السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الزكي باحسين: الحسن الثاني.. الميزيكوفيلي الذي حكم المغرب

الزكي باحسين: الحسن الثاني.. الميزيكوفيلي الذي حكم المغرب

لما جلس الحسن الثاني على العرش سنة 1961 وعمره 32 سنة بدا كما لو كان يشارك في برنامج  "إكس فاكتور" للمواهب. لم يكن هناك ليغني؛ ولكن لإثبات أداء ملوكي جدير بأن يحوز التفاتة الحكام الجالسين على الكراسي الحمراء.

بدأ خليفة محمد الخامس في الأداء؛ لكن لا أحد من الحكام ضغط على زر الاستحسان ليواجه المؤدي وجها لوجه، دليل قبول مصحوب باعتراف جيد التنقيط.

ما حاز "ياسهم" [من yes]؛ ولكن يأسهم حاز. فقرروا، جميعهم، أن مدة حكم هذا الشاب لن تزيد عن أسبوعين.

المعنى واضح. كان ذالك يعني أنه "ملك الكَانْزَا"؛ وهي مدة العمل التي كان يقضيها كل متعاطي لشغل ما لتحصيل أجرته في مغرب ذالك الزمان.

الفرنسيون متأثرين بعوائد آل بوربون الملكية؛ مع أنهم كانوا في زمن الجمهورية الخامسة، زادوا في المدة وحددوها في شهرين. لقد كانوا بأريحية متعاطفة مع الملك الشاب حد تحديد مدة إقامته في السلطة في شهرين. كانوا متجانسين مع الهوية اليعقوبية لنظامهم الإداري والذي يعطي المتدرب le stagiaire مدة شهرين لتجويد مهاراته واكتساب الخبرة ليقرر في مصيره. الاحتفاظ به أو منحه شهادة التدريب وتسريحه بإحسان.

بعض الأداء كان أليجوريا بدرجة جبارة. ماذا لو التفت حكم واحد ولعله بفعله هذا كان ليصيب أصدقاءه الآخرين بالعدوى ويقول للملك الشاب؛ إنك لعظيم الثبات، فقدت للتو أباك وها أنت تقيم له ما يليق من التكريم. وعلى طريقة حكام الإكس فاكتور الأمريكيين المأخوذين بجلال أداء قامات استصغروا شأنها بدءا ولما صارت بهية العطاء ضغطوا على الزر على طريقة أهل الجذب فلا يشعر الواحد منهم وإلا صار "لاقوني" [أسلوب  تخاطبي موجز عرفت به اسبارطة] التعبير حيث يُوَنْزِب [من الفعل winzipper] مسترسل كلامه في سبع كلمات خلقها لفظا كما خلق الله السبع سموات

I just wanna give you a hug أريد فقط أن أحضنك.  

بعض الود، شيء من الحب. ضم ووجد. ولحظة عناق. للأسف لم يكن حكام الكراسي الحمراء يفرزون الكافي من فيرمونات phéromones التقاربالعاطفي مع الملك الجديد.. فتور عاطفي تام.

إسْتَسْخَفُوهُ, إزْوَرُّوا عنه. واسْتَنْسَرُوا عليه.. وأمعنوا في القالة السيئة. ولما طال حكمه عارضوه وسَفَّهُوهُ. لقد خاب تكهنهم.. فلا هو بملك الكانزا ولا هو بملك متدرب.. إنه ملك كامل الاستواء..

آل بهم الأمر إلى طلب الكمال فصاروا  له معارضين بفترة دوام كامل..

كان الحسن الثاني ميزيكوفيليا؛ غير أن معارضيه لم يذهبوا أبدا للكونسيرفاتوار. كان هذا يعني توليه تنويط البلاد موسيقيا والقيام بأداء à cappella منفردا.

لقد واجه معارضة من طينة السادة العُلى overlords، حَدَّثَ عنهم الكاتب آرثر سي كلارك في روايته "نهاية الطفولة" بكونهم كائنات عقلية للغاية قدمت للأرض من أجل حضور حفلة موسيقية.

في ختام الحفل هنئوا المؤلف الموسيقي وعادوا من حيث أتوا؛ لم يفهموا أبدا هذا السحر المسمى   "موسيقى" الذي يستهوي البشر.

طبعا، بخلاف سادة عُلى أرثر سي كلارك، لم يحظ الحسن الثاني بتهنئة مهذبة -ولو تكلفا- من معارضيه.

لم نعرف عن معارضي الحسن الثاني أيها استهواء موسيقي خلا ما جاء في "سيرة وطن" لمحمد اليازغي الذي تحدث عن انجذاب للملتزم من الغناء، وهو مستوى جد متوحدun niveau très autiste   إن سَلِمَ التعبير في التعاطي مع الموسيقى.

كان الحسن الثاني يملك ما يمكن تسميته ب portrait musical وهو بهذا يقترب من أن يكون ملكا "لابونيا" [من لابونيا وهو شعب  أصلي يعيش في السويد والنرويج وفينلندا وفي أجزاء من روسيا] يحكم بلادا لا يعرف ساستها إنشاد اليايك yoïk.

هنا غربته..

لقد كان مسرفا في التعبير عن عواطفه.. رجل غير محترس لا يتحرج من الإمساك بيد ضيفه والحديث معه بشكل ودي كما مصاب بمتلازمة ويليامز ؛لكن بحاصل ذكاء جد مرتفع. أتخيل أحد معارضيه يترك القانون والدستور والحكم والسياسة والبرلمان.. يتناسى معجم الجفاء هذا ويقبل بنزهة معه، مع إظهار حس اجتماعي غير كاذب. لنتخيل المرج الكبير للقصر الملكي بحيراته والطيور...

مجموع المظهر الطبيعي يرتب الكلام في حفل الولاء عن طريق استحضار عمل موسيقي خالد بتفرده؛ إن المقطع الأول من معزوفة بحيرة البجع للموسيقار تشايكوفسكي مقدمة لمقاربة حفل الولاء موسيقيا والكلام فيه ب "سماع ملوكي" شيء كان ليجعل الحسن الثاني في موقف "جلال" لمحادثة ودية مع الضيف المعارض في أكثر الطقوس المخزنية المولدة لشلال من الكلام..

إن أحد أهم الإشكالات التي واجهت الحسن الثاني مع مجايليه من المعارضين هي تلك الصيغة الوحيدة المعتمدة في الكلام في السياسة؛ لقد كانت تفتقر لمتوازيات  فنية موسيقية إبداعية.

في النهاية فإن الخصوم استعملوا لمواجهة بعضهم بعضا المشترك من وسائل التدمير. وحتى في لحظات المصالحة لم يجد الحسن الثاني نفسه في موقف استحداث كلام "يؤاخي" اللحظة المعبر عنها. لقد ظل يواجه خصومه بتعابير مباشرة  متساوقة في نظره مع  "خوائهم" الفني.