Thursday 17 July 2025
خارج الحدود

وحيد مبارك: بوعلام صنصال.. حين تعتقل الحرية ويصبح الحق في التعبير جريمة

وحيد مبارك: بوعلام صنصال.. حين تعتقل الحرية ويصبح الحق في التعبير جريمة بوعلام صنصال (يمينا) ووحيد مبارك
أصدر "القضاء الجزائري" بحر الأسبوع الفارط، حكمه الاستئنافي ضد الكاتب والأديب الفرنسي من بوعلام صنصال، القاضي بتأييد الحكم الابتدائي المتمثل في سجن "المتهم" بخمس سنوات سجنا، في خطوة تؤكد من جديد على أن القضاء الجزائري فاقد لكل استقلالية، وبأن الأحكام التي تنطق باسمه هي تُملى عليه، ليصبح بذلك "جهازا تنفيذيا"، الأمر الذي يجعل منه سيفا مسلطا على رقاب كل من يؤمنون بحرية الرأي والتعبير، وكل من يعبّرون عن مواقفهم التي لا تتوافق ومزاج السلطة السياسية والعسكرية في هذا البلد.
 
حكم قضائي هو يدين القضاء الجزائري، إنسانيا أولا بالنظر للوضعية الصحية لصنصال الرجل املتقدم في السن الذي يعاني من المرض، ورغم ذلك تم وضعه وراء القضبان، وحقوقيا لأنه تم غض الطرف عن كل شروط المحاكمة العادلة، على مستوى الجوهر لا الشكل، بما أن حرية التعبير التي مارسها صنصال وهو يقدم تصريحا لمؤسسة إعلامية فرنسية بشكل ديمقراطي، والتي تعتبر حقا كونيا من حقوق الإنسان، اعتبرها نظام العسكر "مسّا بسلامة ووحدة الجزائر ومهينة لهيئة نظامية"، معتبرا أن ما أقدم عليه "من شأنه الإضرار بالاقتصاد الوطني"، وما إلى ذلك من اتهامات تثير الشفقة.
 
وكانت قضية بوعلام صنصال قد حظيت بدعم كبير وواسع، حقوقي وإعلامي وبرلماني، في فرنسا والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول، حين اعتقل لأول مرة، وبعد صدور الحكم الابتدائي في 27 مارس، والذي قضى بسجنه لمدة خمس سنوات، وصولا إلى تأييد هذا الحكم استئنافيا، في خطوة تعتبر مؤشرا على تسخير القضاء في تدبير وفبركة المحاكمات السياسية ضد كل الأصوات المنتقدة لما تعرفه الجزائر من أعطاب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والتي ترخي بتبعاتها على الشعب الجزائري، الذي رغم كل الخيرات التي تتوفر عليها البلاد، فإنه يعاني على أكثر من مستوى، في حين أن هذه الإمكانيات التي هي من حق كل مواطن جزائري تسخر لتهديد الأمن الإقليمي ولخلق صراعات وهمية لا يراها إلا النظام الجزائري وعساكره.
 
واليوم، وبعد صدور الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي المقيّد لحرية صنصال، ينتظر الكثير من المهتمين بالشأن الحقوقي مواقف حقوقية فعلية لمنظمات دولية وجمعيات ومؤسسات جعلت تواجدها قائما على الدفاع عن حقوق الإنسان في شموليتها، وعلى رأسها الحق في التعبير والانتقاد والدفاع عن القضايا التي يؤمن بها الساسة والأدباء والصحافيون وكل شخص، عبّر عن وجهة نظر مقتنع بها، تتعلق بتدبير سياسي أو اقتصادي أو قضية من القضايا التي قد تكون خلافية، بكل حرية وبدون خوف من أن يجد نفسه في مواجهة "قوة" نظام و"عتاد" دولة، تسخّر كل إمكانياتها ومؤسساتها لتكميم الأفواه.

لقد أسقطت واقعة صنصال من جديد الكثير من الأقنعة، وكشفت زيف العديد من الإدعاءات التي تقوم على ما هو انتقائي، وتتحكم فيها غايات وأجندات خاصة جدا، والتي يتم الترويج لها على أساس أنها تنتمي إلى منظومة "حقوق الإنسان"، مع إرفاقها بشعارات رنانة تعزف على أوتار "الحرية" و "العدالة" و "الكرامة"، والحال أن المواقف الحقيقية تؤكد على أن مثل هذا النوع من الخطابات هو مجرد أباطيل زائفة، وتبين في المقابل على أن العداء يعتبر عقيدة عند البعض ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكونوا من دعاة السلم والباحثين عن شروط إحلاله.