Friday 25 July 2025
اقتصاد

أحمد صدقي: حان الوقت ليقطع المغرب مع التدخلات الموسمية واعتماد سياسة عمومية واضحة خاصة بالمناطق الحارة

أحمد صدقي: حان الوقت ليقطع المغرب مع التدخلات الموسمية واعتماد سياسة عمومية واضحة خاصة بالمناطق الحارة أحمد صدقي، باحث في قضايا البيئة والمناخ
 ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تنامي‭ ‬حدة‭ ‬الظواهر‭ ‬المناخية‭ ‬القصوى‭ ‬وإرهاصات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬يأتي‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬واشتداد‭ ‬الموجات‭ ‬الحرارية‭ ‬وتواترها‭ ‬كمعطى‭ ‬جدّي‭ ‬بتبعات‭ ‬عديدة‭ ‬ووقع‭ ‬متفاقم‭.‬

هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬تكمن‭ ‬مقاربته‭ ‬ومساءلته‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬عديدة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نختار‭ ‬منها‭ ‬ثلاثة؛‭ ‬الزاوية‭ ‬العلمية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬تقارير‭ ‬مجموعة‭ ‬الـ‭ ‬GIEC (مجموعة‭ ‬الخبراء‭ ‬الحكوميين‭ ‬بشأن‭ ‬تطور‭ ‬المناخ)‭ ‬ارتباطا‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي‭ ‬ومستلزماته‭ ‬وزاوية‭ ‬تدبير‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬وإقرار‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬المنادى‭ ‬بها‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بذلك‭ ‬تشريعيا‭ ‬ومؤسّساتيا‭ ‬وايضا‭ ‬الزاوية‭ ‬التقنية‭ ‬والاجرائية‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬انجازه‭ ‬توفيره‭ ‬عمليا‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭.‬
‮ ‬
ارتباطا‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي
باعتبار‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬السباقة‭ ‬إلى‭ ‬توقيع‭ ‬مختلف‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والعهود‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬وآخرها‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس‭ ‬2015‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬معطيات‭ ‬مجموعة‮ ‬GIEC‮ ‬التي‭ ‬أفادت‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬تقرير‭ ‬لها‭ ‬(التقرير‭ ‬السادس‭ ‬لـ‭ ‬2023)‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموجات‭ ‬الحرارية‭ ‬ستتفاقم‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الموالية‭ ‬مع‭ ‬تتفاقم‭ ‬مخاطرها‭ ‬وآثارها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬بداية‭ ‬حيث‭ ‬تسببها‭ ‬في‭ ‬إصابات‭ ‬عدة‭ ‬وتفاقم‭ ‬أخرى،‭ ‬خصوصا‭ ‬لدى‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬والنساء‭ ‬الحوامل‭ ‬والصغار‭ ‬مما‭ ‬ترتفع‭ ‬معه‭ ‬نسبة‭ ‬الوفيات‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة،‮ ‬‮ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والبيئية‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬حيث‭ ‬تبديد‭ ‬إمكانيات‭ ‬وموارد‭ ‬كبيرة‭ ‬وطاقات‭ ‬عديدة‭ ‬تحت‭ ‬وقع‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬تتفاقم‭ ‬حين‭ ‬تصاحبها‭ ‬اخرى‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬حالة‭ ‬الجفاف‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبلادنا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬تضرر‭ ‬مختلف‭ ‬المنظومات‭ ‬البيئية‭ ‬وتراجع‭ ‬الإنتاج‭ ‬ومعه‭ ‬تدهور‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬سينضاف‭ ‬إلى‭ ‬إشكالات‭ ‬التدهور‭ ‬البيئي‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬بلادنا‮ ‬‭ ‬ويكلف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬سنويا،‭ ‬وأيضا‭ ‬أوجه‭ ‬التدهور‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالنجاعة‭ ‬الطاقية،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬بإمكان‭ ‬بلادنا‭ ‬حاليا‭ ‬اقتصاد‭ ‬خمسة‭ ‬ملايير‭ ‬درهما‭ ‬سنويا‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬لو‭ ‬عمل‭ ‬ذلك‭ ‬بالشّكل‭ ‬اللّازم‭.‬
‮ ‬
ارتباطا‭ ‬بالسياسات‭ ‬العمومية
على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬مجابهة‭ ‬المخاطر‭ ‬المناخية‭ ‬تتم‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬آليتين‭ ‬رئيسيتين‭ ‬تتمثلان‭ ‬في‭ ‬آلية‭ ‬التكيف‮ ‬adaptation‮ ‬‮ ‬وآلية‭ ‬التخفيف‭ ‬atténuation‮ ‬،‮ ‬فمن‭ ‬المؤسف‭ ‬ألا‭ ‬تتوفر‭ ‬بلادنا‭ ‬حقيقة‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬حقيقية‭ ‬علاقة‭ ‬بتدبير‭ ‬المخاطر‭ ‬والطوارئ‭ ‬وأجرأة‭ ‬هذه‭ ‬الآليات‭ ‬بشكل‭ ‬ناجع‭ ‬واستباقي‭ ‬ومستدام‭. ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مقاربات‭ ‬متكاملة‭ ‬ومندمجة‮ ‬‭ ‬تتكامل‭ ‬فيها‭ ‬المقتضيات‭ ‬المؤسساتية‭ ‬والتشريعية‭ ‬والاجرائية‭ ‬الميدانية،‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬يتم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالتدخلات‭ ‬المناسباتية‭ ‬والموسمية‭ ‬التي‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬الفعالية‭ ‬والنجاعة‭ ‬وتأتي‭ ‬كردود‭ ‬أفعال‭ ‬قاصرة‭ ‬ومتأخرة‭ ‬غالبا‭ ‬وغير‭ ‬ذات‭ ‬جدوى‭.‬
 
على‭ ‬المستوى‭ ‬التقني‭ ‬والإجرائي
لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬درجة‭ ‬العنت‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المواطنون‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المتضررة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬ومدى‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مردودية‭ ‬أنشطتهم‭ ‬وأعمالهم‭ ‬ودرجة‭ ‬تبديد‭ ‬طاقاتهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬وكم‭ ‬يكلف‭ ‬ذلك‭ ‬وكم‭ ‬يبدد‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬وموارد؟
مواطنون‭ ‬يواجهون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬بدون‭ ‬أدنى‭ ‬حماية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات؛‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭.‬‮ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬أؤكد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي:
-‮ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬البناء‭ ‬المنضبط‭ ‬لاشتراطات‭ ‬النجاعة‭ ‬الطاقية‭ ‬والمواطنون‭ ‬في‭ ‬معظم‮ ‬‭ ‬المناطق‭ ‬المعنية‭ ‬خصوصا‭ ‬منها‭ ‬القروية‭ ‬والجبلية‭ ‬والشبه‭ ‬الحضرية‭ ‬يعانون‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬استعصاء‭ ‬استخراج‭ ‬وثائق‭ ‬وتراخيص‭ ‬التعمير‭ ‬الاعتيادية،‭ ‬وما‭ ‬بالنا‭ ‬بتراخيص‭ ‬بناء‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إنشاءات‭ ‬تحترم‭ ‬تلك‭ ‬المعايير‭ ‬مثل‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬مواد‭ ‬البناء‭ ‬التقليدية‭ ‬والمكيفة‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬البيئية‭ ‬والمناخية‭ ‬ومع‭ ‬طبيعة‭ ‬الأنشطة‭ ‬السوسيو-اقتصادية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭. ‬وهنا‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬ساكنة‭ ‬أيت‭ ‬بوكماز‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬مناطق‭ ‬البلاد‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬لها‭ ‬صوت‭.‬

‮ ‬-‮ ‬التأخير‭ ‬الكبير‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬مقتضيات‭ ‬قانون‭ ‬الانتاج‭ ‬الذاتي‭ ‬للطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬21-82‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬الإنتاج‭ ‬الذاتي‭ ‬للطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬لأغراض‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الذاتي‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬طبيعة‭ ‬الشبكة‭ ‬ومستوى‭ ‬الجهد‭ ‬وقدرة‭ ‬المنشأة‭ ‬المستخدمة‭. ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتعديلات‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬09-13‭. ‬مع‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬لو‭ ‬فعلت‭ ‬لمكنت‭ ‬مختلف‭ ‬المؤسسات‭ ‬والخواص‭ ‬وعموم‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬متجددة‭ ‬(الإنتاج‭ ‬الشعبي‭ ‬للطاقة)‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الذاتي‭ ‬وبيع‭ ‬الفائض‭ ‬وضخه‭ ‬في‭ ‬الشبكة‭ ‬الوطنية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيمثل‭ ‬فرصة‭ ‬كبيرة‭ ‬للقدرة‭ ‬على‭ ‬مجابهة‭ ‬آثار‭ ‬موجات‭ ‬الحرارة‭ ‬داخل‭ ‬البيوت‭ ‬وفي‭ ‬فضاءات‭ ‬العمل‭ ‬وباقي‭ ‬الفضاءات‭.‬

-‮ ‬ضعف‭ ‬توفير‭ ‬الإمكانيات‭ ‬اللازمة‭ ‬لمجابهة‭ ‬آثار‭ ‬هذه‭ ‬الموجات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬وسائل‭ ‬التدخل‭ ‬والاستشفاء‭ ‬علاقة‭ ‬بالأضرار‭ ‬الصحية‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬ضعف‭ ‬توفر‭ ‬بنيات‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭ ‬ويكفي‭ ‬هنا‭ ‬مثلا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬توفر‭ ‬الفضاءات‭ ‬والمساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬التي‭ ‬تلطف‭ ‬الأجواء‭ ‬وضعف‭ ‬توفر‭ ‬المسابح‭ ‬العمومية‭ ‬كملاذ‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترات‭ ‬ومعه‭ ‬ضعف‭ ‬إمكانيات‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬يلجؤون‭ ‬اضطرارا‭ ‬إلى‭ ‬السباحة‭ ‬في‭ ‬الوديان‭ ‬والمواقع‭ ‬غير‭ ‬المحروسة‭ ‬وإنقاذ‭ ‬حالات‭ ‬الغرق‭ ‬المسجلة‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك ضعف‭ ‬إمكانيات‭ ‬التدخل‭ ‬لإطفاء‭ ‬الحرائق‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الموجات،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الغابات‭ ‬أو‭ ‬الواحات‭.‬
كل‭ ‬هذا‭ ‬يتفاهم‭ ‬بفعل‭ ‬الميزان‭ ‬الأعرج‭ ‬للتنمية‭ ‬وللاهتمام‭ ‬بهذه‭ ‬المناطق‭ ‬والتي‭ ‬تعاني‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬وضعف‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬وضعف‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المرصودة‭ ‬لفائدتها‭ ‬وشبه‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬استراتيجيات‭ ‬فعلية‭ ‬تساعدها‭ ‬على‭ ‬مجابهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬آثارها‭ ‬السيئة‭ ‬واضحة‭ ‬وجلية‭ ‬تحت‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬خير‭ ‬مؤشّر‭ ‬لتقييم‭ ‬وقياس‭ ‬نجاعة‭ ‬سياساتنا‭ ‬واستراتيجياتنا‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬ضعفها‭ ‬وهزالتها‭.‬