Wednesday 1 October 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: الجبهة أم الجمهورية؟ مأزق الجزائر في ملف الصحراء

بنسعيد الركيبي: الجبهة أم الجمهورية؟ مأزق الجزائر في ملف الصحراء بنسعيد الركيبي
في آخر خطاب رسمي من على منبر الأمم المتحدة، أعاد وزير خارجية الجزائر التأكيد على شرط بلاده بضرورة فتح مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو.  يبدو الأمر في ظاهره دعوة إلى الحوار، لكن في عمقه يكشف عن تناقض بنيوي في الخطاب الجزائري حول قضية الصحراء.

فمنذ اندلاع النزاع في منتصف السبعينيات، كان الحديث عن التفاوض يرتبط دائما بتنظيم استفتاء تقرير المصير. غير أن هذا الخيار تعثر بسبب الخلافات التقنية والسياسية، مما حذا بالأمم المتحدة أن تقر منذ بداية الألفية باستحالته عمليا، ودعت إلى حل سياسي واقعي ومتوافق عليه. ومن هذا المنطلق تجاوب المغرب بطرحه لمبادرة الحكم الذاتي، فيما ظلت البوليساريو، وبدعم من الجزائر متشبثة بخيار الانفصال، تحت مسمى تقرير المصير.
لكن المفارقة الصارخة أن الجزائر لم تنتظر نتيجة أي استفتاء، حيث سارعت سنة 1976 إلى إعلان قيام ما سمي في حينه "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، ووفرت لها أرضا فوق التراب الجزائري، ومكنتها من مقعد في منظمة الوحدة الإفريقية. فكيف يمكنها اليوم أن تعود إلى مطلب التفاوض بين المغرب و"جبهة تحرير" وكأن الجمهورية التي صنعتها لم يكن لها يوما وجود. إن هذا التناقض المفضوح يضع الجزائر أمام سؤال صدقية مواقفها المبدئية: إذا كانت تعترف بجمهورية قائمة وتستقبل رئيسها وتتبادل معها السفراء، وتوقع معها الاتفاقيات، فلماذا تصر على فرض البوليساريو كمفاوض وحيد ؟ وإذا كانت تراهن على البوليساريو، فلماذا سوقت لسنوات هذه "الدولة" في المنظمات الإقليمية؟ إنها ازدواجية هدفها الالتفاف على الشرعية الدولية، التي لا تعترف بهذه الجمهورية ولا تقبلها طرفا رسميا في مسلسل التسوية. وبتعبير أوضح: إن الشرط الجزائري ليس مدخلا للحل، لأنه خطاب مخاذع ومضلل، يريد كل شيء في آن واحد: جبهة تفاوض وجمهورية قائمة، ودعم من خلف الستار. غير أن المجتمع الدولي بات يدرك أن أي حل واقعي لا يمكن أن يمر عبر هذه المعادلة الملتبسة، وإنما عبر مقاربة صريحة تعترف بالفاعلين كما هم، وتضع على الطاولة ما هو ممكن لا ما هو متناقض.