في سياق تنامي حدة الظواهر المناخية القصوى وإرهاصات التغير المناخي يأتي ارتفاع درجة الحرارة واشتداد الموجات الحرارية وتواترها كمعطى جدّي بتبعات عديدة ووقع متفاقم.
هذا الموضوع تكمن مقاربته ومساءلته من زوايا عديدة، يمكن أن نختار منها ثلاثة؛ الزاوية العلمية على قاعدة ما توفره تقارير مجموعة الـ GIEC (مجموعة الخبراء الحكوميين بشأن تطور المناخ) ارتباطا بالتغير المناخي ومستلزماته وزاوية تدبير السياسات العمومية وإقرار العدالة المجالية المنادى بها وما يتصل بذلك تشريعيا ومؤسّساتيا وايضا الزاوية التقنية والاجرائية وما ينبغي انجازه توفيره عمليا بهذا الخصوص.
ارتباطا بالتغير المناخي
باعتبار بلادنا من الدول السباقة إلى توقيع مختلف الاتفاقيات والعهود الدولية ذات العلاقة وآخرها اتفاق باريس 2015 وبناء على معطيات مجموعة GIEC التي أفادت في آخر تقرير لها (التقرير السادس لـ 2023) على أن ظاهرة الموجات الحرارية ستتفاقم في السنوات الموالية مع تتفاقم مخاطرها وآثارها السلبية على صحة الإنسان بداية حيث تسببها في إصابات عدة وتفاقم أخرى، خصوصا لدى الفئات الهشة وكبار السن والنساء الحوامل والصغار مما ترتفع معه نسبة الوفيات ذات العلاقة، إضافة الى آثارها على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وعلى مستوى البنيات التحتية، حيث تبديد إمكانيات وموارد كبيرة وطاقات عديدة تحت وقع هذه الظواهر التي تتفاقم حين تصاحبها اخرى من قبيل حالة الجفاف كما هو الحال بالنسبة لبلادنا في السنوات الأخيرة، وإلى جانب ذلك هناك تضرر مختلف المنظومات البيئية وتراجع الإنتاج ومعه تدهور الأمن الغذائي.
كل هذا سينضاف إلى إشكالات التدهور البيئي الذي تعاني منه بلادنا ويكلف أكثر من 30 مليار درهم سنويا، وأيضا أوجه التدهور له علاقة بالنجاعة الطاقية، حيث أن بإمكان بلادنا حاليا اقتصاد خمسة ملايير درهما سنويا بهذا الخصوص لو عمل ذلك بالشّكل اللّازم.
ارتباطا بالسياسات العمومية
على اعتبار أن مجابهة المخاطر المناخية تتم باللجوء إلى آليتين رئيسيتين تتمثلان في آلية التكيف adaptation وآلية التخفيف atténuation ، فمن المؤسف ألا تتوفر بلادنا حقيقة على سياسات عمومية حقيقية علاقة بتدبير المخاطر والطوارئ وأجرأة هذه الآليات بشكل ناجع واستباقي ومستدام. سياسات عمومية تقوم على مقاربات متكاملة ومندمجة تتكامل فيها المقتضيات المؤسساتية والتشريعية والاجرائية الميدانية، وفي غياب هذه السياسات يتم الاكتفاء بالتدخلات المناسباتية والموسمية التي تفتقد إلى الفعالية والنجاعة وتأتي كردود أفعال قاصرة ومتأخرة غالبا وغير ذات جدوى.
على المستوى التقني والإجرائي
لا يمكن أن نتخيل درجة العنت التي يعيشها المواطنون في المناطق المتضررة، وذلك في حياتهم اليومية ومدى تأثير ذلك على مردودية أنشطتهم وأعمالهم ودرجة تبديد طاقاتهم في مختلف المجالات وكم يكلف ذلك وكم يبدد من جهود وموارد؟
مواطنون يواجهون مثل هذه الظروف بدون أدنى حماية على مختلف المستويات؛ الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى سبيل المثال لا الحصر أؤكد في هذا الإطار على ما يلي:
- كيف يمكن الحديث عن البناء المنضبط لاشتراطات النجاعة الطاقية والمواطنون في معظم المناطق المعنية خصوصا منها القروية والجبلية والشبه الحضرية يعانون حتى من استعصاء استخراج وثائق وتراخيص التعمير الاعتيادية، وما بالنا بتراخيص بناء تمكن من إنشاءات تحترم تلك المعايير مثل التي تقوم على اعتماد مواد البناء التقليدية والمكيفة مع الظروف البيئية والمناخية ومع طبيعة الأنشطة السوسيو-اقتصادية في تلك المناطق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد المطالب التي رفعتها ساكنة أيت بوكماز لها علاقة بهذا الموضوع وهو مطلب لا يقتصر على تلك المنطقة بل على معظم مناطق البلاد حتى وان لم يسمع لها صوت.
مواطنون يواجهون مثل هذه الظروف بدون أدنى حماية على مختلف المستويات؛ الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى سبيل المثال لا الحصر أؤكد في هذا الإطار على ما يلي:
- كيف يمكن الحديث عن البناء المنضبط لاشتراطات النجاعة الطاقية والمواطنون في معظم المناطق المعنية خصوصا منها القروية والجبلية والشبه الحضرية يعانون حتى من استعصاء استخراج وثائق وتراخيص التعمير الاعتيادية، وما بالنا بتراخيص بناء تمكن من إنشاءات تحترم تلك المعايير مثل التي تقوم على اعتماد مواد البناء التقليدية والمكيفة مع الظروف البيئية والمناخية ومع طبيعة الأنشطة السوسيو-اقتصادية في تلك المناطق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد المطالب التي رفعتها ساكنة أيت بوكماز لها علاقة بهذا الموضوع وهو مطلب لا يقتصر على تلك المنطقة بل على معظم مناطق البلاد حتى وان لم يسمع لها صوت.
- التأخير الكبير المسجل في تنزيل مقتضيات قانون الانتاج الذاتي للطاقة الكهربائية 21-82 الذي يهدف إلى تنظيم الإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية لأغراض الاستهلاك الذاتي كيفما كانت طبيعة الشبكة ومستوى الجهد وقدرة المنشأة المستخدمة. نفس الشيء بالنسبة للتعديلات التي جاءت على قانون الطاقات المتجددة 09-13. مع اليقين أن هذه القوانين لو فعلت لمكنت مختلف المؤسسات والخواص وعموم المواطنين من إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة (الإنتاج الشعبي للطاقة) من أجل الاستهلاك الذاتي وبيع الفائض وضخه في الشبكة الوطنية وهو ما سيمثل فرصة كبيرة للقدرة على مجابهة آثار موجات الحرارة داخل البيوت وفي فضاءات العمل وباقي الفضاءات.
- ضعف توفير الإمكانيات اللازمة لمجابهة آثار هذه الموجات على مستوى وسائل التدخل والاستشفاء علاقة بالأضرار الصحية ذات العلاقة مع ضعف توفر بنيات التخفيف من تلك الآثار ويكفي هنا مثلا الحديث عن ضعف توفر الفضاءات والمساحات الخضراء التي تلطف الأجواء وضعف توفر المسابح العمومية كملاذ للمواطنين في تلك الفترات ومعه ضعف إمكانيات حماية من يلجؤون اضطرارا إلى السباحة في الوديان والمواقع غير المحروسة وإنقاذ حالات الغرق المسجلة.
وإلى جانب ذلك، هناك ضعف إمكانيات التدخل لإطفاء الحرائق الناتجة عن تلك الموجات، سواء في الغابات أو الواحات.
كل هذا يتفاهم بفعل الميزان الأعرج للتنمية وللاهتمام بهذه المناطق والتي تعاني مع الأسف من غياب العدالة المجالية وضعف الاهتمام بها في مختلف المجالات وضعف الإمكانيات المرصودة لفائدتها وشبه غياب أي استراتيجيات فعلية تساعدها على مجابهة مثل هذه الأوضاع التي تظهر آثارها السيئة واضحة وجلية تحت ضوء هذه الظواهر التي تعتبر خير مؤشّر لتقييم وقياس نجاعة سياساتنا واستراتيجياتنا بهذا الخصوص والكشف عن ضعفها وهزالتها.