بمجرد أن صدرت نسخة من مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، بعث بها الأمين العام للحكومة إلى الوزراء، يوم 8 غشت 2025، تمهيدا لعرضه على مجلس الحكومة، حتى ساد غضب وسط الأساتذة الباحثين والنقابيين الجامعيين.
أحد الأساتذة الجامعيين استغرب، في تصريح ل"أنفاس بريس"، هذا الاستعجال في إعداد المشروع والإسراع بإرساله إلى أعضاء الحكومة، "بينما نحن في عز العطلة الصيفية"، يقول محدثنا الذي وصف ذلك ب"السلوك المريب"، متهما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ب"محاولة تهريب هذا القانون".
واستدل الأستاذ الجامعي على ذلك بعدم التزام الوزارة بالمنهجية التشاركية، حيث أصرت على إقصاء الأساتذة الباحثين من المشاركة في إعداد المشروع، متهما إياها ب"وضع الأساتذة وباقي مكونات التعليم العالي أمام الأمر الواقع".
وهو ما كان نبه إليه المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي، في بيان له عقب في اجتماعه بتاريخ 10 يوليوز 2025؛ أي قبل إرسال نسخة المشروع بشهر، حين سجل "استفراد الوزارة بصياغة المشروع بدون أدنى إشراك لممثلي الأساتذة الباحثين وإخلالها بالمنهجية التشاركية"، وطالب الوزارة، في البيان نفسه، ب"الإشراك الفعلي للنقابة في تعديل قانون 00.01"، و"حملها المسؤولية فيما ستؤول إليه الأوضاع إذا ما أصرت على تمرير هذا القانون دون الأخذ بملاحظات النقابة الوطنية للتعليم العالي في هذا الشأن".
ولعل أكثر ما أثار القلق بين الأساتذة الباحثين، وينبئ بإثارة الجدل والنقاش في الأوساط الجامعية هو ما تضمنه الباب الرابع من المشروع المعنون ب"حكامة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي"، حيث نص على إحداث جهاز جديد يعلو مجلس الجامعة الذي كان أعلى جهاز على مستوى الجامعة، ويتمتع بجميع السلطات والصلاحيات اللازمة لإدارة الجامعة. وهو ما تفيده المادة 29 التي تقول: "تتكون أجهزة الجامعة من مجلسين: مجلس الأمناء؛ ومجلس الجامعة".
وخصص المشروع ل"مجلس الأمناء" المحدث المواد من 30 إلى 35، من الفصل الأول من الباب الرابع. ويتبين من المادة 30 التي تحدد الأعضاء الذين يتألف منهم "مجلس الأمناء"، أن الأمر يتعلق بجهاز معين؛ إذ إن جميع أعضائه معينون، ومن خارج الجامعة، باستثناء "أستاذ للتعليم العالي" و"ممثل عن الأطر الإدارية والتقنية" اللذين ينص المشروع على أنهما ينتخبان من قبل زملائهما الأعضاء بمجلس الجامعة.
وفضلا عن قهقرة مجلس الجامعة، فإن المشروع لم يُمَتِّع رئيس الجامعة بعضوية كاملة بمجلس الأمناء، وحصرها في "عضوية استشارية"؛ إذ نصت المادة 30 على أن "يحضر رئيس الجامعة اجتماعات مجلس الأمناء بصفة استشارية"، كما قلص حضور الأساتذة الباحثين في "مجلس الأمناء" في عضو واحد.
وفي المقابل، مكن المشروع والي الجهة من عضوية مجلس الأمناء. وهو ما يثير التساؤل والقلق، بالنظر إلى الوضع السلطوي للوالي في علاقته بباقي الأعضاء. ولعل تجربة مسؤولي الإدارة الترابية، من ولاة وعمال، مع مندوبي القطاعات الحكومية وحتى مع المنتخبين المحليين على مستوى المدن والجماعات الترابية تقدم صورة عن السلطة التي سيحظى بها الوالي أو ممثله في "مجلس الأمناء" الذي خوله المشروع السلطة العليا على مستوى الجامعة. وهو ما من شأنه أن يمس باستقلالية الجامعة ويلحقها بوزارة الداخلية.
ويُذكر أن المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي كان قد عبر، في بيانه المذكور، عن "رفضه التام لمشروع قانون التعليم العالي في صيغته الحالية، لما يشكله من مس بهوية الجامعة العمومية وشرعنته للخصخصة والتبعية الاقتصادية". وتوقف البيان عند "خطورة مضامينه الرامية إلى تفكيك المؤسسة العمومية بضرب مجانية التعليم العالي، وتشجيع الخصخصة (...) وشرعنة هيمنة منطق السوق والمقاربة النيوليبرالية". واعتبر المشروعَ "تهديدا صريحا للجامعة العمومية واستهدافا لاستقلاليتها، ولدور الأستاذ(ة) الباحث(ة)".
وعلمت "أنفاس بريس" أن النقابة الوطنية للتعليم العالي ستعقد اجتماعا للجنتها الإدارية في بداية الدخول الجامعي. وسيخصص جزء منه، بحسب مصدرنا، للتداول في هذا المشروع الذي عبر المكتب الوطني للنقابة، بمجرد تسريبه، عن رفضه له، خلال اجتماع له مع وزير التعليم العالي في أواخر يوليوز الماضي. وهو ما ينبئ، بحسب المصدر ذاته، بدخول جامعي متوتر.
بحسب ما تنص عليه المادة 30، يتألف مجلس الأمناء، علاوة على رئيسه، من:
- السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي؛
- السلطة الحكومية المكلفة بالمالية؛
- أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية أو ممثله؛
- أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات أو ممثله؛
- والي الجهة أو ممثله؛
- رئيس مجلس الجهة؛
- شخصيتين تمثلان المحيط الاقتصادي والاجتماعي، يتم تعيينهما من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، باقتراح من رئيس مجلس الأمناء؛
- شخصيتين مشهود لهما بالكفاءة والخبرة في مختلف مجالات التعليم العالي والبحث العلمي من داخل أو خارج المملكة، يتم تعيينهما من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي باقتراح من رئيس مجلس الأمناء؛
- أستاذ للتعليم العالي ينتخب من قبل ومن بين الأساتذة الباحثين الأعضاء بمجلس الجامعة؛
- ممثل عن الأطر الإدارية والتقنية ينتخب من قبل ومن بين هذه الأطر الأعضاء بمجلس الجامعة.
و"يُعَيَّن رئيس مجلس الأمناء بمرسوم باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي"، كما تفيد المادة 31 التي تحدد مواصفات الرئيس في أن يكون "شخصية من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة العلمية وبخبرتها في التدبير العمومي". ويُعَيَّن الرئيس، بحسب المادة نفسها، "لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرتين".
