الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: 3 سنوات من الترقب

عبد الحميد جماهري: 3 سنوات من الترقب

لم تكن ثلاث سنوات من عمر الحكومة كافية لرئيسها لكي يترك بصمته الضرورية على مجريات الحياة الوطنية، ويرسم خلاله صورة شخصية «بورتريه ذاتي»، مقنعة، وقاموسا سياسيا يرتقي بالسجال السياسي إلى مرتبة إنتاج الأفكار، والقيم التي من شأنها أن تغني التجربة، ولم لا الاستثناء المغربي.

ففي جانب القاموس السياسي، فقد تأرجح خطابه من الدعوة، والتتفيه، بين الميل إلى توظيف المقدس، من قبيل أنه هبة من الله، وبين المدنس المتداول كأوصاف القدح في المعارضين وعدم تسمية المقاومين لسياسته بدون اللجوء إلى انزلاق اللغة.

لا يمكن أن يقوم خطاب سياسي للمرحلة على هذا النوع من التأرجح، في الوقت الذي كان عليه أن يلجأ إلى خطاب واضح وصريح يكسر طابوهات كبرى من قبيل الثروة، والفساد والانتقال إلى التعامل بما هو أرقى من وصف الحالة.

لقد قضى هذه المدة من 48 شهرا، في تمرين متواتر من أجل تعايش يفترض فيه أنه موجود وهو أساس السياسة. وقد وقع في الذي لا يجب أن يقع فيه السياسي، الذي يستند إلى شرعية انتخابية يرفعها كل مرة في وجه معارضيه، وانساق مع أجندة تضع التوافق المتحدث عنه كأولوية قبل الديموقراطية وترجمة الخيارات الدستورية المتفق عليها -وليس متوافق عليها- داخل الحقل الوطني، وتعطيل التجسيد المؤسساتي لهذه المرحلة.

كل هذه القضايا الجوهرية، لم يقنعنا فيها عبد الإله بنكيران، باعتباره رئيس حكومة وليس كشخصية حزبية وطنية لها وعاؤها الأخلاقي والسياسي الذي هو مالكه، بأي شيء سيحتفظ له به التاريخ.

وليس صدفة أن الموقف الذي اختاره الرئيس في تدبير الزمن السياسي المغربي، في لحظة مفارقة من التاريخ الحديث في منطقة شمال أفريقيا والعالم العربي، لا يمكن إلا أن يكون دون عتبة إنتاج خطاب قوي، لأنه في الواقع لم يتفاد فقط الحديث عن مأسسة المكتسب الدستوري، بل هو تفادى أيضا الحديث في أكثر القضايا السياسية قوة وتأثيرا في المغرب اليوم.

ففي قضية الصحراء، لم يتميز أداؤه بأي موقف يذكر، وظل صمته وتسليمه السمة الأبرز في علاقته بقضية الوحدة الترابية، بل شهدت القضية لحظات تصعيد غير مسبوقة، سواء من الاتحاد الأوروبي وتقرير طانوك، منذ سنة بالضبط في بروكسل، أو عندما تعلق الأمر بالتصعيد الأمريكي الخطير، بخصوص قضية المينورسو في أبريل من نفس السنة، والذي واجهه المغرب عبر خطاب ملكي قوي وغير مسبوق.

 كما لو أنه لم يكتشف أن الصمت حكمة إلا في القضية الأكثر حرارة في تاريخ المغرب المعاصر.
الترابط بين الصمت في القضية الوطنية والقضية الديمقراطية، رافقه الصمت أيضا في قضية حماية الإنسان والمؤسسات والأرض من الهجمات الإرهابية، لم تكن للرئيس إبداعات سياسية قانونية أو أمنية في مجال التعاطي مع موضوع أصبح اليوم يحكم جزءا كبيرا من الاستراتيجية الدولية مرتبط ارتباطا وثيقا بتدبير الانتقال في منطقتنا، وهو الإرهاب باسم الدولة الإسلامية حينا، وباسم الخلافة أحيانا أخرى.. وباسم الهجوم على الطابع المدني والديمقراطي والتعددي للمجتمع.

وخارج الكلام الذي نسمعه في مواقيت البدل الضائعة، لم نسمع للحكومة خطابا يجمع بين الاستراتيجيات الوطنية في ملفات ذات وزن كبير للغاية في تحديد المستقبل.

بل يمكن القول إن التدبير الذي تقوم به إلى حد الساعة لا يخرج عن فرض أجندة مالية محضة، تقدمها على أساس أنها شجاعة سياسية غير مسبوقة، توفر 12 مليار درهم للدولة، في الوقت الذي تخسر ضعف المبلغ من فوائد الديون وحدها..

وقد أعادت المقترحات الخاصة بالانتخابات، وبالأجندة الانتخابية، والتقطيع، أي بكل الميكانيك الديمقراطي، التي تصنع النخب وتجود أداء الدولة ومفاصلها الأخرى، النقاش الوطني إلى لحظة هاربة من الزمن، لحظة النقاش حول ضمان الشفافية وضمان التقسيم الجدي، وضمان الحياد في الإدارة وما إلى ذلك من القاموس الذي تركه السيد الرئيس وتوجه، على عكسه إلى قاموس آخر قريب من الفرجة بعيدا عن المنبرية السياسية، المطلوبة في الخطاب..