في حي شعبي بالدار البيضاء، يخرج فريد شاب عشريني كل صباح بدراجته النارية الصغيرة متوجهاً إلى عمله. لم يفكر يوماً أنه قد يُوقف في الطريق بتهمة "استعمال مركبة غير مطابقة للمواصفات القانونية".
كل ما يعرفه أنه اشترى دراجة 49cc من محل مرخّص، حصل على بطاقة رمادية رسمية، واعتقد أنه في مأمن من أي متابعة قانونية. غير أن الصدمة تأتي حين يجد نفسه مطالباً بأداء غرامات أو مواجهة حجز دراجته، في وقت لم يقم فيه بأي تعديل أو تغيير على مركبته.
هذه القصة ليست حالة معزولة، بل تعكس معاناة مئات المواطنين الذين تحوّلوا فجأة إلى "مخالفين للقانون"، نتيجة مسطرة جديدة لفحص السرعة بالدراجات النارية أعدّتها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA)، والتي كشفت عن خلل عميق في منظومة الرقابة على هذا النوع من المركبات.
تستند "نارسا" في هذا التوجه إلى معطيات صادمة: الدراجات النارية تسجل نسبة مرتفعة من الحوادث المميتة، خصوصاً في المدار الحضري. تقارير الوكالة تشير إلى أن أزيد من ثلثي مستعملي الدراجات النارية المتورطين في حوادث خطيرة هم من الفئة العمرية الشابة، وأن الأعطاب التقنية، خاصة المرتبطة بالفرامل والسرعة غير المضبوطة، تلعب دوراً محورياً.
ومن هذا المنطلق، سعت الوكالة إلى تحديث منظومة الفحص التقني عبر إدماج اختبار السرعة والفرملة بشكل إلزامي، وتجهيز مراكز المراقبة بآليات حديثة لقياس مطابقة الدراجات للمعايير. القرار يندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2025، التي تروم تقليص عدد القتلى على الطرق إلى النصف.
صحيح أن القانون ينص على أن أي دراجة بمحرك لا يتجاوز 49 سنتيمتراً مكعباً يجب أن تكون سرعتها محدودة في 50 كلم/س. هذه القاعدة معروفة ومؤطرة قانونياً، ويُفترض أن تخضع لمراقبة صارمة عند الاستيراد عبر مصالح الجمارك.
لكن الواقع أفرز مفارقة مثيرة: كثير من الدراجات المباعة بشكل رسمي وبوثائق قانونية، تتجاوز سرعتها هذا السقف لتصل أحياناً إلى 57 كلم/س أو أكثر، دون أي تدخل من المالك.
وهنا تتناسل الأسئلة: كيف وصلت هذه الدراجات إلى السوق وهي غير مطابقة للمواصفات؟ هل الجمارك لم تقم بدورها في الفحص عند الاستيراد؟ أم أن الخلل في الترخيص لنقاط البيع التي تسوّق هذه المركبات؟ أم أن المشكل يكمن في مراكز الفحص التقني المعتمدة التي لم تكشف الاختلالات قبل الترخيص لها؟
في هذه المتاهة القانونية والرقابية، يجد المواطن نفسه الطرف الأضعف. فهو لم يخالف القانون عن قصد، بل اقتنى دراجة من نقطة بيع مرخصة، مرفقة ببطاقة رمادية رسمية، ما يعني أنه وثق في المنظومة القانونية والإدارية. غير أن هذه الثقة سرعان ما انقلبت عليه، إذ أصبح يُعامل كـ"مخالف" بينما هو في الأصل ضحية خلل إداري ورقابي.
ويتجلى البعد الإنساني في هذه القضية في معاناة شباب وطلبة وعمال بسطاء يعتمدون على هذه الدراجات في تنقلاتهم اليومية. بالنسبة لهم، الدراجة ليست مجرد وسيلة نقل، بل شريان حياة يربطهم بالعمل، المدرسة المعمل . ومع ذلك، يجدون أنفسهم فجأة تحت طائلة غرامات مالية أو مصادرة مركباتهم.
ويرى البرلماني عبد الرحيم بوعيدة، أن هذه الوضعية تضرب في العمق مبدأ حماية المستهلك، وتضع الفرد العادي في مواجهة مسؤولية لا تخصه. فبدل أن تتحمل الإدارات المعنية مسؤوليتها في الرقابة المسبقة، يُلقى بالعبء على المواطن الذي لا يملك أي سلطة على مواصفات المركبة عند الاستيراد أو البيع.
وطالب بوعيدة من المسؤولين الذين وضعوا هذا القانون اتراجع عنه، لأن تحديد السرعة حسب قوله " يجب أن تطبق في العديد من القطاعات خاصة القطاعات التي ينهشها الفساد وهي التي تحتاج حقا لتحديد السرعة، وليست دراجات الفقراء والمغلوبين على أمرهم.."
يؤكد أحمد مروان، نائب الكاتب العام لنقابة الفاحصين التقنيين الاتحاد المغربي للشغل، ان حل مشكل الدرجات النارية يتطلب من الجهات الوصية تفعيل رخصة السياقة لهذا النوع من وسائل النقل، ومراقبة دخول هذا النوع من الدراجات عن طريق الجمارك، ومراقبة طرق البيع التي تتم في كثير من الأحيان بطرق احتيالية.
ويضيف مروان أن الحل لا يكمن في معاقبة المستهلك، بل في إصلاح المنظومة من أساسها. أولاً عبر تشديد الرقابة على الاستيراد ومنع دخول أي دراجة غير مطابقة، وثانياً بإلزام نقاط البيع بتقديم ضمانات قانونية حول مطابقة المركبات، وثالثاً بتقوية دور جمعيات حماية المستهلك في التوعية والدفاع عن حقوق المواطنين.
قضية الدراجات النارية الصغيرة تطرح سؤالاً جوهرياً حول علاقة المواطن المغربي بالقانون: إنها قصة أبعد من مجرد دراجات تتجاوز السرعة المسموح بها، إنها قصة ثقة مهدورة بين المواطن ومؤسسات يفترض أن تحميه لا أن تجرّمه.
