الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الشيخ الجردي، واعظ بطنجة يستعير لغة داعش ويدعو إلى الجهاد وهجر الديمقراطية

الشيخ الجردي، واعظ بطنجة يستعير لغة داعش ويدعو إلى الجهاد وهجر الديمقراطية

يحق للزمخشري وابن كثير والواحدي والثعلبي والأصبهاني والنيسابوري والفيروز آبادي والسيوطي والقرطبي، وهم من أشهر شراح القرآن الكريم ومفسريه الفطاحل، أن يتحركوا في قبورهم غضبا وضيقا، بعدما ابتلي الناس بمفسرين لا يقيمون وزنا للإشكالات التي يطرحها المعجم القرآني ولا يعيرون اهتماما للمجهودات الكبيرة التي بذلها الشراح الأوائل في محاولة فصل المقال في ما يعتري الألفاظ من تحولات قد تصرفها عن موضعها الأصلي ومعناها القرآني.

ومن هؤلاء "الشراح" الذين يقدمون أنفسهم للناس باعتبارهم علماء أخذوا العلم من منابعه، هناك المسمى محمد الجردي، واعظ مسجد الإمام نافع بطنجة، الذي كان يخطب في الناس أمام سعيد الحراق المندوب الجهوي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومحمد كنون الحسني رئيس المجلس العلمي لمدينة طنجة، وأقدم على "فتح غير مسبوق" وهو يفسر على هواه سورة "المدثر"، وتحديدا "التكبير" والآية الخامسة: "والرجز فاهجر".. حيث أتى بما لم يستطعه الأوائل.

فإذا كان بعض المفسرين، ومنهم مجاهد وعكرمة يقولون إن الرجز يعني الأوثان، وإذا كان ابن عباس يذهب إلى أنه يعني المأثم، وإذا كان قتادة يوضح أن الرجز يقصد يه "إساف ونائلة" (صنمان كانا عند البيت)، وإذا كانأ بو العالية والكيسائي والربيع وغيرهم يعتبرون أن الرجز (بضم الراء) تعني الصنم وأنها (بالكسر) تعني النجاسة والمعصية، فإن واعظ مدينة طنجة رأى أن المقصود بالرجز هو الديمقراطية، وأنها الصنم التي ينبغي على العباد والبلاد هجره حتى لا يعذبهم الله العذاب الأكبر. والأدهى أنه قال هذا المكان أمام مسؤولين عن تدبير الحقل الديني دون أن يتجشم أحدهما عناء التدخل لوقف مثل هذه القراءات التي تصب في عمق "الفكر التكفيري الداعشي"، خاصة وأن الجردي لم يتردد في تأويل "التكبير" في السورة تأويلا "داعشيا" يصب في الإيحاء بالجهاد كما يراه "سيدنا" أبو بكر البغدادي. وإلا بماذا نفسر دعوة هذا الواعظ السلفي الذي يدعو إلى تحطيم الديمقراطية باعتبارها وثنا يعبد من دون الله؟

هل نسي المسؤولون الدينيون، الذين كانوا شهودا على الواقعة، أن هذا التجني على "تفسير القرآن" يأتي في سياق دولي دقيق يتم بإعلان الحرب على دولة البغدادي التي لا تخفي عداءها لـ "إسلام المغاربة"؟ هل غاب عنهم أن هناك دولا عربية وإفريقية وضعت ثقتها في المغرب -عبر مؤسسة إمارة المؤمنين- من أجل تأهيل العلماء للإشراف على تأطير المسلمين المقيمين على ترابها؟ هل يجهلون أن ملك البلاد أقر في خطاب رسمي بأن الديمقراطية خيار لا رجعة فيه، وأنها تأتي في المرتبة الرابعة بعد الله ثم الوطن ثم الملكية؟

لقد نادى هذا الواعظ بالجهاد ضد الديمقراطية أمام الملأ، وكان بعض أترابه من فقهاء الظلام قد دعوا إلى ذلك قبل أحداث 16 ماي 2003، فاستفاق المغاربة على رائحة الموت، وهم غير مستعدين اليوم لاستقبال مثل هذه الخطابات يا وزير الأوقاف ويا علماء المجلس العلمي الأعلى، وغير مستعدين للتخلي عن الديمقراطية كسقف يعيشون تحت ظله جميعا من مختلف التيارات والأطياف والملل والنحل.