Wednesday 29 October 2025
Advertisement
كتاب الرأي

عزيز رباح: مليارات الدراهم قد تصنع العجب.. الصناعة والاستدامة (10)

عزيز رباح: مليارات الدراهم قد تصنع العجب.. الصناعة والاستدامة (10) عزيز رباح
هذا الأمر الذي يتداول بقوة منذ مدة، يجب أن يكون برنامجًا مستعجلًا، ومفتاحًا لمراجعة جوهرية للطلبيات العمومية، وعقود الامتيازات، والتدبير المفوض، والدعم العمومي.
 
يتنامى الطلب على اقتناء وتجديد أسطول الحافلات والشاحنات بمختلف أنواعها، وبالآلاف سنويًا، في مجالات النقل الحضري، ونقل المسافرين والمستخدمين، والنقل القروي والمدرسي، ونقل البضائع، وقطاع النظافة، وسيارات الإسعاف، وغيرها.
 
وكلها مجالات تتطلب لتقديم الخدمة الحصول على تراخيص من الدولة أو الجماعات، أو إبرام عقود معها وفق صفقات ومساطر إدارية ودفاتر تحملات، هذا بالإضافة إلى الدعم المالي.
 
قطاع النقل الحضري وحده سيتطلب ما يقارب آلاف الحافلات جديدة، أي ما قد يفوق 10 مليار درهم وربما ضعف ذلك، تُؤدَّى بالعملة الصعبة. بعضها يأتي من الشركات صاحبة الامتياز، وبعضها من قروض الأبناك، وبعضها الآخر من دعم الدولة.
 
وقد تم اقتناء أولي لألف (1000) حافلة لبعض المدن، نراها تُوزَّع هذه الأيام من أجل تجويد النقل الحضري، وستليها صفقات أخرى للمدن المبرمجة.
 
فهذه الميزانيات الضخمة لتجديد الحافلات بكل أنواع النقل، وأخرى لتجديد الشاحنات وأيضا تجديد الطاكسيات، وجب أن تكون منطلقًا لتطوير صناعة النقل الطرقي: الحافلات والشاحنات بمختلف أنواعها. ويجب أن يُتخذ قرار صارم من الدولة في هذا الاتجاه بدلًا من الاستيراد إلا في حالة الاضطرار.
 
كما أن تطوير صناعة الحافلات والشاحنات بالمغرب لن يكون فقط خيارًا استراتيجيًا لتقليص الواردات، بل أيضًا فرصة لخلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة في مجالات الهندسة والتصنيع والصيانة والخدمات اللوجستيكية، مما سيساهم في توطين الكفاءات التقنية وتعزيز سلاسل القيمة الوطنية في قطاع النقل ويدعم بعض مصانع تركيب الحافلات والشاحنات التي توجد ببلادنا. 
 
بذلك نحقق على أرض الواقع شعار وتوجه "السيادة الصناعية"، ونجعل من الطلبيات العمومية أهم رافعة للصناعة الوطنية. وقد تم التأكيد عليها في كل المخططات الصناعية منذ اعتماد المخطط الأول.
 
إضافة إلى ذلك، ينبغي دائما إلزام اقتناء الحافلات والشاحنات الكهربائية أو على الأقل الهجينة، تأكيدًا على أن القطاعات العمومية والجماعات المحلية تمثل القدوة والمثال في الالتزام بمقتضيات الاستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة، والطاقات المتجددة، ومخططات النقل المستدام، وحماية البيئة، ومحاربة تلوث الهواء. وأيضا من أجل تقليص فاتورة استيراد المحروقات التي تتجاوز أحيانًا 100 مليار درهم سنويًا.
 
وقد تم التنصيص في كل تلك الاستراتيجيات والمخططات، أن أول عامل من عوامل نحاجها وحسن تنزيلها يثمل في "مثالية الدولة"  "l exemplarité de l état" أي الوزارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية. 
 
وأقولها صادقًا، دون مبالغة: تجب اليقظة أمام تيار له امتداد حتى داخل الإدارة، لا تهمه الأفضلية للصناعة الوطنية، ولا للشركات الوطنية، ولا لمكاتب الدراسات الوطنية، ولا تهمه البيئة ولا التشغيل، ولا اختيارات الدولة في هذا الاتجاه.
 
يجب أن لا تضيع هذه الفرصة لنعمل جميعا لتحويل الصفقات العمومية من مجرد إنفاق إلى استثمار منتج ومستدام يخدم الوطن والإنسان.
لذلك، أنصح وأدعو المخلصين، وما أكثرهم، في الوزارات والمؤسسات العمومية ومواقع القرار، أن يتداركوا الأمر ويفرضوا استهلاك كل ما هو مغربي في الإنفاق العمومي، ومحاصرة "ثقافة الاستيراد بدون ترشيد".