Sunday 24 August 2025
كتاب الرأي

كتاب طاهري "أنماط الوجود: التجريد والتعبير في الفن المعاصر".. من اللوحة إلى النص، ومن البصر إلى البصيرة

كتاب طاهري "أنماط الوجود: التجريد والتعبير في الفن المعاصر".. من اللوحة إلى النص، ومن البصر إلى البصيرة غلاف الكتاب

يأتي الكتاب النقدي "أنماط الوجود: التجريد والتعبير في الفن المعاصر ليؤسس لمساحة تأملية تتقاطع فيها أبعاد الفن التشكيلي مع العمق الفكري، في تجربة نقدية متفردة خطّها الناقد المغربي نورالدين طاهري بلغة تحليلية راقية، تستنطق اللوحة وتستنفر دلالاتها الكامنة. إنه منجز نقدي لا يكتفي برصد الجماليات الظاهرة، بل يغور في طبقات العمل الفني ويكشف عما وراء الأشكال والألوان من رؤى فكرية وتوترات وجودية.

 

لا يُقدّم الكتاب كدراسة موازية لأعمال الفنان أحمد الهواري فحسب، بل كقراءة تأويلية تتخذ من اللوحة مدخلًا لطرح الأسئلة حول الذاكرة، الهوية، الفقد، وتداخل الأزمنة داخل النفس الإنسانية. فكل لوحة من لوحات الهواري- التي تضمنها الكتاب مطبوعةً بالألوان كما ظهرت في أصلها في إخراج أنيق عن منشورات النورس- ليست مجرّد عنصر توثيقي، بل هي مادة حيّة تتجاور مع النص النقدي لتشكّل ثنائية بصرية/فكرية تدعو القارئ للتفاعل العميق.

 

اعتمد طاهري في هذا الإصدار منهجا نقديا حديثا، ينفتح على مفاهيم علم النفس، الفينومينولوجيا، وسيميولوجيا التشكيل، مما جعل الكتاب يتجاوز طابعه الجمالي، إلى أفق تأويلي يُعيد بناء معنى اللوحة من الداخل، ويوسّع من أفق تلقيها. وهكذا، تحوّل العمل الفني في هذا السياق إلى خطاب ثقافي مفتوح، تتعانق فيه الألوان مع المعاني، والخطوط مع التأويل.

 

يتسع هذا الكتاب لفضول الفنان والقارئ العادي، كما أنه موجّه إلى المهتمين بالنقد الفني، والمشتغلين في حقول الجماليات، حيث يشكل أداة معرفية لفهم كيف يمكن للوحة أن تُقرأ لا فقط بالبصر بل بالبصيرة، وكيف يمكن للناقد أن يشارك في إنتاج معنى الصورة.

 

وتتميّز هذه الطبعة الأنيقة بضمّها لكافة اللوحات المدروسة داخل المتن النقدي، مطبوعة بفنية عالية، بشكل يجعل من الكتاب تجربة حسّية وفكرية في آن واحد، تُتيح للقارئ أن يتلمّس اللحظة التشكيلية بكامل حضورها، وتُمكّنه من الربط بين النص والمرئي، بين اللغة والتجسيد البصري، في تفاعل غني يندرج ضمن ما يمكن تسميته "بالنقد البصري الحيّ".

 

إنه كتاب يُقرأ ويُشاهد، ويُفكَّر فيه، حيث ينهض الناقد نورالدين طاهري بدور مزدوج: فهو في آنٍ واحد مؤرخ لحركة الداخل الإنساني، ومُفسّر لجغرافيا اللوحة، وباحث عن لحظة التماس بين الذات والعالم من خلال مساحات اللون وشروخ الذاكرة. كتاب لا يهتم بشرح الفن التشكيلي بل يساهم إلى جانب إبداع أحمد الهواري خلق التصوير بلغة الفكر والتأمل الأدبي.