Monday 8 December 2025
مجتمع

الداخلة.. داهي حرمة الله يدعو إلى إنصاف ضحايا الماضي وإشراك شباب الجهة في ثرواتها

الداخلة.. داهي حرمة الله يدعو إلى إنصاف ضحايا الماضي وإشراك شباب الجهة في ثرواتها داهي حرمة الله (يمينا) خلال الندوة
  أطلق داهي حرمة الله، نائب رئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، نداء صريحا لإعادة فتح ملف الانتهاكات التي طالت ساكنة الجنوب خلال فترات الاستعمار الإسباني والموريتاني، مؤكدًا أن "العدالة المفقودة" ما زالت تؤلم الضحايا بعد خمسين عاما، وأن إعادة الاعتبار لهم تمثّل خطوة أساسية لتحقيق مصالحة متكاملة تعيد التوازن الاجتماعي والنفسي إلى المنطقة.
وقال حرمة الله خلال مشاركته في ندوة فكرية نظّمت مؤخرًا بمدينة الداخلة إنّ "بين الجلاد والضحية ما ينقص قبل كل شيء هو العدالة"، مضيفا أن "الصمت الذي طبع المجتمع المحلي لعقود ليس خيارا، بل نتيجة خوف جماعي من مواجهة ذاكرة مليئة بالألم والإهانة". 
واعتبر أنّ الإفصاح عن تلك الحقائق ليس عملا سياسيا، بل واجب إنساني وأخلاقي تجاه أجيالٍ حُرمت من حقّها في الاعتراف والقيمة والكرامة.

وفي مداخلة مؤثرة، استعاد حرمة الله بعض فصول معاناته الشخصية، إذ روى كيف تعرّض وهو طفل في التاسعة من عمره للاحتجاز والتعذيب على يد ميليشيات موريتانية سنة 1979، قبل أن يشهد بعد أيام على حادث اختطاف عشرات النساء من إحدى القرى قرب منطقة لاسارݣا ونقلهن إلى المقبرة الإسبانية القديمة حيث ارتُكبت - على حد قوله - "فظائع وانتهاكات بشعة" تركت جروحا غائرة في الذاكرة الجماعية للداخلة.
وقال إنّ تلك الأحداث كانت جزءًا من استراتيجيةٍ همجية هدفت إلى "زرع الخوف والريبة داخل المجتمع الصحراوي المحلي"، مضيفًا أن "كل من عاش تلك المأساة يدرك أن الألم ليس مجرد ذكرى، بل صفحة حية لا تمحى مهما طال الزمن".
ودعا نائب رئيس الجهة إلى تجاوز مرحلة الإنكار نحو بناء مصالحة صادقة تُعيد إنسانية الضحايا وتُكرّس ثقافة الاعتراف، مؤكدًا أن "الداخلة اليوم تحتاج إلى شجاعة جماعية، لأن الشفاء لا يتحقق إلا عندما نتحدث بصوتٍ واحد، ونسمي الأشياء بأسمائها". 
وأضاف أن العدالة لا تُختزل في المحاسبة وحدها، بل تشمل رد الاعتبار، الدعم النفسي، والحماية الاجتماعية للمتضرّرين وعائلاتهم.
وأشار حرمة الله إلى أنّ عدالة الأرض قد تتأخر، لكن عدالة السماء تظل الأمل الأسمى لمن فقدوا ذويهم أو كرامتهم في تلك الحقبة، مضيفًا: "قد لا تصلح العدالة البشرية كل ما كُسر، لكن الإقرار بالخطأ والاعتراف بالضحية هو البداية الحقيقية للشفاء.

وفي الجانب التنموي، انتقد حرمة الله السياسات القطاعية المرتبطة بقطاع الصيد البحري، معتبرا أن ساكنة الداخلة "ما زالت محرومة من نصيبها العادل في ثروة بحرية هائلة"، رغم الخطابات الملكية التي تدعو إلى ضمان استفادة كل جهة من مواردها الطبيعية. وأوضح أن "الهدر المدرسي، الفقر والبطالة" مظاهر ما زالت حاضرة في الجهة بسبب تهميش الطاقات المحلية، داعيًا إلى مراجعة شاملة لآليات توزيع الرخص البحرية وضمان إشراك الشباب في مشاريع الإنتاج والاستثمار.
ولم يخفِ داهي حرمة الله إحساسه بالمفارقة التي طبعت مراحل حياته، قائلاً: "وُلدنا تحت العلم الإسباني، ثم عشنا تحت سيطرة الميليشيات الموريتانية، قبل أن نجد أنفسنا تائهين في مرحلة النفوذ الجزائري، إلى أن عدنا اليوم تحت راية الوطن المغربي، حيث نؤمن أن المصالحة الحقيقية تبدأ من الاعتراف."
وفي ختام مداخلته، جدد حرمة الله دعوته إلى "تضميد الجراح وبناء تنمية عادلة"، مؤكدًا أنّ العودة للوطن الأم شعارها "الوطن غفور رحيم"، لكنها تتطلّب من المؤسسات الجهوية والقطاعية تفعيل مشاريع الإدماج الاجتماعي والاقتصادي التي تصون كرامة الإنسان وتعيد الثقة بين المواطن والدولة.
"ما نطالب به اليوم هو حقنا كإنسان في إصلاح ما أفسده الآخرون: اجتماعيًا، سياسيًا، ماديًا ونفسيًا."بهذه العبارة أنهى داهي حرمة الله كلمته، تاركًا صدى قويًا لدى الحضور الذين تابعوا المداخلة بحسٍّ إنساني ووطني متأثر، في لحظةٍ غلبتها مشاعر الذاكرة والتصالح مع الذات.