الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: داعش.. عشق الدم والفراغ

عبد القادر زاوي: داعش.. عشق الدم والفراغ

همسا في السر،

نقولها وبالجهر

لا غرابة عندنا في الأمر،

إن داعش أخذتنا سبايا

أو أردتنا ضحايا

بالحرق أو النحر،،،

فهي تعرف أن البديل

عندنا عيش ذليل

نموت فيه كل يوم

تحت سوط الظلم،

والازدراء أو القهر....

نعم لا غرابة فيما تؤتيه داعش من ممارسات. لقد أدركتها هي الأخرى ساعة الحقيقة، ولم يعد أمامها مجال أكبر للمناورة وزركشة نفسها وخطابها لبيع الأوهام.

فالحاضر العربي، وهي جزء منه، أسود، والغد قاتم، والنفق مظلم. وداعش كما باقي الأنظمة وغيرها من التنظيمات قاصرة على استشراف المستقبل، ولا تمتلك أدوات ارتياده، ولكنها هي أيضا تصر على البقاء والتمدد، وإخماد أي تذمر أو تمرد.

ولأنها منا، فهي أيضا تعرف أن ما يسعفها في مسعاها هو الاستنجاد كالجميع بالتاريخ تجتر أحداثه وشخصياته، تدثرهما بأسمال القداسة، فيما تلك الأحداث وأولئك الشخصيات غارقة في كل موبقات التصفية الجسدية ببشاعة ودموية.

دموية، ها هي داعش تبز الجميع فيها، تتفنن في أساليبها، تفعل بها سادية علاقة غرام وهيام أزلية ومزمنة بين العرب والدم لا أحد يدرك سببها أو يسبر غور كنهها.

علاقة عراها أوثق من روابط الزيجات الكاثوليكية، متواصلة مسترسلة منذ أن كشف عمرو بن كلثوم في معلقته قدرتنا وتصميمنا على أن نجهل فوق جهل الجاهلينا، فنورد الرايات بيضا ونصدرهن حمرا قد روينا.

فالدم وحده عند العرب يؤمن إلغاء الآخر أكان معترضا أو معارضا للاستئثار. فلا يهم إن كان الاستئثار بالسلطة والغنيمة أو مجرد عناد واستعراض لعضلات الاستبداد. فالأهم أن تكون ساعة المعارك سود وقائعنا، وحمر مواضينا، وأن تقطف بلا شفقة ولا محكمة تلك الرؤوس التي أينعت، وأن تجتث الرقاب التي تشرئب لأبعد من أنوف أصحابها. فالأحمر عندنا للكره والبغض لا للحب والتعايش.

والكره لا يعمد في مرابعنا إلا بالدم، الذي، كما أوصانا المتنبي، يجب أن يراق حتى يسلم الشرف الرفيع من الأذى. شرف لم نستطع تحقيقه في العلم والمعرفة ولا حتى في الساحات الرياضية، فاختزلناه في بكارة امرأة لا نفرح في زفافها سوى بقطعة قماش مخضبة بدمها عنوانا لعفتها، ورفعة لشرف أهلها.

أهل قد لا يكون عندهم أي شرف، أبعد ما يكون بعضهم أو جلهم عن أوليات الفضيلة غرقى في النجاسة والرذيلة، ولكن القضاء يمنحهم ظروف التخفيف فيما تسميه الأعراف والتقاليد زورا جرائم شرف، فيما هو  عملية اغتيال معظمها مقصود مع سبق الإصرار والترصد.

والترصد عندنا هواية سياسية بامتياز تتقنها نخب القصور لتصفية بعضها البعض تقربا وتزلفا غير مكترثة بإيغالها في تدني الخطاب السياسي والانحطاط الأخلاقي إلى مستوى مناقشة الذمم والأعراض وتلطيخها بالدم إن اقتضت الضرورة. فهي حريصة على البقاء، لحاف عند الأعتاب خير لها من فراش وثير في العراء.

وبما أن العامة يراد لها أن تكون على شاكلة نخبها، فمن الطبيعي أن تستعير منها هواية الترصد وتضيف لها من موروثها الثقافي، تحت سلطان الإغراء، نكهة الدم والنار. فلم يعد يكفيها نصرة الزعيم الملهم عبر صناديق الاقتراع، فافتداؤه بالروح والدم وحده يحسم الصراع.

وعندما يصبح الدم سلاحا للصراع بدلا من الأفكار والمبادئ والبرامج  يغدو الإيمان بالديمقراطية واهنا، والإقبال على التصويت ضعيفا، ما يولد سلطة أضعف يسود في ظلها الفراغ. فراغ يغري المتطرفين من داعش وأمثالها بتقدم الصفوف واستغلال التشرذم والعزوف.

فداعش فكرة وتنظيما صنيعة للفراغ، والحذر واجب من مواصلة سياسات التفريغ والإفراغ...