حكاية تكاد تكون واقعية
في صخب السوق العتيق، كان هناك رجل يفرض حضوره بين الجموع.
قبعته الصفراء الباهتة، المائلة قليلاً فوق رأسه، ونظارته السوداء المعتمة التي تحجب العيون، وإبتسامته البريئة جعلت منه لغزاً يثير الريبة والدهشة.
كان الناس يتهامسون باسمه، يسمّونه «آل كابوني المغربي».
وحين يضع نظارته ويعدل قبعته، يصبح شخصاً آخر؛ كأنّه يلبس جلداً جديداً، جلد رجل لا يُقهر، سيدٍ للخوف، زعيمٍ يفرض هيبته بالصمت قبل الكلام.
سطوة المظاهر
ما إن يقترب من صناديق السردين حتى يسارع الباعة إلى طيّ موازينهم.
وصغار تجّار السجائر بالتقسيط يتفرّقون كما الطيور عند هبوب الريح.
أما الباعة الجائلون، فيغيرون طريقهم، مفضلين خسارة يومٍ من الرزق على مواجهة ظلّه.
وصغار تجّار السجائر بالتقسيط يتفرّقون كما الطيور عند هبوب الريح.
أما الباعة الجائلون، فيغيرون طريقهم، مفضلين خسارة يومٍ من الرزق على مواجهة ظلّه.
حتى أولئك "بوزريويطة"، أعوان السلطة الذين اعتادوا أن يكونوا السادة في "السويقة"، يطأطئون رؤوسهم.
لا أحد يجرؤ على النظر في عينيه المختفيتين خلف الزجاج الأسود.
أسطورة شعبية
لكن، من يكون حقاً؟
البعض يقول إنه علّال، عامل مرفأ قديم في ميناء سلا.
آخرون يؤكدون أنه صقل هيبته في أوكار القمار السرية بالدار البيضاء.
البعض يقول إنه علّال، عامل مرفأ قديم في ميناء سلا.
آخرون يؤكدون أنه صقل هيبته في أوكار القمار السرية بالدار البيضاء.
غير أنّ الجميع متفقون: قبعته ونظارته ليستا مجرد زينة. إنهما "حرز" طلسمان.
من دونهما، لا يعدو أن يكون رجلاً عادياً، هشاً، مترنحاً أمام قسوة الحياة.
بهما، يصبح رمزاً يُخشى، لا يُمس.
من دونهما، لا يعدو أن يكون رجلاً عادياً، هشاً، مترنحاً أمام قسوة الحياة.
بهما، يصبح رمزاً يُخشى، لا يُمس.
الخوف : السلاح الأعظم
كان مروره في أزقة المدينة القديمة يترك الوجوه مشدودة، والأنفاس معلّقة.
الأيادي ترتجف وهي تقلّب السردين فوق الجمر، والعيون تفرّ سريعاً كأنها تخشى أن تُلتقط.
الأيادي ترتجف وهي تقلّب السردين فوق الجمر، والعيون تفرّ سريعاً كأنها تخشى أن تُلتقط.
فقوة هذا الرجل لم تكن في أفعاله المباشرة، بل في الهالة التي بناها حول نفسه.
الخوف كان سلاحه الأعظم، والجميع في السوق كانوا ممثلين في مسرحيته، يؤدون أدوارهم بإتقان.
الخوف كان سلاحه الأعظم، والجميع في السوق كانوا ممثلين في مسرحيته، يؤدون أدوارهم بإتقان.
الحصاة الصغيرة
لكن، في صباحٍ عابر، حدثت شرارة صغيرة قلبت الموازين.
شاب بائع للورود، قادم لتوه من البادية، لم يكن يعرف قوانين "السويقة".
حين اقترب الرجل ذو القبعة، لم يتزحزح الفتى.
ظلّ يرفع صوته عارضاً أزهاره على المارة، كأن شيئاً لم يكن.
شاب بائع للورود، قادم لتوه من البادية، لم يكن يعرف قوانين "السويقة".
حين اقترب الرجل ذو القبعة، لم يتزحزح الفتى.
ظلّ يرفع صوته عارضاً أزهاره على المارة، كأن شيئاً لم يكن.
ساد صمت كثيف، أثقل من الحديد.
الكل كان يترقب ردّ فعل "القايد ذي النظارات السوداء".
لكنه لم يفعل شيئاً.
تردّد، بحث عن عيني الفتى خلف الزهور، ثم أدار وجهه، مطأطئ الرأس.
الكل كان يترقب ردّ فعل "القايد ذي النظارات السوداء".
لكنه لم يفعل شيئاً.
تردّد، بحث عن عيني الفتى خلف الزهور، ثم أدار وجهه، مطأطئ الرأس.
سقوط الفزاعة
في لحظة، أدرك السوق كله أن الملك عارٍ.
الأسطورة تشققت، والرهبة تلاشت كما يتبدد الدخان في الهواء.
استعاد باعة السردين صخبهم، وضحك تجار السجائر في سرّهم، واسترجع "بوزريويطة" صلابتهم.
الأسطورة تشققت، والرهبة تلاشت كما يتبدد الدخان في الهواء.
استعاد باعة السردين صخبهم، وضحك تجار السجائر في سرّهم، واسترجع "بوزريويطة" صلابتهم.
أما الرجل بالقبعة، فقد أحسّ أن طلسمه يتهاوى بين يديه.
ومن دون هالة الخوف، لم يبقَ منه سوى شيخ منهك، تائه في الزحام، غارق في العتمة.
ومن دون هالة الخوف، لم يبقَ منه سوى شيخ منهك، تائه في الزحام، غارق في العتمة.