Monday 4 August 2025
منبر أنفاس

برعلا زكريا: المهرجانات.. هل تستحق كل هذه المليارات

 
برعلا زكريا: المهرجانات.. هل تستحق كل هذه المليارات برعلا زكريا
في السنوات الأخيرة، ترسخت ظاهرة المهرجانات في المغرب كعنصر شبه دائم في أجندة السياسات العمومية، متجاوزة المناسبات الكبرى لتشمل مختلف الجهات والأقاليم، وصولا إلى الجماعات المحلية الأكثر فقرا وتهميشا.
 
هذا الانتشار الممنهج يطرح نقاشا جوهريا حول فلسفة الإنفاق العام وتحديد الأولويات الوطنية، خاصة حين يتم وضعه في مقابل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة التي تواجه قطاعات واسعة.
 
وعلى سبيل المثال، كشف رئيس اتحاد المهرجانات المغربية سنة 2023 إلى أن الميزانية الإجمالية لـ 70 مهرجانا بلغت 2.5 مليار درهم، أبرزها مهرجان موازين حيث تشير تقديرات لارتفاع ميزانيته من 7 إلى 15 مليار سنتيم في ظرف 4 سنوات فقط.
 
هذا النموذج ليس حالة معزولة، بل هو انعكاس لنمط وطني أوسع تصل فيه تكلفة عشرات المهرجانات إلى مليارات الدراهم، وتستأثر فيه فعاليات ضخمة بميزانيات فلكية، يتم تدبيرها غالبا عبر شبكة تمويل معقدة تتداخل فيها مساهمات شركات عمومية مع دعم مباشر وغير مباشر من أجهزة الدولة.
 
يتم تبرير هذا الإنفاق السخي عادة في إطار التنشيط الاقتصادي والترويج السياحي وتشجيع الصناعة التقليدية والإنتاج المجالي، ورغم صحة هذا المبرر جزئيا، إلا أن حجم الأموال المرصودة يثير تساؤلات مشروعة حول التكلفة الباهظة.
 
فالملايين التي تصرف على منصة احتفالية واحدة، كان يمكن أن تترجم إلى تحديث تجهيزات مستشفى محلي، أو دعم عشرات التعاونيات الحرفية بشكل مستدام، أو المساهمة في معالجة العجز في البنى التحتية الأساسية. هنا يتحول النقاش من جدوى المهرجان إلى مدى ملاءمة حجم الإنفاق في سياق تنموي لا يزال يواجه تحديات بنيوية في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والتشغيل.
 
من منظور أعمق، لا يمكن فصل هذه السياسة عن وظيفتها الاجتماعية والسياسية. إنها تمثل تطبيقا حديثا لمبدأ تاريخي لإدارة المزاج العام وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. فمن خلال توفير مساحات للفرجة الجماعية، يتم خلق متنفس لتصريف الضغوط وتوجيه الانتباه بعيدا عن المصاعب اليومية، وتقديم صورة عن حياة عامة نشطة ومستقرة.
 
وتتجلى براعة هذه الاستراتيجية في قدرتها على توظيف الموروث الثقافي المحلي، من مواسم وطقوس متجذرة في الذاكرة الجماعية، ودمجها في إطار احتفالي حديث، مما يمنحها قبولا شعبيا واسعا ويعزز من فعاليتها كأداة للتأثير الناعم.
 
إن الاعتراض الجوهري لا يكمن في تنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحد ذاتها، لكن القضية المحورية تكمن في نموذج تمويلها وحجمه وموقعه ضمن سلم الأولويات الوطنية.
 
ولعل المطلوب اليوم هو إرساء شفافية كاملة حول مصادر تمويل هذه المهرجانات وآليات صرفها، وإعادة تقييم شاملة تضمن تحقيق توازن مسؤول بين الحاجة للترفيه ومتطلبات التنمية البشرية المستدامة، بما يخدم مصلحة المواطن أولا وأخيرا.