الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

العباس الفراسي: إهانة نساء ورجال التعليم.. من المتعلمين إلى الوزارة

العباس الفراسي: إهانة نساء ورجال التعليم.. من المتعلمين إلى الوزارة

تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي كل مرة على وقع فيديوهات أبطالها نساء ورجال التعليم ضحية التصوير السري لأطوار تعنيف أو سب أو قذف في حق المتعلمين. والغريب في الأمر هو أن وزارة بلمختار تستجيب فورا، لتبدأ ماكينتها الانتقامية في الاشتغال دون مراعاة لحيثيات وسياق الحادث. فبسرعة فائقة يصلنا نبأ توقيف رجل تعليم أو عزله أو إحالته على المجلس التأديبي. لكن هذه الماكينة الصدئة لا تتحرك إلا ضد الأستاذ فقط، ولا تتعداه مثلا إلى محاسبة مسؤولين نهبوا أموال الوزارة، أو محاسبة سماسرة يتاجرون في نساء ورجال التعليم، أو وحوش تبتز الآباء والمتعلمين من أجل نقط لا فائدة منها سوى إعطاء شواهد لجيل من الجهلة و الوصوليين.

فصاحب الخمسة مثلا كانت محاسبته سريعة نتيجة تسرب فيديو نجهل حيثيات تسريبه، وكذا الأستاذة صاحبة الفيسبوك، ثم مدرسة الإعلاميات مؤخرا.

وإذا كانت الإدارة العامة للأمن الوطني هي الأخرى تعاني الأمرين، من قناصة يصطادون عناصرها وهم يتلقون الرشوة أو يطلبونها، فقد لجأت الشرطة إلى تصوير الكليان الراشي أيضا، للإيقاع بكل من يراود شرطيا أو دركيا بعد ارتكابه لمخالفة تستوجب الردع. وهذا ما يحتاجه الأستاذ أيضا، خاصة وأن فضاءات المؤسسات التعليمية تعج بالانحرافات والممارسات اللاأخلاقية والإجرامية، بل والمساومات حول النقطة والغياب، وأبطالها طبعا إما متعلمون أو آباء أو إداريين لا يحملون من صفات القطاع التربوي إلا الاسم و يستحقون التصوير.

فبالأمس مثلا كاد حارس عام بثانوية إعدادية بنيابة تاونات أن يلقى حتفه جراء هجوم بالسلاح الأبيض، نفذه متعلمون رفضوا إحضار أولياء أمورهم لأنهم كثيري الغياب، و لولا تدخل بعض الأساتذة و حضور الشرطة بعد ذلك، لقتل الحارس العام الذي لم يشأ متابعة المجرمين الصغار لنبله، وترفعه ولا أخلاقية مساطر القضاء.....

ومن خلال شهادة زملائه، فقد انهال عليه هؤلاء الشمكارة بالضرب والسب والتعنيف، بل إن أحد هؤلاء المحسوبين قسرا تلاميذ، كاد أن يزهق روح الحارس العام بسكين لولا الألطاف الإلاهية.

إننا كرجال تعليم نتعرض كل يوم للاستفزاز داخل الفصل و خارجه، تماما كالشرطة والقضاة والأطباء، لكن أن ينزع الموقف من سياقه ويحاكم الأستاذ أو يعلق الشرطي ويطرد القاضي، فهذا أمر غير أخلاقي، لاسيما وأن المساطر تسرع في موقف معين لتتباطأ في مواقف أخرى.

إن ما تشهده المؤسسات التعليمية الآن من مظاهر لا أخلاقية، وعلى رأسها التصوير في لحظة معدة سلفا قصد الإيقاع بالضحية والكيد لها بهدف الفضح والانتقام، لدليل قاطع على تخلف المجتمع واندحار مبادئه. وما مسارعة الوزارة إلى معاقبة الأستاذ إلا تجسيد واضح لهذا التخلف والانحطاط.

لست ضد العقاب، ولكني مع استحضار السياقات والملابسات. ففيديو الأستاذة يظهر أن ذلك السلوك مفتعل، ليتم التصوير وتتحرك آلة كافكا لتعذيب الضحية. أما في حالة الحارس العام فلا تصوير ولا مساندة للضحية الذي لا ذنب له سوى أنه يقوم بواجبه بحب وإخلاص، ولا ينتظر من الوزارة أي شيء سوى أن يرد له الاعتبار إن كانت هذه الوزارة مؤهلة لذلك.