Sunday 19 October 2025
Advertisement
منبر أنفاس

خليل البخاري: التعليم الجيد مدخل لتكوين إنسان متوازن

خليل البخاري: التعليم الجيد مدخل لتكوين إنسان متوازن خليل البخاري

إن الطفل لا يعرف منذ البداية كيف يكون لطيفًا أو مؤدبًا، فالتربية الجيدة تبدأ بتعلُّم اللطافة والأدب. وهذا أمر منطقي وبديهي، لأن اللطافة والأدب ليسا فطريين بل يُكتسبان بالتعلُّم. فاللّطافة تُكتسب عندما نتعلم احترام الآخر ومساعدته والإنصات إليه. أما الأدب، فهو مجموعة من القواعد التي تختلف من ثقافة إلى أخرى، ويتعلّمها الطفل تدريجيًا، وهنا يأتي دور الأسرة باعتبارها شريكًا حقيقيًا في التربية.

إن التعليم الجيد هو الذي ينقل القيم النبيلة، وينمّي المهارات الاجتماعية، ويُعدّ للحياة الراشدة. كما أن التعليم الجيد لا يقتصر على تحقيق نتائج دراسية متميزة، بل يمتد ليشمل تكوين فرد متوازن، قادر على الإسهام الإيجابي في المجتمع.

لقد أظهرت دراسة للأنظمة التعليمية المختلفة أن تلك التي تعتمد مقاربة شمولية تميل إلى تكوين مواطنين أكثر توازنًا وسعادة. فالتعليم الجيد هو تعليم إنساني، يشمل دروسًا في التواصل والمرونة والاحترام المتبادل. وتُظهر الدراسات التربوية أن التلاميذ والتلميذات الذين يتلقّون دروسًا في الذكاء العاطفي يتمتّعون بقدرة أفضل على التكيّف الاجتماعي، كما يقلّ لديهم السلوك العدواني أو المنحرف على المدى الطويل.

ويلعب دور الأسرة في التربية دورًا عاطفيًا ضروريًا، ويشجع أيضًا على النمو الفكري. كما تُعدّ الأسرة نموذجًا يُحتذى به، إذ تؤثر مواقفها تجاه التعليم، ودعمها المتواصل، ومشاركتها الفعّالة في الأنشطة الموازية للحياة المدرسية، إيجابيًا في تحفيز الطفل وتعزيز استقلاليته.

إن التعليم الجيد يركّز أيضًا على "تعلُّم العيش معًا"، أي غرس قيم احترام الاختلافات والتعاون والمشاركة. فعندما تُدرّس هذه المبادئ منذ الصغر، تُهيّأ التلميذات والتلاميذ ليصبحوا راشدين ومسؤولين، يقدّرون التنوع، ويساهمون في رفاه المجتمع. وتُعد المشاريع الجماعية أو الصفوف التفاعلية التي تُتخذ فيها القرارات بطريقة ديمقراطية مثالًا عمليًا على تطبيق هذا المبدأ في بعض المؤسسات التعليمية المبتكرة.

إن التعليم الجيد يؤمن بأهمية التقنيات الحديثة في التدريس. ففي العصر الرقمي الحالي، يمكن للأدوات التكنولوجية أن تُغني التجربة التعليمية إلى حد كبير. فالاستخدام الذكي للمواد الإلكترونية، والمنصات التعليمية التفاعلية، والأدوات متعددة الوسائط، يجعل التعلّم أكثر تشويقًا وسهولة، ويُسهم في الوصول إلى نتائج أفضل.

كما تتيح التكنولوجيا تخصيص التعليم ليتلاءم مع احتياجات التلاميذ، مما يساعد الأساتذة على تكييف الإيقاع والمحتوى وفقًا لمستوى كل تلميذ. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الأجهزة اللوحية والتطبيقات التعليمية بنجاح في تعليم اللغات الأجنبية، أو في تبسيط المسائل الرياضية من خلال ألعاب تعليمية تفاعلية. فإتاحة الإنترنت والعدّة الديداكتيكية المناسبة للتلاميذ في النشاط الصفي أمر ضروري لضمان استفادة الجميع من مزايا التعليم الرقمي الجيد، بغض النظر عن خلفياتهم السوسيواقتصادية.

وصفوة القول، إن التعليم الجيد يقوم على أسس أكاديمية قوية، إلى جانب تنمية شاملة ومستدامة لشخصية التلميذ. فهو يدمج بفعالية الأسرة والمجتمع والابتكار التكنولوجي، لتكوين عقول نيّرة، ومواطنين ناضجين ومتوازنين يسهمون في بناء مجتمع أفضل. كما يُسهم التعليم الجيد في غرس قيم الحوار والتعايش وحقوق الإنسان. ومن خصائصه وشروطه: تحيين المناهج والمواد الدراسية، وطرق التدريس المواكبة للتكنولوجيا، إضافة إلى مهارات وكفاءة المدرسين، وتوفير بيئة دراسية مناسبة وجاذبة ومشوّقة.

 

خليل البخاري
باحث تربوي