Thursday 4 September 2025
كتاب الرأي

رشيد لبكر: اوهام العرافين وصحافة الدفع المسبق

 
 
رشيد لبكر: اوهام العرافين وصحافة الدفع المسبق رشيد لبكر
مارسنا مهنة الصحافة من أوسع أبوابها، وكنا ضمن فريق من الصحفيين الذين تلقوا تكوينا من المستوى العالي قبل الانكباب على تحبير الصفحات في جريدة الأحداث المغربية، ولنا الشرف أن كنا ضمن  فريق الانطلاقة الذي ساهم في الرفع من عدد مبيعات الجرائد اليومية ببلادنا حتى وصلت في بعض الاعداد إلى ما يزيد عن 200 الف نسخة، لذلك نحن نعرف الصحافة جيدا ونخبر دروبها، ولنا إلمام واف بأصنافها المتعددة، العادية منها و الراقية، ونستطيع التأكيد على أن مقال/ التحقيق، يعد من أصعب هذه الاجناس وأعقدها، لأنه جنس يتطلب قدرا كبيرا من البحث والتقصي والتنقيب عن المعلومة الصحيحة " ماشي ع جيب آ فم وقول"، وما نشرته جريدة لوموند المعروفة بعقيدة الإساءة الدائمة للمغرب، يندرج في إطار ما يمكن ان نسميه بالصحافة الشعبوية التي ترهن وجودها بالإثارة و الإشاعة  وبهدر الكلام، وبالتالي فهو أبعد ما يكون عن تصنيفه في اي جنس من أجناس الصحافة الاستقصائية الجادة،  فبالأحرى تصنيفه ضمن زمرة التحقيقات الصحفية الراقية، لأنه لا يتضمن معلومات موثقة عن صحة جلالة الملك (حفظه الله) ، و التي يكون الصحفي قد اجتهد في البحث عنها والحصول عليها من مصادره الموثوقة لتحقيق " خبطته الإعلامية"، بل على العكس من كل هذا، جاء التحقيق الأول من  سلسلة هذه الجريدة،  محملا بالعديد من المغالطات والمعلومات السطحية التي كان الغرض منها، توجيه القارئ نحو فكرة جاهزة وتمثل مهيء من قبل.

فعبر قرائتي لبعض مما كتب (في هذا البهتان)، لم أعثر على مادة خبرية واحدة تعطي للمقال احترامه، غير تكهنات مغرضة، تؤكد بلا ادنى شك، أن محرراه قد حددا منذ البداية، نتيجة او فكرة مقالهما وعزما على تأكيدها ب" اللي كاين" لتوجيه القارى نحو فكرة معدة سلفا كما سبقت الاشارة، إذ  لم ينطلقا من المعطيات صولا الى النتيجة كما هو معمول به في كل التحقيقات، بل قلبا الآية، وانطلقا من نتيجة رسماها على المغرب ونظامه، ثم انساقا وراء تبريرها بكل شيء تعسفا وادعاء، بطريقة تذكرنا بأسلوب الدعاية والبروباغاندا البعيد عن المهنية الصحفية، وهو ديدن الاقلام المأجورة التي تكتب تحت الطلب ولمن يدفع أكثر، وعلى كل حال، فقد كانت لملكيتنا تجارب ماضية مع هذا النوع من صحافة الدفع المسبق الرديئة، وبالتالي فهذا الاسلوب معروف لديها  جيدا ولن تخضع اليوم كما لم تخضع -بالأمس القريب- للمساومة والابتزاز.

 مع الاسف، في الوقت  الذي يشيد فيه العالم بالتجربة التنموية بالمغرب وبنموذجه الإنمائي، لم يظهر لهؤلاء الكتبة، من شيء يغري بالكتابة عن هذا البلد المتميز إقليميا وقاريا ،  غير صحة جلالة ملك البلاد - متعه الله بالسلامةو العافية - ثم الادعاء بوجود توثرات تهدد مستقبل سلبيا  نظام الحكم بالبلاد!؟...
هكذا وبكل بساطة، فلماذا نسي "الصحفيان" تذكير القراء، ولو من باب الموضوعية والإنصاف،  ان هذا النظام " غير المتوازن حسب زعمهما"، هو الذي ارغم بلادهما على الخروج من المنطقة الرمادية والكف عن لعبة الكيل بمكيالين وتبني خطاب الجدية والوضوح في المواقف... زعيم هذا النظام أيضا، هو الذي أرغم رئيس البلاد التي تصدره فيها جريدة "لوموند" عن النهوض من مقعده والجري مهرولا نحو باب الإليزيه بعد ان رفض جلالة الملك استقباله من اي كان غير رئيس الجمهورية شخصيا..ولكنه  الغل والحسد والدينار الذي يعمي الابصار ويحجبها عن الحقيقة، وهذا يدفعني إلى القول بأن نشر هذه السلسلة، امر مقصود لذاته و لغاية مخطط لها،  وهي التشويش على التجربة المغربية التي بدأت تثير مخاوف بعض الدول وتقض مضاجعها، بعدما استطاعت بلادنا فرض نفسها كمنافس قوي لها بإفريقيا بل وفي الحوض المتوسطي.. إنه المغرب الذي  يتوفر الآن على مينائين من اكبر موانى العالم وعبر  ضفتين بحريتين استراتيجيتين في خطوط التجارة العالمية، بلد اضحى منافس قوي لدول اوروبية معروفة في مجال صناعة السيارات، بلد يحضر نفسه لاحتظان أكبر تظاهرة كروية في العالم بثقة كبيرة وتقدم مذهل يشهد عليه القاصي قبل الداني، إذا، فنحن واعون بخلفيات الاستهداف و لن توقف مسيرة بلادنا مثل هذه الخربشات، بل ويكفينا فخرا، ان أصبح اسم بلادنا يحظى بكل هذا الوزن  في سوق الإعلام و تجربته مثيرة لكم هذا بالاهتمام...
 
وليطمئن هؤلاء وأمثالهم،  فمقالاتهم لم تتضمن اي جديد يقلقنا،  فصاحب الجلالة، كان  على وعي تام وإدراك مسبق بهذه المخططات الخسيسة ، فجعل منذ البداية أمر صحته ، شأنا عاما يعلم به كل المواطنين ، عبر بلاغات ملكية رسمية، تحصينا للبلاد من دعاة الفتنة، ولم يثبت عنه، حفظه الله، أن أحاط  المرض، بأسوار الكتمان، بل كان حرصه منصبا دائما على إحاطة رعاياه بكل التطورات ، برضا المؤمنين، وهدوء  السالكين الواثقين، لأنه حفظه الله، قبل هذا وذاك، اميرا للمؤمنين!؟ فهل تعلمون ما معنى إمارة المؤمنين...لا أعتقد ذلك...

وعليه، فليطمئن  اصحاب التحقيق/المهزلة، ويستريح من استأجرهم ...فركن بيتنا من حديد وسقفه من حجر ..و" المغاربة ماشي خفاف"....وقد عاينوا بأم أعينهم هذه الهبة الشعبية الكبيرة،  المناصرة لملكيتهم والمنافحة عن استقرار نظامهم، وذلك عبر كل المستويات، ومن شتى الطبقات...

إن المغرب،  دولة للمؤسسات، يسعى إلى بناء ديموقراطيته بالشكل الذي يلائمه، وقد تتقدم في ذلك كثيرا وتجاوز عددا من الدول التي هي في مثل واقعه، وبالتالي نحن لا ننزعج من النقد ولا نضيق بالاختلاف، وكم من خطاب ألقاه صاحب الجلالة، حمل من الانتقاد ما لا يستطيع فكر الناقمين تصوره ولا مقالات الكارهين أن تتضمنه، ولكنه نقد المصارحة من أجل البناء والتقدم ونبذ اسباب الخلاف، إذ لكي يكون النقد نقدا، ينبغي ان يبنى على العلمية والحياد والموضوعية، وليس على  " اوهام العرافين" و تخاريف قارئات الفناجين، الذي يقولون ما يهوى دافع الاجر ان يسمعه...

هذا وليكن في علم اصحاب المقال، وهما المستنيران في بلاد الانوار !، ان الخوض في صحة الافراد، يعد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان،  كما أقرت بذلك كل المواثيق الدولية، التي ألحت جميعها، على حق كل فرد في التعامل مع خبر مرضه بالشكل الذي يريد، إلا في الحالات الاستثنائية المؤطرة بالقانون، أما ما عدا ذلك، فليس من حقكما قانونا، الخوض في مرض جلالة الملك على اعتبار أن هذا الأمر،. يعد مسألة شخصية خالصة، اقرها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته 12 على حماية الحياة الخاصة، كما أكدها الإعلان العالمي لاخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان وهو المرجع  الأخلاقي والقانوني الأساسي في مجال البيولوجيا والطب والعلوم الحياتية، المعتمد من طرف المجتمع الدولي في سنة 2005 ، والذي جاء فيه هو الآخر،  الإقرار على  الخصوصية والسرية من خلال حماية البيانات الشخصية والمعلومات الصحية للمريض، وهو ما يرتبط مباشرة بـالحق في كتمان المرض، او ما يعرف ايضا  بـالحق في الخصوصية الصحية، هو - لمعرفتك الخاصة - من الحقوق الأساسية المرتبطة بكرامة الإنسان وحريته الشخصية، ثم هناك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966): والذي أكد من جهته على الحق في الخصوصية (المادة 17)، أي عدم تعرّض أي شخص لتدخل تعسفي أو غير قانوني في حياته الخاصة، بما في ذلك المعلومات الصحية، أضف إلى ذلك، إعلان ليشبونة حول حقوق المريض والذي  يؤكد بدوره ،أن للمريض الحق في خصوصية معلوماته الصحية...فبأي حق تنتهكون هذا الحق ؟ او بالأحرى ما الغاية وما المقصود من هذا الانتهاك؟ وباي أجر، فعلى قدر المخاطرة يكون الثمن...؟! صراحة، يصعب علي حقيقة الاعتقاد انكما تجهلان بكل هذه المقتضيات!؟ وإلا فإن تناولكما المغرض لصحة جلالته، لا يفهم منه،  إلا غاية أخرى، هي الضرب في الاستقرار الوطني والمس بسمعة و مصداقية المؤسسات الوطنية و زرع بذور الشك والفتنة بين عموم المواطنين، وتلك لعمري، تهم تكفي لتحريك مسطرة المتابعة في حق الجريدة وفي حق أصحاب المقال، الذي بدا جليا، ان استهدافهما، لم يكن المقصود منه صاحب الجلالة فقط، بل هو استهداف مباشر  لكل مواطن،  رأى في مقالكم، مسا خطيرا بأمن واستقرار  المملكة الشريفة، التي تلم لحمتنا جميعا، في ظل شعارنا الخالد الله الوطن والملك.
 
رشيد لبكر/ استاذ القانون العام ، كلية الحقوق بالجديدة جامعة شعيب الدكالي