Saturday 23 August 2025
مجتمع

صاغها خبير حقوقي في مذكرة: تعرف على حيثياث منع الوقفة الاحتجاجية أمام مستشفى تاونات

صاغها خبير حقوقي في مذكرة: تعرف على حيثياث منع الوقفة الاحتجاجية أمام مستشفى تاونات محمد السباعي ومستشفى تاونات
أصدر محمد السباعي، الباحث والخبير في مجال حقوق الإنسان، مذكرة ترافعية بشأن قرار منع الوقفة الاحتجاجية أمام المستشفى الإقليمي بتاونات.
ومن أجل تنوير الرأي العام، تنشر جريدة "
أنفاس بريس " المذكرة كاملة.

أولاً: الوقائع
بتاريخ 19 غشت 2025، أصدر قائد الملحقة الإدارية الأولى بمدينة تاونات القرار الإداري رقم 02/2025، القاضي بمنع تنظيم وقفة احتجاجية كانت مقررة يوم 25 غشت 2025 أمام المستشفى الإقليمي بالمدينة. استند هذا القرار إلى مقتضيات ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بالتجمعات العمومية، مع التركيز على مبرر "المحافظة على السكينة العامة".

ثانياً: الإطار الدستوري والقانوني الوطني
ينص دستور المملكة المغربية لسنة 2011 في الفصل 29 على ضمان حق الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، مشدداً على أن تقييد هذه الحقوق لا يجوز إلا بمقتضى القانون وبما يتلاءم مع متطلبات النظام العام وبحسن تقدير مبدأ التناسب.
في المقابل، يفرض ظهير 15 نونبر 1958، نظام التصريح المسبق على التظاهرات والمواكب بالشارع العام (المادة 11)، دون تفسير صريح يلزم الوقفات الاحتجاجية القصيرة أو الرمزية بنفس النظام. وقد أجاز الاجتهاد القضائي المغربي عدة مرات التفرقة بين التظاهرات التي تستهلك مساحة زمنية ومكانية واسعة وتخضع للتصريح، والوقفات الاحتجاجية السلمية التي لا تشكل اعتداء على أمن وسلامة المجتمع، والتي استنفت المحكمة عدم إخضاعها لنظام الترخيص أو التصريح، ما دامت سلمية ولا تمس بالنظام العام.

ثالثاً: الإطار المعياري الدولي
يؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 21 على أن الحق في التجمع السلمي هو حق أساسي، ولا يمكن تقييده إلا إذا كان التقييد ضروريًا ومتناسبًا مع تحقيق هدف مشروع يتعلق بالنظام العام.
وينص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 11)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 20) على حماية الحق في حرية التجمع والتظاهر السلمي.
كما يلتزم المغرب دستورياً (الفصل 55) بالاحترام التام لهذه المواثيق الدولية التي صدق عليها، مما يعزز الطابع القانوني والملزم لحقوق التظاهر السلمي وحق التجمع.

رابعاً: التمييز القانوني بين الوقفة والاحتجاجات الأخرى
تُعرف الوقفة الاحتجاجية بأنها تجمع محدود زمنياً ومكانياً، يتميز بالسلمية وعدم الحركة أو المسيرة، وغالباً ما يكون تعبيراً رمزياً عن موقف أو احتجاج محدد.
بينما تُعتبر المسيرة أو التظاهرة تجمعاً أوسع نطاقاً يتحرك في الفضاء العام، مما يستوجب بالتالي وجود تصريح مسبق لتنظيمها نظراً لخطورتهما على النظام العام إذا لم تتم مراقبتهما.
وعليه، فإن الوقفة الاحتجاجية لا يمكن خضوعها تلقائياً لنظام الترخيص المسبق المتعلق بالتظاهرات، خصوصاً في ظل غياب نص قانوني صريح يفرض ذلك.

خامساً: تجارب مقارنة
• في فرنسا، تعفى الوقفات الاحتجاجية الرمزية من نظام التصريح إلا في حالة اتساع نطاقها أو تأثيرها على الأمن العام.
• في إسبانيا، أكدت المحكمة الدستورية أن الوقفة السلمية لا تندرج ضمن التظاهرات التي تخضع لنظام التصريح المسبق.
• في تونس، يكفل الدستور حرية التظاهر مقابل الإخطار فقط وليس الترخيص، ما يعكس توجهًا مماثلًا لتفسير الحق في التجمع السلمي.

سادساً: التعليق القانوني على القرار الإداري
القرار الإداري الصادر بمنع الوقفة احتوى على تعليل عام وغير محدد يتعلق بالحفاظ على السكينة العامة، دون تقديم أدلة ملموسة على وجود تهديد جدي ومباشر للنظام العام.
ويشكل هذا القرار تجاوزاً في تطبيق ظهير 15 نونبر 1958، وفقاً لمبدأ التناسب المنصوص عليه دستورياً دولياً وقانونياً، كما ينتهك حق التجمهر والتظاهر السلمي المكفول بالمادة 29 من الدستور المغربي.
ولهذا، يمكن تقديم الطعن بعدم مشروعية القرار لدى المحكمة الإدارية، والمطالبة بإلغائه لعدم استناده إلى أسباب قانونية واضحة، وعدم احترامه لمقتضيات المشروعية والتناسب.

الخلاصة
الوقفة الاحتجاجية السلمية، لما لها من طبيعة قانونية مميزة ومحدودة في الزمان والمكان، لا تتطلب ترخيصًا مسبقًا وفق التشريع المغربي ومعايير حقوق الإنسان الدولية. ومنعها بشكل مطلق يرقى إلى تضييق لا مبرر له على الحريات العامة ويخالف الدينامية الدستورية والالتزامات الدولية للمملكة. لذا، فإن حماية هذا الحق تتطلب تفسيرًا مرنًا ومتوازنًا يستجيب لطبيعة كل تجمع دون تعسف أو إخفاق في احترام القانون.



                                                                  محمد السباعي
                                                           باحث وخبير في مجال حقوق الإنسان