الاثنين 16 سبتمبر 2024
سياسة

الباحث رشيد لبكر: إعفاء الوزير أوزين درس لبنكيران للتحرر من "الاختباء" وراء الملك

الباحث رشيد لبكر: إعفاء الوزير أوزين درس لبنكيران للتحرر من "الاختباء" وراء الملك

في الوقت الذي ما زال النقاش دائرا حول إعفاء الوزيرمحمد أوزين الذي يدخل في إطار تنزيل الفصل 47 من دستور 2011 وربط المسؤولية بالمحاسبة، ارتأى موقع "أنفاس بريس" تناول "الإعفاء" من الجانب التاريخي والإجرائي عبر الدساتير التي شهدها المغرب.. اتصلنا بالباحث رشيد لبكر أستاذ القانون العام  بكلية الحقوق بسلا فوافانا بالمقاربة التالية:

"يمكن قراءة القرار الملكي القاضي بإعفاء وزير الشبيبة والرياضة، عبر مدخلين اثنين، أولهما قانوني، أما الثاني فذو طبيعة سياسية.

بالنسبة للمدخل القانوني، نجده مؤطرا بنصوص دستورية واضحة، لاسيما المادة  47 من الدستور التي تميز بين ثلاث شكليات لإعفاء الوزراء، نوردها كالتالي:

- الأولى، أن يتم إعفاء الوزير بمبادرة من الملك بعد استشارة رئيس الحكومة.

- الثانية، أن يأخذ رئيس الحكومة المبادرة عن طريق رفع طلب إعفاء أحد من وزرائه إلى الملك.

- الثالثة، تتجلى في إقدام رئيس الحكومة على رفع طلب الإعفاء إلى الملك، ولكن بناء على تقديم وزير أو أكثر، بصفة فردية أو جماعية، لاستقالتهم من مهامهم.

السؤال المطروح الآن: أي مسطرة من هذه المساطر الثلاث تم احترامها في هذه الواقعة؟

عند مقارنة اللغة التي حرر بها البلاغ الملكي مع مضامين المادة 47، نخلص إلى ما يلي:

  • - لا يبدو بأن المسطرة الأولى مطابقة تماما للطريقة التي عولجت بها هذه النازلة.  إذ أن الملك وإن كان هو صاحب المبادرة فعلا في إصدار قرار الإعفاء، فإن هذه الفقرة، لا تتحدث بالمقابل، عن طلب إعفاء  يتقدم به الوزير أولا، أي قبل صدور قرار الإعفاء الفعلي بشأنه. بمعنى أخر، تقتضي شكلانية هذه المسطرة أنه  بمجرد ثبوت المسؤولية لدى الوزير، تصبح صلاحية الملك قائمة لاتخاذ قرار الإعفاء – أوعدم اتخاذه طبعا-، سواء أتقدم هذا الوزير بطلب الإعفاء أم لم يتقدم به.. والحال عندنا أن الوزير المعني كان قد تقدم فعلا بطلب الإعفاء وفق ما جاء به البلاغ الملكي.
  • - بالنسبة للمسطرة الثانية، فأعتبرها الأهم في نظري، لأنها أبانت عن ضعف غير متوقع من رئيس الحكومة في استعمال الإمكانات الدستورية المخولة له صراحة، إذ كان بمقدوره تقديم ملتمس إعفاء الوزير إلى الملك بعد افتضاح أمر الملعب، يعني أن يكون هو صاحب المبادرة، بعدها لن يكون مسؤولا عن القرار الذي ستتخذه أعلى سلطة بالبلاد.. لكنه ومع الأسف لم  يبادر، مفضلا التضحية بهذه الصلاحية في سبيل الحفاظ على تماسك تحالفه الأغلبي. بل أكثر من ذلك، عمد إلى تكسير الصمت  الذي كان  حصنه الحصين دائما في مثل هذه المناسبات، وأطلق العنان لتعليقات استهانت بالحادث لحظة وقوعه وقللت من خطورته، حتى اصطدم بصور عمال النظافة وهو يجففون ماء المطر بطريقة بدائية، صدمت الجميع وأضحكت المعلقين في مختلف الفضائيات الدولية التي وثقت للحادث بالصوت والصورة.
  • - أما المسطرة الثالثة، فأعتقد أنها الأقرب مسطريا لتفسير الطريقة التي عولج بها الإشكال وفقا لتفصيلات  المادة 47، وتعني أن الملك استجاب لطلب الإعفاء المرفوع إليه من طرف الوزير المعني عن طريق رئيس الحكومة، يعترف من خلاله وزير الرياضة بمسؤوليته الكاملة عما وقع من اختلالات.

بالنسبة المدخل السياسي، فتتجاذبه ملاحظتان وسؤالان:

  • - أما الملاحظة فتتجلى في استعمال البلاغ الملكي  لعبارة "طلب إعفاء"، وهي إشارة هامة ابتغى من ورائها البلاغ  التأكيد على أن الأمر يتعلق بإقالة وليس باستقالة، تماشيا مع عرف دستوري تقليداني قائم ببلادنا. إذ المعروف في المغرب أن الوزراء والمسؤولون الكبار عموما، يقالون أو يعفون ولا يستقيلون،  لذلك فقد حرص محررو البلاغ الملكي على إبراز جزئية طلب "إعفاء الوزير لإحساسه بالمسؤولية" حتى لا يفهم بأن الأمر يتعلق باستقالة من قبله، إذ الاستقالة حمالة أوجه في أدبنا السلطاني..
  • - التعامل الملكي مع النازلة كان  متقدما مقارنة مع الماضي.. ففي عهد الملك الراحل الحسن الثاني مثلا، حدث فعلا إعفاء لبعض الوزراء من مهامهم، لكن ما زلنا لحد الآن لا نعرف الأسباب الحقيقية والمباشرة لهذا الإعفاء، كحالة وزير المالية محمد ساكو مثلا في حكومة التناوب، أو حالة محمد زيان وزير الحكومة السابق الذي كان قد  أعلن أمام الملأ، ومن على شاشة القناة الثانية، عن استقالته احتجاجا على حملة التطهير التي قادها إدريس البصري، لكن من حينه والنقاش دائر والتأويل مستعر بين الباحثين والفاعلين في غياب توضيح من القصر، هل الأمر يتعلق فعلا بإقالة أم استقالة؟ الآن مع واقعة السيد أوزين،  كنا أمام مشهد، استعمل فيه  الملك آلياته المخولة له  قانونا وفي احترام للشكليات الدستورية.

أما  السؤالان،  فهما:

  • - هل ستشكل واقعة ملعب مولاي عبد الله درسا لرئيس الحكومة، يدفعه إلى رفع منسوب الشجاعة لديه، كي يستطيع اقتحام مساحات أوسع في دائرة القرار والتخلص بالتالي من سلبية الانتظار والتخفي وراء المبادرات الملكية؟ ألن تفتح هذه الواقعة شهيته لتقوية رئاسة الحكومة وتحريرها من رقبة التقية السياسية مستعينا بالإمكانات القانونية الهامة التي توفرها الوثيقة الدستورية الحالية والتي لم يسبق أن وفرتها لوزير أول قبله؟

- هل يعد إعفاء وزير إجراء كافيا لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وترجمته على أرض الواقع السياسي؟ سؤال لا يمكن الإجابة عليه، إذ في غياب التفاصيل الكاملة المضمنة في تقرير وزيري الداخلية والمالية، لا يمكن الجزم بحدود مسؤولية الوزير ومداها؟