Friday 18 July 2025
خارج الحدود

البوليساريو تنهار.. والجزائر ترصد الأموال للمواجهة

البوليساريو تنهار.. والجزائر ترصد الأموال للمواجهة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف (يمينا) مستقبلا الانفصالي محمد يسلم
تعيش جبهة البوليساريو واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا منذ تأسيسها، في ظل تصاعد الخلافات الداخلية، وتزايد وتيرة الاستقالات، وانكشاف حالة تآكل قيادي غير مسبوقة تهدد بتفكك المشروع الانفصالي من الداخل، في وقت تجهد فيه الجزائر، الداعم الرئيسي للجبهة، في ترميم التصدعات المتسارعة على أمل كبح الانهيار.
 
ففي تحرك يوصف بـ"الاستثنائي"، استقبل على عجل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، القيادي في الجبهة  الانفصالية محمد يسلم بيسط، في محاولة لاحتواء تداعيات انقسامات متنامية، باتت تمس صلب القيادة، وتثير مخاوف من تلاشي سلطة زعيم الجبهة إبراهيم غالي.
 
تشير التطورات الأخيرة إلى انهيار داخلي وصراعات مفتوحة وتراجع استراتيجي متسارع في بنية الجبهة الانفصالية، تجلّى في استقالات بارزة مثل أبي بشرايا البشير، وتضارب حاد في المواقف بشأن التعيينات والتوجهات السياسية، فضلًا عن إعادة مستشارة مقربة من القيادة إلى الواجهة بعد فترة من الخلافات، ضمن صفقة وُصفت بأنها "إنقاذ داخلي" لتفادي انهيار الهيكل التنظيمي.
 
وتدفع هذه المؤشرات إلى وصف الوضع داخل البوليساريو بـ"الهش"، حيث لم تعد الخلافات محصورة في وجهات نظر متباينة، بل امتدت إلى فقدان الثقة، وصراعات شخصية، وتآكل الولاءات التقليدية، في ظل غياب أفق سياسي واضح، وعجز متزايد عن استيعاب التحولات الإقليمية والدولية.
 
في المقابل، تعيش الجزائر حالة استنفار سياسي وأمني غير معلن، يعكسه تسارع وتيرة اللقاءات رفيعة المستوى بين أعضاء الحكومة الجزائرية وقيادات جبهة البوليساريو، في مشهد يُظهر بوضوح أن الدولة العميقة في الجزائر أعطت الضوء الأخضر لمرحلة "إدارة الأزمة المفتوحة" في استنفار جزائري يعزز من تكثيف الدعم اللوجستي لمواجهة التفكك،
وسياسة الاستقبالات الرسمية، وتنظيم اجتماعات وزارية منتظمة بين الطرفين، بل وتوسيع الدعم المالي واللوجستي للجبهة عبر تقاسم الميزانيات بين الوزارات الجزائرية واعضاء "حكومة الانفصال" في تندوف، وتوفير سيارات ووسائل تنقل متطورة لتأمين التحركات، وسط محاولة واضحة لحجب مظاهر الانهيار أمام الرأي العام المحلي والدولي.
 
تعيش أجهزة الاستخبارات الجزائرية حالة من القلق المتزايد تجاه نشاط "رابطة أنصار الحكم الذاتي"، وهي حركة مدنية سلمية داخل المخيمات تُشجّع على العودة إلى المغرب والانخراط في النموذج التنموي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية، وهو ما دفع السلطات الجزائرية إلى رفع مستوى الرقابة وتعزيز التمويل المخصص لضبط الأوضاع في المخيمات، تتوسع المخاوف من تزايد دعاة الحكم الذاتي في مخيمات تندوف.
 
كما أن تقارير تقول أن هذا النشاط بات يُنظر إليه في الجزائر كـ"تهديد داخلي"، نظرًا للزخم الشعبي المتنامي الذي يحققه مشروع الحكم الذاتي، والذي يتزامن مع قناعات جديدة تتشكل داخل المخيمات، بأن الانفصال خيار غير قابل للتحقق في ظل التحولات الدولية المتسارعة.
 
من جهة أخرى يواصل المغرب ترسيخ نموذج الحكم الذاتي كخيار عملي، يحظى بدعم دولي متزايد، ويعتمد على أرضية تنموية قوية، ومشاريع بنى تحتية كبرى، وانفتاح مجتمعي واقتصادي شامل في الجنوب.
 
ويستقبل المغرب بشكل متواصل العائدين من المخيمات ضمن مقاربة حقوقية وتنموية متوازنة، تعيد الاعتبار للأفراد وتحفّز على الاندماج الإيجابي في نسيج الوطن، ما يجعل مشروع الانفصال يتآكل أمام رؤية وطنية متماسكة ومسنودة دوليًا.
 
ما بين محاولات جزائرية حثيثة لإنقاذ ما تبقى من البوليساريو، وصعود ملموس لخيارات العودة والانخراط في مشروع الحكم الذاتي المغربي، تبرز ملامح تحول جذري في ملف الصحراء، حيث تُستبدل الرهانات العقيمة برؤية تنموية متجذرة، ويحلُّ الأمل محلَّ الانغلاق، والواقعية محلَّ الشعارات.