السبت 9 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الصور المسيئة للرسول إرهابٌ أيضاً

الصور المسيئة للرسول إرهابٌ أيضاً

أثارت حادثة الاعتداء المسلّح على مبنى صحيفة (شارلي ايبدو) الفرنسية في باريس في السابع من يناير الحالي موجةً من ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة لما حدث... وتهافت زعماء العالم على تعزية الفرنسيين بمصابهم ومواساتهم في حزنهم قولاً وفعلاً من خلال برقيات التعزية والمشاركة في مظاهرة باريس الكبرى. رغم أن هؤلاء الزعماء لم يفعلوا الشيء نفسه مع مصائب وأحزان شعوب أخرى ضربها الإرهاب وأوقع بها خسائر مضاعفة لما حدث في فرنسا، إلا أن الدم الفرنسي يبدو أنه أغلى من دماء الشعوب الأخرى المصنّفة غربياً في مرتبة أدنى من الشعوب ذات البشرة البيضاء، وبالرغم أن بعض هذه الشعوب التي أصابها داء الإرهاب كان للفرنسيين دوراً مهماً في تهيئة الظروف لتغلغل الإرهاب فيها، بل ودعمه بطرق شتى تحت مبررات محاربة الاستبداد ومساندة الحرية، وما حدث ويحدث في سوريا وليبيا والعراق ليس منا ببعيد، وإن أردنا التحدث عن دعم الإرهاب الصهيوني المنظّم من قبل فرنسا فلن يتسع لنا المقام في هذا المقال، وما يتسع له المقام هو التأكيد على أن حادثة الاعتداء المسلح على صحيفة (شارلي ايبدو) كان رداً على إرهاب من نوع آخر لا تسفك فيه الدماء، بل يتم فيه الترويع والتخويف بطريقة أخرى تكون فيها ريشة الرسام وقلم الصحفي أشد بأساً من بندقية الإرهابي.

وريشة الرسام التي يتم فيها الإساءة لأهم الرموز الدينية والمقدسات الإسلامية لا تقل خطورة عن سلاح الإرهابي الذي تُسفك فيه الدماء ويُقتل فيه الأبرياء، فكلاهما ينشران الرعب والخوف ويؤديان إلى الترويع والترهيب. فالأول يثير الرعب والخوف من الإسلام والمسلمين برسوماته الكريكاتيرية ويحرّض الشعوب غير الإسلامية على الإسلام والمسلمين، ويمارس الضغط النفسي والإرهاب الفكري والحرب النفسية ضد المسلمين في الغرب. والثاني يثير الرعب والخوف من الإسلام والمسلمين بأعماله الإرهابية، ويحرّض الشعوب غير الإسلامية على كراهية المسلمين من خلال تقديمه نموذجاً سيئاً للإسلام، ويساعد أعداء الإسلام على ممارسة الضغط النفسي والإرهاب الفكري والحرب النفسية على المسلمين في الغرب. فنشر الصور المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم – في صحيفة ( شارلي ايبدو ) وغيرها من الصحف الأوروبية هو إرهابٌ أيضاً يلتقي مع الإرهاب الدموي على هدف واحد هو تخويف غير المسلمين من المسلمين وتخويف المسلمين من غير المسلمين.

والحجة التي يتخذها الغرب وحكوماته ستاراً للسماح لمثل هذه الصحف بنشر الصور المسيئة للرسول – عليه الصلاة والسلام – هي أن ذلك يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير التي كفلتها وحمتها دساتير وقوانين (العالم الحر) دون أي اعتبار لمشاعر أمة كاملة يتم السخرية من أهم رموزها الدينية . إلا أن هذه الحجة تسقط عندما نعلم أن هذه الدساتير والقوانين تمنع إنكار (المحرقة اليهودية الهولوكوست)، أو حتى التقليل من حجمها، رغم أنها قضية تاريخية تخضع للبحث العلمي، وتقوم بتحريم من ينكرها أو يقلل من حجمها. وهذا ما فعلته النمسا مع المؤرخ البريطاني (ديفيد إيرفنج) عندما جرّمته بإنكار الهولوكوست في كتابه (حرب هتلر) وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات عام 2006 ، وكذلك الأمريكي (فرانسزيوكي) الذي طرد من منصبه عام 1962 بسبب إنكاره للهولوكوست في كتابه (الحكم المطلق). والمضايفة على الأمريكي (آرثر بوتز) بعد إصداره كتاب (أكذوبة القرن العشرين) الذي قلل فيه من حجم الهولوكوست، والبريطاني (ريتشارد فيزال) في كتابه (أحقاً مات 6 ملايين)، والفيلسوف الفرنسي المسلم (روجيه جارودي) الذي نشر كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) وغيرهم كثير ممن تعرّضوا للمضايقة والتشويه والسجن بسب تشكيكهم في الرواية الصهيونية للهولوكوست. هذه القوانين التي تسمح بنشر الصور المسيئة للرسول – عليه الصلاة والسلام – وتجرّم من ينكر أو يقلل من حجم الهولوكوست، لا تجرّم من ينكر وجود المسيح عيسى – عليه السلام – أو حتى ينكر وجود الله تعالى .

أمام هذه الصورة التي تكيل بمكيالين، وتفرّق بين دم وآخر وبين إرهاب وآخر، وتعطي الحرية للبعض وتنزعها عن البعض الآخر، فليس على المسلمين إلا أن يهتموا بتقديم الصورة الحقيقية للإسلام وعزل من يحاول أن يقدم صورة مشّوهة للإسلام لنزع الذرائع التي تساعد الإرهاب الكاريكاتيري في نشر الصور المسيئة للإسلام ورسوله التي تتركز حول اضطهاد النساء وسفك الدماء، مستفيدين من بعض النماذج السلبية التي تقدمها بعض الجماعات المسلحة المنتسبة للإسلام، وبعض الجهّال من المنتسبين لأهل العلم من هواة قطع الرؤوس وسبي النساء، والبديل عن هذه النماذج السلبية أن تتقدم الجماعات والعلماء الذي يمثلون الإسلام الحقيقي الوسطي المعتدل الذي يؤمن بالتعايش السلمي بين بني البشر، كي تمنع اختطاف الإسلام من هؤلاء .