Wednesday 30 July 2025
اقتصاد

ما حقيقة تراجع عودة مغاربة العالم خلال صيف 2025؟

ما حقيقة تراجع عودة مغاربة العالم خلال صيف 2025؟ مشهد لعودة بعض المغاربة من الخارج
رغم ما يُروج رسميًا عن انتعاش القطاع السياحي بالمغرب خلال صيف 2025، فإن الصورة التي تنقلها مواقع التواصل الاجتماعي تبدو أقل وردية، وتثير التساؤلات حول حقيقة الإقبال السياحي، خاصة من طرف الجالية المغربية بالخارج.
 
ففي وقت يُعد فيه فصل الصيف ذروة موسم العودة إلى الوطن، ارتفعت أصوات كثيرة عبر المنصات الرقمية تشتكي من الأسعار الملتهبة، سواء في تذاكر الطيران والرحلات البحرية أو تكاليف الفنادق والإقامة، ما جعل عدد من مغاربة العالم يعيدون النظر في قرارهم بالعودة المؤقتة، أو يُقلصون مدة إقامتهم إلى الحد الأدنى. وبين تضارب الأرقام الرسمية التي تتحدث عن زيادة في عدد الوافدين، وتراجع ملموس في نسبة الحجوزات بمراكش ومدن أخرى، يبدو أن القطاع يعيش مرحلة حرجة، تفرض على الجهات المسؤولة الاعتراف الصريح بالوضع، بدل الاكتفاء بلغة الأرقام الإيجابية.
 
وأكد الزوبير بوحوت، خبير في القطاع السياحي، أنه حاليًا نعيش مرحلة ضبابية يصعب فيها تحديد صورة دقيقة عن أداء القطاع.
 
مع العلم أن شهر يونيو، الذي يتزامن مع انطلاق عملية "مرحبا"، يشهد توافدًا ملحوظًا للجالية المغربية المقيمة بالخارج. ورغم أن أفراد الجالية يزورون الوطن طيلة السنة، فإن حوالي 40%  إلى 50 % من دخول الجالية يتمركز في فصل الصيف.
 
وأوضح بوحوت ل"أنفاس بريس"، أن الإشكال الأول يكمن في تناقض بعض الأرقام. إذ أفاد المرصد الوطني للسياحة، بأن هناك زيادة بنسبة 19% في عدد الوافدين  - سياحة وطنية مغاربة العالم وسياحة دولية  - خلال  الشهور الستة الأولى من السنة، بينما لم يسجل شهر يونيو سوى زيادة بـ11%، وهي أضعف نسبة مقارنة بالأشهر السابقة. ففي بداية السنة، كانت الزيادة 27%، ونفس النسبة سُجلت في ماي، مما يثير الشكوك حول استمرار هذا الانتعاش.
 
من جهته، صرح  وزير الشؤون الخارجية والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في البرلمان أن عدد مغاربة العالم يتراوح بين 10.6 و10.7 ملايين، وأن حوالي 1.520.951 مليون من مغاربة العالم دخلوا البلاد، أي بنسبة زيادة تُقدّر بـ13% مقارنة بسنة 2024. لكن هذه النسبة لا تتطابق بدقة مع أرقام المرصد الوطني للسياحة، يتابع بوحوت.
 
في المقابل، يوضح محاورنا،  أن الفيديوهات التداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ضعف الإقبال السياحي في بعض المناطق الشاطئية، مثل السعيدية، والتي تُعد وجهة مفضلة لأفراد الجالية من المناطق الشرقية. هذه الفيديوهات، وإن كانت لا تعكس بالضرورة الصورة الكاملة، فإنها تبقى مؤشرا مقلقا.
 
وأكد بوحوت أن منسوب القلق ارتفع بعد تصريح مسؤول في القطاع السياحي بمراكش الذي أكد أن هناك تراجعًا في نسبة
الحجوزات خلال يوليوز بحوالي 20% إلى 25% مقارنة مع نفس الشهر من سنة 2024. وإذا صح هذا التراجع، فهو لا يشمل فقط السياح الدوليين، بل يشمل أيضًا مغاربة العالم، وهو ما يعكس وجود ظاهرة تستدعي التوقف.
 
فرغم التصريحات الرسمية التي تشير إلى ارتفاع في أعداد الوافدين، إلا أن الواقع في بعض المدن السياحية لا يعكس هذه الدينامية. على سبيل المثال، انتشرت فيديوهات تُظهر بواخر نقل المسافرين شبه فارغة، مما يزيد من حالة الغموض. ورغم أن هذه الصور قد تكون ملتقطة في أوقات معينة، فإنها تبقى مقلقة.
 
إضافة إلى ذلك، يشير بوحوت إلى تذمر عدد من المغاربة المقيمين بالخارج من غلاء الأسعار، سواء في تذاكر الطيران أو في كلفة الإقامة. وهذا أمر مقلق، خاصة أن المغرب لديه اتفاقيات مع شركات طيران تهدف إلى تسهيل العودة إلى أرض الوطن. ومع ذلك، نجد أن بعض أسعار الفنادق مرتفعة بشكل غير مبرر، ما يثني المغاربة والسياح الدوليين على حد سواء عن الإقبال.
 
في غياب معطيات رسمية دقيقة تُكذّب هذا الركود، يبقى تصريح مسؤولي الفنادق والجمعيات المهنية، الذين أكدوا تسجيل تراجع بين 20% و25%، هو المؤشر الأكثر دلالة. وإذا كانت مدن مثل مراكش تسجل هذا الانخفاض، فمن الطبيعي أن تعاني مدن سياحية أخرى من نفس الوضع.
 
المُقلق في هذا السياق أن الجهات المسؤولة لا تعترف علنًا بوجود الأزمة، ربما بسبب اعتبارات مؤسساتية أو مصالح مرتبطة بالجهات الترابية أو الفاعلين السياحيين. لكن هذا لا يمنع من ضرورة الاعتراف بالوضع من أجل معالجته.
 
حتى وزيرة السياحة، في تصريحاتها الأخيرة، أبدت نوعًا من الإحساس بوجود عزوف، يتابع بوحوت،  لكنها لم تُخرج بعد خطة واضحة من خارطة الطريق المخصصة للسياحة الوطنية. هذه الخارطة، في الواقع، لم تُعطِ السياحة الداخلية ما تستحقه من اهتمام، بل ركزت على ما يُعرف بـ"السلاسل الموضوعاتية" المرتبطة بأنماط سياحية محددة، دون مراعاة القدرة الشرائية للمغاربة.
 
وخلص بوحوت تصريحه بالقول، أن المغاربة يعلمون جيدًا أن أسعار الإقامة في فصل الصيف تعرف ارتفاعًا غير مبرر. فلا يُعقل أن تُعرض شقق متوسطة للإيجار بـ500 أو 600 درهم في العادة، ثم ترتفع فجأة إلى أثمان باهظة. في المقابل، يُطلب من الطبقة المتوسطة أو أقل أن تتحمل تكاليف تصل إلى 3000 أو 7000 درهم لغرفة مزدوجة مع الفطور، وهو أمر غير مقبول وصعب جدًا.