الخميس 18 إبريل 2024
جالية

عمر الإدريسي الزاهري: الصحافة الفرنسية لعبت دورا مخزيا في التحريض المستفز ضد الإسلام

عمر الإدريسي الزاهري: الصحافة الفرنسية لعبت دورا مخزيا في التحريض المستفز ضد الإسلام

يشير عمر الإدريسي الزاهري، أمين عام جمعية الحقوقيين العرب المسلمين بأوربا، في هذا الحوار، أنه قبل الخوض في أسباب تنامي الاعتداءات العنصرية بفرنسا، لابد من استحضار التاريخ القديم والحديث المشترك والصور النمطية عن الآخر والاستعمار والحروب الصليبية.. ومن الأسباب الداخلية هناك تراكمات سياسات الإقصاء والتهميش والحملات المغرضة لبعض قنوات الاعلام في حق العرب والإسلام.. موضحا أنه بعد هدوء العاصفة من الغليان المصاحب للأحداث، ارتفعت أصوات تطالب بضرورة إيجاد حلول للشباب وبحث أسباب التطرف وإحياء قيم المواطنة وخلق لقاءات بين ممثلي الديانات واللائكية والعمل على خلق وإحياء جو وطني جمهوري بتحقيق التعايش المشترك ونبد العنف..

+ كيف تنظرون كمهاجرين مغاربة لتنامي الاعتداءات العنصرية والكراهية ضد الجاليات الأجنبية وخصوصا المسلمة بفرنسا بعد حادث الهجوم على شارلي إيبدو؟

- الجالية المغربية حبست أنفاسها أيام وقوع الهجوم وصدمت كما كل مكونات المجتمع الفرنسي عامة، واستعادت شريط أحداث السنوات السابقة التي تشبه حادثة مراح بشدة للأذهان وما رافقها من أحداث وعنف وأضرار بصورة الجالية المغربية عامة والإسلامية العربية المهاجرة خاصة. ولابد من الإشارة إلى أن جل المغاربة والمسلمين يستنكرون العمل الشنيع ويرفضونه كما يرفضون أن ينعتوا ويتهموا بالإرهاب ويرتبط به اسمهم.. ولهذا، خلال النداء للمسيرة الكبرى للتضامن الوطني، تعالت بعض الأصوات من جديد مطالبة بالخروج لإسماع صوت الجاليات  المسلمة عامة.

لقد ارتفعت وتيرة الأحداث والعنف بعد الهجوم على شارلي إيبدو، وسجلت سلسلة من الإعتداءات على المباني والمساجد (33 اعتداء على المساجد) وتحولت إلى الافراد والأشخاص، وبالخصوص النساء والأطفال، وانتقلت إلى الطلبة بالجامعة وغيرها في حالات تشبه هستيرية، حيث تم قتل وطعن مواطن مغربي بجنوب فرنسا (95 حالة إهانة وتهديد).. وقد سجل 133 عملاً معادياً للإسلام بفرنسا خلال أسبوعين فقط ما تم تسجيله في السنة الماضية  2014 بحسب المرصد التابع للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

ما يحز في نفوسنا هو الصمت المطبق عن هده الأحداث، وخصوصا الجريمة البشعة التي ذهبت بروح ضحية بريئة، وهو مواطن مغربي اسمه محمد المعقولي الذي طعن بالسكين قرب عائلته وقت صلاة الفجر، حيث لم توليه وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية والخاصة أية أهمية ولا حتى الإعلام المغربي ولا المسئولين بالجالية المغربية المقيمة ووزارة الخارجية رغم ما يفرضه الحادث من أهمية ومتابعة كما يحدث مع جاليات أخرى أو ديانات أخرى بعينها، حيث يسلط عليها الضوء وتعطاها الأهمية القصوى بل وتدويلها.. ونحن نستنكر بشدة قتل هذا المواطن المغربي بدم بارد.

+ ما هي أسباب تنامي الاعتداءات العنصرية بفرنسا، هل الأمر مرتبط بسلوكات الجاليات المسلمة أم بتراكمات سياسات اقتصادية واجتماعية المنتهجة بالبلاد، والحملات الإعلامية المغرضة تجاه الإسلام والمسلمين؟

- لابد من التنويه بخطاب كل من وزير الداخلية الذي أكد على عدم الخلط بين الإسلام والإرهابيين وخطاب الوزير الأول أمام البرلمان الذي قال فيه بالحرف إن له صديقا وهو من أعز الأصدقاء إليه وديانته الإسلام.. قال له "إني أخاف على نفسي من الأحداث الحالية". فأجابه الوزير الأول أنه لا يجب على المسلمين الفرنسيين الخجل من انتمائهم للدين الإسلامي.. وبعده بأيام ذهب هولاند رئيس الدولة في نفس اتجاه التطمين محذرا من ربط الإسلام بالإرهاب.

وقبل الخوض في أسباب تنامي الاعتداءات العنصرية بفرنسا، لابد من استحضار التاريخ القديم والحديث المشترك والصور النمطية عن الآخر والاستعمار والحروب الصليبية.. ومن الأسباب الداخلية هناك تراكمات سياسات الإقصاء والتهميش والحملات المغرضة لبعض قنوات الاعلام في حق العرب والإسلام.. وهو ما أكدته تقارير منظمات هيومان رايت ووتش ومنظمة التعاون الأوروبي والخارجية الأمريكية وأمنستي أنترناسيونال، وكذا التصريحات العنصرية لرئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (يمين وسط) وسياسات ساركوزي الذي استعمل الإسلام كقنطرة لمصالحه الشخصية والسياسية، وبشكل غير مباشر لحشد التأييد واكتساب أصوات حزب الجبهة الوطنية مارين لوبين، والحقد على المهاجرين وعلى شباب الضواحي خصوصا، وإثارة المواضيع الثانوية وجعلها كقضايا رئيسية بدل إيجاد حل للتخبط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تعيشه اوربا وفرنسا خصوصا ومساهمتها في الحرب مع امريكا بالعراق وليبيا مثلا.

image001

ومن بين القضايا التي أثيرت في السنوات  الماضية هي قضية الحجاب ثم اللباس ومنها البرقع وتم استصدار قوانين تحرم هذه الرموز في أماكن ومؤسسات الدولة، وتم بذلك حرمان العديد من الفتيات والنساء من العمل بالحجاب، أضف إلى ذلك محاولة استصدار قوانين جديدة تمنع  المرأة من ارتداء الحجاب في بيتها وأثناء رعاية الاطفال الصغار.. ناهيك عن محاولات منع النساء أمهات الأطفال المحجبات من مرافقة أطفالهن خلال النزهات وأثناء ممارسة الرياضة. ونشير بهذا الصدد إلى الحملة التي تم شنها ضد إحدى المربيات المحجبات في ما يسمى روض "بابيلو" والتي رفعت إلى القضاء لمنع مربية مغربية الأصول من الاشتغال بالحجاب في روض خاص غير تابع للدولة، بمعنى أنهم يحاولون توسيع نطاق منع الحجاب ليشمل المؤسسات والشركات الخاصة.. إضافة إلى الهجوم الثقافي والفكري حيث فتحت أبواق تنادي بإعادة نشر الرسوم من طرف مجلة "شارلي إيبدو" وغيرها، ورفعت ضدها دعاوى من طرف أفراد الجالية، ولكنها خسرت لأن القانون بفرنسا أو ما يسمى بحرية التعبير يسمح هنا بازدراء الأديان والمقدسات وليس الأشخاص. ونحن نرى كجالية وكحقوقيين أن أخطر الأسباب الفاعلة في إشعال الفتن، والتي تسعى إلى الإرهاب الفكري وهدم قيم المواطنة والتعايش بين الأديان، هي أفكار بعض المفكرين أو مهرجي الإذاعة والتلفزيون وبعض الصحف الذين يسعون إلى خلط المفاهيم.. ومن هؤلاء بعض من يصفونهم ب  "الخبراء" في الإرهاب أو الهجرة، لكنهم في العمق يفتقدون لأي تحليل علمي دقيق أو مستوى علمي وأكاديمي، وكل ما لديهم حقد أعمى وكراهية كالمسمى عبد الوهاب مهندب الذي توفي الصيف الماضي وكان له بوق براديو ثقافة فرنسا يتحدث فيه عن مرض الإسلام والإسلام المريض. إلى جانب دور الصحف و المجلات والإعلام المفروء ومنها "لوبوان" و"لوفيكارو" المواليتين لليمين العنصري و"ماريان" و"ليبيراسيون" التابعة لليسار، ومجلة "فالور أكتيال" التي لم تتوقف أغلفتها عن التحريض المستفز ضد الإسلام.. وقد أشارت ذات مرة أن أكثر الأعداد مبيعا لدى المجلة قبل أسبوع من حادثة باريس، وهو العدد الذي يظهر امرأة ترتدي حجابا يحمل ألوان علم الجمهورية الفرنسية تحت عبارة "الخوف على فرنسا، ماذا لو كان وولبيك على حق"، مشيرة بذلك إلى كتاب وولبيك "الخضوع" كقصة سوريالية الذي يتخوف فيه من تحول الجمهورية إلى يد رئيس مسلم  منتخب في سنة ألفين وعشرين.

+ وكيف تقيمون موقف الحكومة الفرنسية إزاء الوضع؟

لقد كانت الخطابات التي أعلنها كل من الوزير الأول ووزير الداخلية وكذا الرئيس الفرنسي في جلها مطمئنة شيئا ما، وعكست نوعا من الارتياح عند الجالية المغربية، كونها أتت مختلفة عن خطابات السنوات الماضية التي كانت تميل لفئة معينة دون أخرى من الطوائف الدينية بفرنسا في معظم الأحيان.. ونقصد الطائفة اليهودية، وبعد أحداث شارلي إيبدو أعطيت الأوامر بحماية المدارس والمعابد وبعض المساجد، مع الإشارة إلى أن الحماية شملت فقط دور العبادة الخاصة باليهود خوفا من تكرار الهجوم عليها وتم تبرير ذلك بأنه ليس بإمكان الحكومة حماية كل المساجد ودور الكنائس وبقي التركيز على الكبرى منها بالمدن.

+ هل الموقف يدعو إلى التخوف، خصوصا بعض رفض فرنسا استقبال العمال المهاجرين المغاربة القادمين من إسبانيا؟

- لا أعتقد أن رفض فرنسا استقبال العمال المهاجرين المغاربة القادمين من إسبانيا بهذه الحادثة، بقدر ما يمكن ربطه بملف الهجرة السرية بالقارة الأوروبية عامة، وكذلك بالاتفاقية بين البلدان الاوربية "شينغين" وبأهلية وسيادة كل دولة وأحقيتها باتخاذ إجراءات احترازية لحماية اقتصادها من تعميق الأزمة التي عصفت بأوربا.. وبما أن فرنسا ليست لها حاجة ليد عاملة، لأن أبناءها وحتى المهاجرين إليها لا يجدون شغلا، فكيف ستسمح بأن يتوافد مهاجرون جدد من بلد أوربي مجاور لها أي إسبانيا بغض النظر عن كونهم مغاربة أو غير مغاربة.. والأمر لا يدعو للتخوف من هذا الجانب، لأنه كلما كانت الحاجة ماسة وملحة لليد المهاجرة فلن تتوانى فرنسا أو إسبانيا إلى اللجوء لخدماتها وطلبها وبالكمية والنوع الذي تحتاج إليه.

+ وهل تتوقعون انفراجا قريبا للوضع وانتصار الأصوات الديمقراطية بفرنسا على حساب القوى العنصرية والمتطرفة؟

- بعد أن هدأت العاصفة من الغليان المصاحب للأحداث، ارتفعت أصوات تطالب بضرورة ايجاد حلول للشباب وبحث أسباب التطرف وإحياء قيم المواطنة وخلق لقاءات بين ممثلي الديانات واللائكية والعمل على خلق وإحياء جو وطني جمهوري بتحقيق التعايش المشترك ونبد العنف.. في حين انتفضت الأصوات العنصرية منادية بضرورة منع انتشار الإسلام ونزع الجنسية من مزدوجي الجنسية ممن يقومون بالأعمال الجهادية أو ممن يسافرون للجهاد بالخارج وتضييق الخناق على الانترنيت والتضييق على الحريات وإعطاء الشرطة والدولة الحق في توقيف كل من يتعامل مع المواقع الالكترونية للحركات الجهادية وتوقيفه ولو لم يرتكب أي جرم، حيث تم توقيف العديد من الأشخاص على خلفية الأحداث.. وحسب منظمات حقوق الإنسان فقد عرفت فرنسا تزايدا في القضايا المعروضة من هذا الصنف واختلافا في الأحكام الصادرة وتناقضها رغم أنها تتعلق بنفس الموضوع.. وكما وقع في حادثة غريبة وصادمة عن حقوق الانسان بفرنسا والتي تتعلق بقصة طفل تلميذ اسمه أحمد يبلغ ثماني سنوات بمدينة نيس والذي رفع ضده مدير مدرسته دعوى قضائية وتم استنطاقه بمخفر الشرطة خلال ساعتين، ووجهت له أسئلة: هل أنت مع الإرهاب؟ وما هو الإرهاب؟ وأجاب محاميه أنه لا يعرف الإرهاب، ولم يقل إنه مع القتلة.. وأمضى على محضر الضابطة القضائية. واستنكر محاميه ما جرى له، وقام والداه بمساعدة القوى الحية ومنظمات المجتمع المدني برفع دعوى ضد المدير هذه الأيام. وقد استغرب محامي العائلة من استدعاء طفل في الثامنة من عمره للتحقيق معه في مخفر مشيرا إلى مفارقة لجوء مدرسة مسئولة عن التعليم إلى المخفر كحل بدلاً من إيجاد حلول تربوية للموضوع.

ونأمل كفاعلين حقوقيين بأن لا تمحي قضية "شارلي إيبدو" كل التراكمات والمكتسبات الحقوقية والحريات والديمقراطية، والتي تعرف بها فرنسا كدولة في تاريخها وفي كتبها وسياستها وواقعها ومؤسساتها. وأعتقد أن ما حدث سيشكل فرصة لطرح أسئلة وملفات ظلت معلقة أو ظلت المواقف بشأنها غامضة من قبيل الهوية والمواطنة والديانة وموقع الاسلام بصفة خاصة بفرنساوأوربابصفة عامة، باعتبار أن الإسلام جزء ومكون ورافد من المجتمع الفرنسي.