الاثنين 25 نوفمبر 2024
فن وثقافة

مغربيات صنعن التاريخ: يطو الدكالية.. امرأة نحتت اسمها في المصادر البرتغالية (4)

مغربيات صنعن التاريخ: يطو الدكالية.. امرأة نحتت اسمها في المصادر البرتغالية (4)

هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني. ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا.

- يطو الدكالية.. امرأة نحتت اسمها في المصادر البرتغالية:

لم يخطر ببال يطو، وهي ترمي في الهواء بقبضة من التراب، مخاطبة زوجها رحو بن شحموط: "كل شيء بيننا ذهب مع الريح، فابحث عن امرأة أخرى!".. إنها بعملها هذا ستنحت اسمها في المصادر التاريخية البرتغالية، لكونها كانت السبب في مقتل القبطان نونوش فرننديش أتايد سنة 1516م، وسببا في ظهور مرحلة جديدة تمتاز بعصيان القبائل وانكماش النفوذ البرتغالي في منطقة دكالة ـ عبدة ـ احمر، يشير الأستاذ أحمد بوشرب.

لقد كانت يطو أو حورة، كما يسميها جوزيف گولڤن، زوجة قائد أولاد عمران رحو بن شحموط وابنة عمه.. امرأة "بارعة الجمال، ومن أعز نسائه إليه"، يقول مارمول.

لم يكن الجمال هو السمة الوحيدة التي ميزت سيرة يطو/ حورة ابنة عم رحو، بل انضاف إليه ما كان لها من قوة ذاكرة "رحو، ألم تقل لي مرات عديدة، إنك إذا ما شاهدتني أسيرة لدى المسيحيين، ستموت من أجلي؟، يقول جوزيف گولڤن.. وما كان لها من قدرة على حشد الهمم، "خلصني من الأسر، أو مت كمدا، إن لم تكن نسيتني أيها الفارس الهمام..."، يشير مارمول.

فقد جاء سبي يطو في إطار غارة نظمها القبطان نونوش فرننديش أتايد سنة 1516م على دوار القائد رحو ليلا "سلب فيه ونهب وسبى النساء وأطفال وشيوخ، باستثناء القائد الذي تمكن من الهروب على ظهر فرسه المسروج"، يقول جوزيف گولڤن.

غارة نونوش كان الهدف منها معاقبة أولاد عمران، وعلى رأسهم القائد رحو بن شحموط زوج يطو "المعاكسون للتوسع البرتغالي"، حسب مؤلف كتاب "دكالة والاستعمار البرتغالي"، والذين كانوا "ينهبون متى أرادوا قبيلة أولاد مطاع التي قبلت أن تكون تحت سيادة الملك عمانويل"، يقول جوزيف گولڤن.

لم تستوعب يطو الأسيرة مقولة زوجها رحو الذي كان يتعقب مختطفيها.. "إن هذا اليوم طويل والناصر هو الله، والقوة في ذراعي، يضيف جوزيف گولڤن، فتناولت حفنة من التراب ورمت بها في السماء، وقالت: "هكذا هو كلامك، ارجع في سلام، واذهب لتتسلى مع التي بقيت لك، يطو لم تعد لك، يقول مارمول.
وشعورا من رحو بالخزي، يقول جوزيف گولڤن، رمى أحد حذاءيه، تعبيرا لها عن تشبثه بما عاهدها عليه، ثم رجع مباشرة إلى رجاله، فحثهم على محاربة البرتغاليين، مذكرا إياهم بالشرف الذي سينالونه من جراء انتصارهم عليهم.

ويبقى الأمل من أهم الخصال التي تدثرت محاسن يطو/ حورة، فحتى وهي بين السبايا ومحاطة بجنود مدججين بالأسلحة، كانت تأمل في الحرية، وكانت تحشد همم زوج عرف بحبه لها وبكراهيته للمحتلين.

لم يكن تعهد رحو لزوجته وابنة عمه يطو/ حورة، شعارا قابلا للترديد من طرف مريدين يبتغون محبة شيخ يلازمهم في أحلامهم المستترة، ولا كلاما يدخل الرهبة والخوف في قلوب ما أحوجها لأفق تشع منه أنوار المحبة والأخوة والسلام... بل كان التزاما وترجمة حقيقية لمواقف النبل والشهامة التي عرف بها الإنسان المغربي عبر التاريخ.

وما هي إلا لحظات، يقول جوزيف گولڤن، حتى هاجم رحو ورجاله الدفاع الخلفي للمسيحيين في حرب عنيفة وشديدة... أسفرت عن قتل رحو للقبطان نونوش فرننديش أتايد والعديد من رفاقه في السلاح... وعاد ابن شحموط منتصرا إلى معسكره مع زوجته والغنيمة كلها، يقول مارمول.

ذلك كان ثأر رحو الذي وفي بعهده في نفس الوقت لزوجته حورة... التي عاشت منذ ذلك التاريخ في منأى عن الغارات البرتغالية.

لم تكن يطو تعلم، وهي تخاطب زوجها وابن عمها رحو أثناء سبيها "سوف أصحبك، سواء في الحياة أو في الممات"، يشير مارمول، أنه يوم موته سيكون يوم موتها وستدفن بجانبه.

فقد كانت يطو تنتظر كباقي نسوة الدوار عودة القائد رحو والجنود البواسل من إحدى الحركات، وإذا بها تستقبل جثمانه، ف "امتنعت عن كل شراب وأكل إلى أن هلكت، فدفنت (بجانبه)" ، يقول مؤلف كتاب إفريقيا.