مظهر فظيع ذو دلالات كثيرة لذكرى تاريخية تجاهلها العالم قبل أيام قليلة، إنها الذكرى 80 لميلاد الأمم المتحدة، في عز حروب وحشية على رأسها إبادة الشعب الفلسطيني في جزء من ترابه الذي يخضع لاحتلال وحشي فضيع، حيث ارتفعت وثيرة إبادة الشعب الفلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023، ضدا على ميثاق الأمم المتحدة ، الذي تم التوقيع عليه في 26 يونيو 1945 في سان فرانسيسكو، بالولايات المتحدة الأمريكية، ويتضمن الميثاق شقا أساسيا للقانون الدولي الإنساني، حتى لا تتكرر فظاعات الحرب العالمية الثانية المدمرة التي توجت باستعمال القنبلة النووية لأول مرة في تاريخ البشرية.
واحتفاء بهذه الذكرى، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة احتفالية، يوم الخميس 26 يونيو 2025 للتأكيد على أهميته التأسيسية لتحقيق السلام والتنمية وحقوق الإنسان. وشهدت الفقرة الافتتاحية كلمات كل من رئيس الجمعية العامة، والأمين العام، ورئيس مجلس الأمن، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ورئيس محكمة العدل الدولية.
كما شهدت الفعالية عرضا موسيقيا قدمته أوركسترا أكاديمية الأمل الفنية الدولية. وكان الاجتماع بمثابة لحظة لإحياء روح سان فرانسيسكو واحتضان المُثل التي وحدت البشرية في أحلك ساعاتها، وتأكيد التزامها بتلك القيم في المستقبل. هذا على المستوى النظري، أما على أرض الواقع فإن الشعب الفلسطيني يتعرض لعدوان همجي منذ أكتوبر 2023 حيث تجاوزت أعداد قتلاه حتى الآن عشرات الآلاف أغلبيتهم أطفال دون 18 عاما، ونساء، وشيوخ وتدمير البيوت والمدارس والجامعات والمستشفيات....
وللتذكير تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة في 26 يونيو 1945 – أي قبل 80 عاما بالضبط. ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا يوم 24 أكتوبر 1945 بعد أن صدقت عليه الهيئات التشريعية للدول الموقعة. هذا الميثاق، الذي يعتبر معاهدة دولية، هو صك قانوني يلزم جميع الدول الأعضاء بالمبادئ والالتزامات المنصوص عليها فيه.
وبهذه المناسبة المحتفل بها دق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (برتغالي من مواليد 30 أبريل 1949أي أربع سنوات بعد صدور ميثاق الأمم المتحدة)، ناقوس الخطر بشدة إزاء ما وصفه بـ"الاعتداءات" على الوثيقة التأسيسية للمنظمة العالمية. وقال غوتيريش "على مدى عقود احتفلنا بنهاية الحروب بينما شهدنا بداية حروب أخرى". وكان يشير على ما يبدو إلى الصراعات والأزمات الإنسانية والتنصل من قرارات أممية في الشرق الأوسط ( وأساسا قضية الشعب الفلسطيني) وأوكرانيا وأماكن أخرى. وقال غوتيريش أيضا "اليوم نشهد اعتداءات على أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بشكل لم يسبق له مثيل".
وشدد الأمين العام الأممي على أن العالم "لا يستطيع، ولا يجب عليه، أن يتسامح مع انتهاكات" المبادئ الأساسية للميثاق. وأشار إلى "التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد الدول ذات السيادة" وانتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
وفي الوقت الراهن وجراء عوامل عدة هناك توجه متزايد لحل مشاكل العالم خارج إطار الأمم المتحدة. هذا لا يعني أن الأمم المتحدة لم تعد مهمة، بل لإن هذا المنحى يؤشر على أن هناك عوامل أخرى أضحت تلعب أدواراً متعددة في التعامل مع القضايا العالمية. وذلك بسبب تحول موازين القوى، جراء صعود قوى جديدة في العالم، وتفتت التكتلات السابقة قبل سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي حيث تكرس سعي لتشكيل هياكل جديدة للتعاون الدولي تتجاوز الأطر التقليدية التي تمثلها الأمم المتحدة، كما تسعى بعض الدول إلى تحقيق مصالحها الوطنية بشكل مباشر من خلال التعاون الثنائي أو الإقليمي، بدلاً من التعامل معها من خلال الأمم المتحدة، مما ترتب عنه إضعاف الهيأة الأممية وجمعيتها العامة ومجلس الأمن الذي تهيمن عليه الدول الدائمة العضوية وتوفرها على حق الفيتو في مجلس الأمن يمنح الدول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة) القدرة على منع أو عرقلة أي قرار لمجلس الأمن، حتى لو حظي بموافقة الأغلبية. وبطبيعة الحال والمآل فإن هذا الحق/ الامتياز يثير جدلاً واسعاً، حيث يراه البعض ضروريًا للحفاظ على التوازن الدولي ومنع القرارات المتسرعة، بينما يعتبره آخرون أداة غير ديمقراطية تعرقل جهود السلام وتخدم مصالح الدول الكبرى والتحالفات المصلحية، التي تتشبت بهذا "الحق" الذي ينبغي إلغاؤه.
كما تحل ذكرى الأمم المتحدة في وقت ارتكبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، تحت قيادة رئيسها، المثير للجدل وللاشمئزاز، دونالد ترامب، عدوانا سافرا على دولة إيران، في تجاهل خطير لميثاق الأمم المتحدة وضوابطه، خارج كل المقتضيات المعتمدة وفي خرق فاضح للقانون الدولي بكافة أشكاله وتجلياته، وشجعه على ذلك الترهل الذي أصاب الأمم المتحدة في الزمن الراهن والاستهتار باختصاصاتها المنصوص عليها في ميثاقها منذ 1945.
وللتذكير فقط يمكن الاستشهاد بواقعة العدوان الأمريكي على العراق والتهيئة لتفعيله ناورت الدبلوماسية الأمريكية من خلال كولين باول، وزير خارجيتها، الذي قدم عروضا أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل هجوم عام 2003 على العراق، كلها ادعاءات كاذبة ومفبركة، حيث قدم كولين باول، في 5 فبراير 2003، عرضاً تفصيلياً لمجلس الأمن، استعرض فيه ما وصفته الولايات المتحدة، آنذاك، بأدلة على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وينتهك قرارات الأمم المتحدة. وقد استخدم كولين باول تسجيلات لمحادثات هاتفية بين مسؤولين عراقيين، قال إنها تثبت أن العراق كان يضلل مفتشي الأسلحة.
ومع ذلك، اتضح لاحقًا أن هذه الأدلة كانت غير موثوقة، بل كاذبة، وأن قرار غزو العراق كان قد اتخِذ بالفعل قبل تقديم العرض، وتم احتلال العراق وتقسيمها وفرض نظام طائفي مازالت الشعب العراقي يعاني منه إلى يومنا هذا، وتغذية صراعات متعددة لتدمير بلد كان يتميز في العالم العربي بتدني نسبة الأمية التي لم تكن تتجاوز 2 % في حين أكد الناطق الإعلامي لوزارة التربية أن حجم الأمية في العراق، بعد الاحتلال الأمريكي وإعدام الرئيس العراقي، يبلغ ما بين 25% إلى 30%، كما احتفظت الولايات المتحدة الأمريكية بقواعد عسكرية في العراق استعملت مؤخرا في العدوان الإسرائيلي على إيران، تنضاف إلى قواعد عسكرية أمريكية وغيرها في بلدان عربية في منطقة الشرق الأوسط.
إن ما حصل منذ سنوات في الشرق الأوسط وتهميش مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وقرارات مجلس الأمن، التي تعد بالعشرات، لاسيما بشأن حقوق الشعب الفلسطيني وسيادة لبنان وسوريا على أجزاء من ترابها المغتصب من لدن إسرائيل وتتمثل الأهداف الشاملة للإصلاح في إعطاء الأولوية للوقاية واستدامة السلام، وتعزيز فعالية وتماسك عمليات حفظ السلام المنوطة بالأمم المتحدة في العديد من بقاع العالم.