذاته. وفي أفق الإنصات المتبادل، يمكن لهذا البعد أن يفرز تنفيذ ما يسميه الكنديون «التوافق المعقول» توفير أوسع تعبير ممكن للأحاسيس الدينية شريطة ألا تتعارض مع حقوق أساسية أخرى. فالإقصاء يعني إعطاء «الجهاديين المزعومين» حطب المحركة والتمييز يعني إرسال الشباب نحو جبهات الظلاميين، والتشهير يعني إثارة الرغبة في الذهاب إلى حيث الجنة الموعودة، وعدم إعادة النظر في التمايزات والحيف يعني إضعاف اندماج هذه الفئات من السكان وحرمانهم من حقوقهم.

احتواء الاستقطابات عن طريق الاختلاف والحوار عنصر أساسي لمستقبل أوربا.

«إن التدبير الديمقراطي للاختلاف الثقافي المتزايد في أوربا المتجذر في تاريخ القارة وعمقته العولمة، أصبح منذ عدة سنوات أولوية، كيف يمكن الجواب على الاختلاف؟ ما هو تصورنا لمجتمع الغد؟ هل يتعلق الأمر بمجتمع يعيش فيه الأفراد في مجموعات وجاليات منفصلة، تتميز في أحسن الأحوال بتعايش أغلبيات وأقليات بحقوق ومسؤوليات مختلفة، يربط بينها بشكل غير واضح، الجهل المتبادل والصور النمطية؟ أم على العكس: نتمثل مجتمعا ديناميكيا ومفتوحا خال من كل تمييز يستفيد منه الجميع يشجع اندماج كل الأفراد في احترام تام لحقوقهم الأساسية؟ يرى مجلس أوربا أن احترام وتشجيع التنوع الثقافي على أساس قيم تمثل أساس المنظمة (مجلس أوربا) تشكل شروطا أساسية لتنمية مجتمعات مبنية على التضامن».