Thursday 23 October 2025
Advertisement
اقتصاد

بنلعيدي: الرفع من ميزانية الصحة خطوة استراتيجية لكنها لن تؤتي ثمارها دون محاسبة حقيقية وإصلاح للحكامة

بنلعيدي: الرفع من ميزانية الصحة خطوة استراتيجية لكنها لن تؤتي ثمارها دون محاسبة حقيقية وإصلاح للحكامة محمد بنلعيدي، فاعل مدني وحقوقي
أكد محمد بنلعيدي، فاعل مدني وحقوقي، رئيس شبكة الجمعيات الدكالية غير الحكومية، أن القرار الملكي القاضي بالرفع من ميزانية الصحة يشكل استثماراً استراتيجياً في الإنسان والمستقبل، لكنه أوضح أن أي إصلاح مالي لا يمكن أن ينجح ما لم يواكبه إصلاح حقيقي للحكامة والمحاسبة داخل القطاع، من أجل ضمان أن تنعكس الميزانيات المرصودة على جودة الخدمات وتحسين ظروف المواطنين.
وأشار في حوار مع "أنفاس بريس" إلى أن ضعف الحكامة، والرشوة، وسوء التدبير هي من أبرز أسباب تدهور المنظومة الصحية، داعياً إلى توجيه الميزانية الجديدة نحو تطوير البنيات التحتية وتجهيز المستشفيات في المناطق القروية والهامشية، وربط الإنفاق بالنتائج الملموسة على أرض الواقع.
 
 
 
صادق المجلس الوزاري الأخير الذي ترأسه الملك على الرفع من ميزانية الصحة. في نظرك، ما أهمية الرفع من المجهود الميزانياتي في تحسين الخدمات الصحية؟
- أعتقد جازماً أن العمود الفقري لأي نوع من التنمية هو الإنسان، وبالتالي فإن الرفع من الميزانية المخصصة للصحة يُعد استثمارًا استراتيجياً في العنصر البشري وفي مستقبل البلاد، باعتبار أن صحة المواطنين هي أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
 
ولكن يجب ألا ننسى أن تدهور أوضاع المنظومة الصحية هو نتيجة إخفاقات متراكمة بسبب ضعف الحكامة داخل القطاع، وانتشار مظاهر الرشوة والزبونية، وسوء تدبير من طرف عدد من المسؤولين العموميين في الحكومات السابقة، إلى جانب ضعف الاستثمار الكافي في البنيات التحتية والتجهيزات الطبية، خصوصًا في المناطق القروية والهامشية.
 
وعلى إثر القرار الذي تم اتخاذه في المجلس الوزاري الأخير الذي ترأسه الملك، والقاضي بالرفع من ميزانية الصحة، نتوخى منه تحسين جودة الخدمات الصحية، وتقليص فترات الانتظار، وضمان متابعة فعالة للمرضى، مما يرفع من رضا المواطنين ويزيد من ثقتهم في المنظومة الصحية.
 
كما سيسهم القرار في توفير الموارد البشرية، ودعم برامج الحماية الاجتماعية، وتعميم التغطية الصحية بشكل منصف وحقيقي، إضافة إلى خلق منظومة صحية قوية ومرنة.
 
فالميزانية المعززة مادياً وتقنياً ولوجستياً ستساعد في رفع الجاهزية للتعامل مع الأوبئة والكوارث الصحية المحتملة، لأن الاستثمار في الصحة لا يعني فقط العلاج، بل يشمل كذلك برامج الوقاية، والتلقيح، والحملات التوعوية، مما يقلل من عبء الأمراض على المدى الطويل.
 
وبالتالي، نطمح إلى مجتمع سليم يعيش في وطن منصف لا يعرف التفاوتات المجالية الصارخة، ويشجع البحث العلمي والتكوين، مع سد الخصاص في المراكز الصحية بالعالم القروي وتوفير المعدات والأدوية الضرورية لمواجهة الضغط المتزايد على المنظومة الصحية بسبب ارتفاع عدد السكان والطلب على الخدمات.
 
كيف سينعكس الغلاف المالي الإضافي على تحسين ولوج المواطنين للعلاج؟
- في تقديري، أتمنى أن ينعكس هذا التخصيص المالي في خفض التكاليف المباشرة على المواطن، وتحقيق تجويد حقيقي وملموس في نوعية الخدمات الصحية وسهولة الولوج إلى العلاج، خاصة للفئات الهشة.
كما يمكن تخصيص جزء من الميزانية للاستثمار في رقمنة الخدمات الصحية (مثل الملفات الطبية الإلكترونية، المواعيد، الاستشارات والفحوصات عن بُعد)، مما يحسن الكفاءة ويوفر الوقت ويعيد الثقة في المرفق الصحي العمومي.
 
إلى جانب ذلك، يجب معالجة الاختلالات في نظام التغطية الصحية وهشاشة نظام التأمين الإجباري عن المرض. وهنا لا بد من الإشارة إلى الأدوار غير المسؤولة التي تلعبها بعض مؤسسات التأمين التي تستنزف مالية القطاع الصحي، ما يستدعي تسليط الضوء على حكامتها التدبيرية من طرف السلطات المختصة.
 
ما هي آليات التتبع والتقييم والمحاسبة لضمان فعالية الاستثمار العمومي في الصحة؟
- بالطبع، ضمان فعالية الاستثمار العمومي في قطاع الصحة يتطلب إجراءات وآليات قوية للتتبع والتقييم والمحاسبة، لأنها تمكن من رصد أثر التمويل وتوجيهه نحو الأهداف الصحية المرجوة.
ومن بين هذه الآليات: التتبع المستمر لتنزيل البرامج الصحية، والرقمنة الشاملة للبيانات الصحية وتجميع المعطيات من المؤسسات العمومية والخاصة على الصعيد الوطني بشكل منتظم، والعمل على خلق وسائل تقنية لمراقبة مؤشرات الأداء لتسهيل اتخاذ قرارات استعجالية لتصحيح أي اختلال مرتقب، وإعداد تقارير دورية تثبت مستوى الإنجاز مقابل الأهداف المسطرة، وهي آلية ضرورية لإنجاح عمليات التتبع.
 
كما يجب دعم التقييم الجماعي بمشاركة المواطنين والمجتمع المدني عبر لقاءات المساءلة الاجتماعية، إلى جانب التقييم الداخلي لمصالح الوزارة المعنية، والتقييم الخارجي الذي تتولاه مؤسسات وطنية مستقلة مثل المجلس الأعلى للحسابات.
 
وتبقى عملية المحاسبة رهينة بالدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه المفتشية العامة لوزارة الصحة، إضافة إلى توفير المعلومة للعموم حول تفاصيل الميزانيات والصفقات العمومية، دون أن نغفل دور البرلمان الذي ينبغي أن يتحلى بالمسؤولية بعيداً عن المزايدات السياسية.
 
أما المجتمع المدني، فرغم قدراته، فهو مكبل في ظل غياب قوانين تؤطر مساهمته في تتبع ومراقبة المحاسبة العمومية.
 
أنتم كمهتمين بمواكبة السياسات العمومية، ما تقييمكم للقطاع الصحي في عهد حكومة أخنوش؟
- في اعتقادي، فإن التقييم الموضوعي لا يخرج عن الرأي العام السائد لدى غالبية المواطنين، وخاصة الشباب الذين خرجوا للاحتجاج مؤخراً.
 
نحن لا ننكر أن الحكومة الحالية وسابقتها رفعتا من سقف الميزانية الموجهة للصحة، وأعلنتا عن بعض الإصلاحات الهيكلية، لكن التنفيذ ما زال دون مستوى تطلعات المواطنين، في ظل إكراهات كبيرة، منها تفشي الرشوة والمحسوبية، وتأخر المواعيد، وغياب الأطر الطبية في عدد من المؤسسات الصحية، وغيرها من الممارسات غير المقبولة.
 
وأعتبر أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تعاني منذ سنوات من اختلالات بنيوية ووظيفية، أبرزها ضعف الشفافية والرقابة، مما يؤثر على تنسيق الإحالات بين الأقاليم وضعف النجاعة في صرف الموارد، وهو ما يعيق فعالية المنظومة الصحية.
 
وفي الأخير، لا بد من تسليط الضوء على الفساد المستشري في بعض المؤسسات الصحية الخاصة، وبعض مؤسسات التأمين التي تساهم في إهدار مالية الصحة العمومية بطرق ملتوية، ما يستدعي فتح تحقيق وطني حولها، والكشف عن تضارب المصالح داخل بعض إدارات هذه المؤسسات.