Wednesday 22 October 2025
Advertisement
في الصميم

أريري: ألا يوجد عاقل في البلد ليوقف جرائم التعمير بالدارالبيضاء؟!

أريري: ألا يوجد عاقل في البلد ليوقف جرائم التعمير بالدارالبيضاء؟! عبد الرحيم أريري
بعد انتفاضة يونيو 1981 بالدارالبيضاء، تم خلق وكالة حضرية بدعوى تنظيم التعمير بالعاصمة الاقتصادية. ومن المبررات المصاغة في تلك الفترة، أن الجماعات الحضرية للبيضاء آنذاك لم تكن لديها الموارد البشرية المؤهلة والخبرة التقنية لمصاحبة النمو العمراني للدار البيضاء.
 
ولما خلق المشرع الوكالة الحضرية للدار البيضاء، حرص على وضعها تحت إشراف وزارة الداخلية وتنصيب عامل على رأسها، ليكون ندا للند مع عمال الدارالبيضاء وعمال العمالات المحيطة بالبيضاء.
 
لكن للأسف الشديد بدل أن تكون الوكالة الحضرية جهازا استشاريا قويا يساعد على ضبط مدينة الدار البيضاء، تحولت الوكالة الحضرية  إلى "مضخة جديدة للاختلات العمرانية والتعميرية" و"حاضنة لأثرياء التعمير الجدد" بالدارالبيضاء، دون أن تكون الوكالة الحضرية فعلا جهازا استشاريا لدى المتدخلين العموميين من جهة، ودون أن تكون خير رفيق يواكب نمو المدينة لتجنب بروز تشوهات واختلالات جديدة أفظع من جهة أخرى.
 
المقام لا يسمح بسرد كل الأعطاب، لكن حسبي الإشارة هنا إلى إحدى أبشع الجرائم التي أفرزتها تصاميم الوكالة الحضرية للدار البيضاء، إذ بتغيير وظيفة حي كان مخصصا للفيلات إلى حي مخصص للعمارات وللأنشطة الخدماتية (فنادق، مكاتب، محلات تجارية، إلخ...)، يتم "التسقريم" في الأرض وحذف إلزامية خلق باركينات عمودية أو باطنية بمحيط الشوارع المعنية. أضف إلى ذلك أن التصاميم الجديدة ترخص بتحويل أسفل العمارات إلى مقاهي وصيدليات و«مرجان ماركيت» و«بيم» ومطاعم ومصحات خاصة ومدارس خاصة وماشاكل ذلك، دون أن يكون التصميم يتضمن على الأقل un recul بالشارع، حتى يتسنى للمتبضعين وزبناء المرافق التجارية والصحية والتعليمية بالشارع المذكور الوقوف دون عرقلة السير والتسبب في جلطة مرورية بالعاصمة الاقتصادية.
 
المؤسف أن هذه الأخطاء القاتلة ارتكبت في عهد المهندس الفرنسي "بانسو" في أواخر التمانينيات والتسعينيات من القرن 20 لما تم إصدار تصاميم نصت على تحويل أحياء عديدة: "بدر، بوركون، المستشفيات و2 مارس، فال فلوري، إلخ..." من فيلات إلى عمارات. وبدل أن يتم تدارك هذه الجرائم والفظاعات، نجد الوكالة الحضرية تتمادى في التأشير على مشاريع هندسية، والتي عوض أن تساهم في تجويد العيش تتحول هذه المشاريع إلى سرطان يقتل كل رغبة في التنقل بشوارع الدار البيضاء، خاصة وأن التنطيق الجديد يتميز بخلق كثافة سكانية رهيبة في الحي المعني دون تمتيعه بمرافق توازي الضغط السكاني.
 
صحيح، المنتخبون لديهم دور في هذا الباب، والإدارة الترابية تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية، لكن في نظري تبقى الوكالة الحضرية أكبر جهاز عمومي أجرم في حق الدار البيضاء دون أن تنهض الحكومة أو البرلمان ليضعا حدا لهذا التسيب العمراني بأكبر مدينة بالمغرب، ودون أن تعبئ الأحزاب منتخبيها وخبرائها لحشد الرأي العام حول جرائم الوكالة الحضرية بالدارالبيضاء.
 
انظروا إلى مدن أوربا وأمريكا، لماذا لم يستفد مسؤولو الوكالة الحضرية من المخططات الحضرية بهاته المدن الغربية؟ 
 
ألا يوجد عقلاء بوزارة الداخلية للجم هذه البشاعة التعميرية بالدار البيضاء؟ 
ألا تتوفر الجامعات والمعاهد المغربية على مهندسين معماريين وخبراء في التهيئة الحضرية ليملأوا الدنيا صخبا وصراخا ضد هذا الإجرام العمراني؟ 

ألا يوجد في الهيأة الوطنية للأطباء حكماء ليقدموا للرأي العام دراسات حول التأثيراث الصحية الكارثية لتصاميم الوكالةالحضرية على الصحة النفسية والعضوية لبيضاوة؟ 

ألا يوجد بالهيأة الوطنية للموثقين وطنيون صادقون ليكشفوا للرأي العام أغنياء التعمير الذين تحولوا بقدرة تصميم "مخدوم"، من "الله كريم"، إلى كبار الميسورين بالمغرب، دون أن يساهموا في تمويل المرافق العمومية، ولو ببناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى أو ملعبا أو ثكنة للوقاية المدنية؟ 

ألا يوجد من بين الاقتصاديين المغاربة كفاءات تفضح الخسارات التي يتعرض لها الاقتصاد المحلي بالبيضاء بسبب هذا العمران الكسول الذي لا يستحضر أبسط متطلبات التنقل والعلاقة بين المرفق وتراقصات المواطنين والأضرار الاقتصادية الناجمة عن ذلك؟ 
 
ألا يوجد في ولاية أمن البيضاء كوميسير ينتفض ويقول اللهم إن هذا منكر ويستشهد بحالات لشوارع رخصتها تصاميم الوكالة الحضرية حديثا، ليواجه بها مدبرو التخطيط الحضري الأعرج، من قبيل: حي عين البرجة ولاجيروند، وحي المستشفيات والنخيل وبلفدير، وشوارع: عبد الله الشرقاوي وميموزا وطريق الوحدة وأبوبكر القادري وطانطان وعبد الرحيم بوعبيد والمنظر العام......؟ 
 
ألا يوجد بالنيابة العامة قاض رزين وحليم، يقود مسؤولي الوكالة الحضرية إلى سجن عكاشة ليكونوا عبرة لكل من لم يسخر علمه ومنصبه ومسؤوليته لتحسين مستوى عيش بيضاوة؟
 
 ألا يوجد في الفيدرالية المغربية للمنعشين وفي جمعية المنعشين بجهة البيضاء، مستثمر واحد "يقلب الطابلة" على زملائه المنعشين الذين "قطر بهم السقف" وليس لهم باع طويل في هذا القطاع ويقول لهم: "باركا من الريع، شبعتو وتمخمختو بفضل همزة تصاميم الوكالة الحضرية، وعليكم اليوم أن تتوبوا إلى الله وأن تسددوا جزءا من الديون لسكان البيضاء بإحداث صندوق خاص بتمويل إحداث باركينات وأنفاق وقناطر، من فائض الأرباح الفرعونية التي لهفتموها طوال 20 سنة"؟!
 
إن لم يتحقق أي من هذه المطالب، نأمل أن يتم "قصف الوكالة الحضرية" وردمها ردمة نهائية وتسوية مقرها مع الأرض لتوسيع حديقة الجامعة العربية، مادامت هذه الوكالة الحضرية لم تأت بأي قيمة جمالية وعمرانية إضافية لتجويد العيش الحضري بالدار البيضاء!