حلقة إضافية لا غنى عنها، تأتي كخاتمة لسلسلة الردود على الحلقات الست التي نشرتها جريدة لوموند تحت عنوان: "لغز محمد السادس".
مقدمة
بينما تدخل العلاقات بين الرباط وباريس منعطفاً استراتيجياً حاسماً، خاصة بعد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، تنشر جريدة لوموند سلسلة مكونة من ست مقالات مخصصة للملك محمد السادس ومحيطه.
هذه السلسلة، التي تم تقديمها رسمياً على أنها تحقيق صحفي، ليست سوى محاولة ممنهجة لتشويه الصورة، مبنية لا على تحليل مؤسساتي، بل على نوايا مسبقة وأحكام جاهزة.
لماذا هذه الحملة الإعلامية؟ والأهم: كيف نرد عليها بذكاء، دون السقوط في ردود الفعل الدفاعية أو العاطفية؟
وللإجابة على هذين السؤالين المركزيين، يُقسم هذا المقال إلى جزأين:
- الجزء الأول : تفكيك الخطاب الإعلامي المنحاز الذي روّجت له السلسلة.
- الجزء الثاني: تقديم تصور عملي لتحويل هذا الهجوم إلى فرصة لبناء سردية مغربية سيادية.
الجزء الأول: خطاب إعلامي منحاز يخدم أجندة أيديولوجية
هدف واضح: استهداف مركزية المؤسسة الملكية
في هذه السلسلة، لا يتم التساؤل حول المغرب، بل يتم الشك فيه. لا يتم تحليل شخصية الملك، بل يتم اختزاله في "لغز غامض".
أما الإصلاحات المؤسساتية؟ فهي منسية.
التحولات الاقتصادية والاجتماعية؟ تم التقليل من شأنها.
الصعود الإقليمي للمغرب؟ تم توصيفه على أنه مجرد "استراتيجية نفوذ".
ما ترفض جريدة لوموند الاعتراف به، هو أن المغرب يسير في طريقه دون طلب إذن من أحد. وهذا بالضبط ما يزعج بعض وسائل الإعلام الفرنسية: دولة لم تعد تتبع السرديات المفروضة، بل تحدد مسارها ونموذجها وصوتها الخاص.
قراءة مشوهة وسردية مغلقة
السلسلة تتجاهل عن قصد:
- إصلاح الدستور سنة 2011؛
- الدينامية الحزبية، رغم كونها مؤطرة، إلا أنها واقعية؛
- الإصلاحات الاجتماعية الجارية (الحماية الاجتماعية، الصحة، الإدماج)؛
- الخيارات الاستراتيجية في الدبلوماسية جنوب-جنوب، الطاقة، والتصنيع.
كل شيء يُختزل في علاقات القصر، والعلاقات الشخصية، والإيماءات الرمزية التي يتم تفسيرها بقدر عالٍ من الذاتية.
الريبة تصبح منهجاً. والكاريكاتور يتحول إلى أداة تحليل.
ما لم تفهمه لوموند
المغرب ليس استثناءً سياسياً يجب تحليله عن بُعد. بل هو مسار تاريخي متكامل، ونظام هجين يجمع بين التقاليد والتحديث، والأهم من ذلك، سيادة كاملة لا تحتاج إلى شهادة من أي وسيلة إعلامية أجنبية.
نعم، المغرب ليس مثالياً. نعم، الإصلاحات تأخذ وقتاً.
لكن هذا الزمن ليس مؤشراً على الجمود، بل هو إيقاع بلد واعٍ بتعقيداته، متمسك بتوازنه، وسيد قراراته.
الجزء الثاني: من التحدي إلى الفرصة – نحو بناء سردية مغربية سيادية
بعد هذا التشخيص، ما لذي يجب على المغرب أن يفعل؟
الرد الإعلامي الرصين على الصحافة الأجنبية – وهو ما حاولنا القيام به في هذه السلسلة – يبقى ضرورياً ومهماً، لكنه غير كافٍ.
ما نحتاج إليه هو بناء قوة سردية مستدامة، تعكس الدور الإقليمي والقاري الذي بدأ المغرب يلعبه. ويتطلب ذلك الاشتغال على ثلاث أوراش استراتيجية:
- تعزيز السيادة الإعلامية والسردية
- تطوير وسائل إعلام مغربية ذات إشعاع دولي؛
- تكوين جيل جديد من الصحفيين والمحللين والمفكرين القادرين على حمل خطاب مغربي عالمي، موثوق ومهيكل؛
- إنشاء خلية للرصد الاستراتيجي لمواجهة السرديات العدائية أو المنحازة.
- تسريع الإصلاحات الداخلية القابلة للترويج التواصلي
- تحسين التواصل بشأن الأوراش الاجتماعية (الحماية الاجتماعية، الصحة، التعليم)؛
- تعزيز الشفافية المؤسساتية لنزع المصداقية عن القراءات التآمرية؛
- مواصلة تحديث القضاء، والإدارة، وآليات المشاركة السياسية.
ملاحظة: رهان الانتخابات التشريعية المقبلة حاسم ويجب عدم التفريط فيه.
- تبني دبلوماسية تقوم على الاحترام المتبادل
- ربط الشراكات الاستراتيجية باحترام السردية السيادية المغربية؛
- عدم التساهل مع الخطابات المزدوجة: تعاون اقتصادي من جهة، واحتقار إعلامي من جهة أخرى؛
- التموقع بقوة ضمن دبلوماسية الجنوب العالمي، بما يتماشى مع مصالح المغرب.
خاتمة: المغرب لا يبرر نفسه... بل يشرح ويواصل المسير
المغرب ليس لغزاً. بل هو مسار سياسي فريد، صاغته التجربة التاريخية، ويدعمه عقد وطني، وتوجه ملكي يجمع بين الاستقرار والوحدة والإصلاح.
التحامل الإعلامي المقنّع تحت غطاء التحليل ليس جديداً.
لكن مغرب 2025 لم يعد ساحة للملاحظة السلبية. بل أصبح فاعلاً، وصوتاً، وحركة.
المغرب لا يطلب المحبة من أحد. بل يفرض الاحترام على الجميع.
لا ينحني للسرديات المستوردة. بل يبني سرديته الخاصة.
وهذه السردية، أكثر من أي وقت مضى، هي ملكه وحده.
الدكتور محمد براو، خبير دولي في الحكامة ومؤلف كتاب " الحكامة الجيدة على ضوء التوجيهات الملكية"