Monday 8 December 2025
فن وثقافة

مؤتمر... وكتاب.. التأويليات وما بعد الكولونيالية بين الخطيبي وإدوارد سعيد

مؤتمر... وكتاب.. التأويليات وما بعد الكولونيالية بين الخطيبي وإدوارد سعيد المؤتمر الفكري يستعيد إسهامَيْ عبد الكبير الخطيبي وإدوارد سعيد في تأسيس ما بعد الكولونيالية
لم يكنِ المسعى من عقد مؤتمرٍ حول علاقة التأويليات بما بعد الكولونيالية في ضوء التجربة الفكرية والنقدية لكل من إدوارد سعيد وعبد الكبير الخطيبي  ينحصر فحسب  في إبراز دورهما الريادي في تأسيس ما بعد الكولونيالية والارتقاءِ بها إلى منزلةِ اختصاصٍ معرفي قائم بذاته، بل كان مسعى توخى المختبرُ منه  الانكبابَ على طرائق التفكير التي استندا إليها في نقد النزعات الاستعمارية، وتأزيمِ تحيُّزاتها في الفكر والأدب والثقافة. ذلك أن الخطيبي، كما أشارت ورقة المؤتمر، اعتمد في بناء أسلوب تفكيره على مرجعيات متنوعة منها على الخصوص استنارتُه بفلسفات الاختلاف، وانفتاحُه على النقد بمفهومه التفكيكي؛ حيث جعل من التفكيك (déconstruction) في بعض استعمالاته استراتيجيةً نقدية مرادفة "للاّكولونيالية" (décolonisation) بما تعنيه من توجُّه جذري نحو نزعِ الترسُّبات الاستعمارية الثاوية في كلٍّ من فكر الذات وفكر الآخر على حد سواء...
 في حين استلهم إدوارد سعيد حفريات المعرفة، وطوَّر في تعارضٍ مع النقد التفكيكي نقدا فيلولوجيا وثقافيا استمده من التصورات المناهضة للنزعات المركزية بمختلِف تجلياتها العرقية أو الثقافية أو اللغوية (فيكو، أوجست فولف، نيتشه، آورباخ، وآخرون). وهو النقد الذي توسَّل به في تقويضِ ما يتأسس عليه فكرُ الآخر من تراتبيات عنصرية، وتعريةِ ما يستحكم فيه من أصوليات وبنيات كولونيالية ...
وعلى الرغم من القرابة الفكرية والنقدية العامة التي تجمع بين سعيد والخطيبي في تأسيس ما بعد الكولونيالية، فإن تفاوتَ منطلقاتهما وتباينَ المرجعيات التي يصدران عنها هي ما استقطبت اهتمام الباحثين والأكاديميين المشاركين في المؤتمر...

 
 
بل إن مسعى آخر هو الذي وجهنا من جهة أخرى إلى تنظيم هذا المؤتمر، ويتعلق أساسا بإسهام الخطيبي الواضح في تطوير الدراسات ما بعد الكولونيالية. وهو الإسهام الذي استفاد منه بعض الدارسين  المشارقة دون أن يحيلوا عليه، علما أن فكر صاحب "النقد المزوج" يحظى اليوم في عدد من الأوساط البحثية العالمية براهنية ملحوظة. إذ تكفي الإشارة إلى تلكم القراءات التي تجد في فكر الخطيبي وفي استراتيجيته النقدية المضاعَفة أرضية ملائمة لإخراج مفهومات اللغة والهوية والثقافة والهجنة وعلاقة الذات بالآخر من مضايق كلِّ فكر مغلق ومنطوٍ على نفسه بعنف في ثنائيات متنافِية ومتجابِهة...
 بل ينبغي أن نستحضر أيضا الآفاقَ الواعدة التي ما فتئ يفتحها في وقتنا الراهن التلاقحُ بين التأويليات والدراسات ما بعد الكولونيالية، وأثر هذا التلاقح في انبثاق ما بات يُعرف بالتأويليات الثقافية (cultural hermeneutics) التي تستضيء باجتهادات الخطيبي وإدوارد سعيد (وغيرهما بالطبع)، وتأخذ على عاتقها نقدَ مختلِف أشكالِ الهيمنة القيمية والثقافية المفضية إلى إلغاء الآخر واستباحةِ غيريَّتِه. إذ في خضم ما تفرضه "ثقافة العولمة" من تنميط في معظم مناحي الفكر والحياة، اشتدت الحاجةُ اليوم إلى تأويليات بروح نقدية وثقافية وإنسانية لمجابهة ذلك التنميط ومقاومة ما يفرزه من منظومات تقويمية موغلة في السطحية والأحادية والتطابق...
لكل ذلك وغيره جاءت أعمال المؤتمر الصادرة مؤخرا عن دار كنوز المعرفة بالأردن لتنبه بلطف ومسؤولية إلى أن لما بعد الكولونيالية شجرة أنساب معرفية، وأن لهذه الشجرة أيضا تربة مغربية...