إلى كلّ جرّاحٍ جسور، تزاوج جراحته بين الإقدام والانضباط، يمشي على صراطٍ دقيق، لا يحيد عن شرائع فنه، لكنه لا يتردد، إذا ناداه الإلهام، أن يُخرِج من بين الضلوع فعلًا عبقريًا، كأنّه نزل وحيًا في لحظة توترٍ بين الحياة والموت.
في صمت غرفة العمليات، حيث تصفّر الآلات بنبضٍ ميكانيكيّ، أشبه بإيقاع ساعةٍ تقيس عمر مريض معلّق، ينحني الجرّاح فوق جسد ممدود كما ينحني الكاتب فوق صفحة بيضاء.
لكن صفحته لحمٌ حيّ، وقلمه مبضَع، وكلّ زلّة حبر فيه لا تُمحى… بل تُبتر، تُنزف، تُفقد.
لكن صفحته لحمٌ حيّ، وقلمه مبضَع، وكلّ زلّة حبر فيه لا تُمحى… بل تُبتر، تُنزف، تُفقد.
هنا، في هذا المسرح السريّ، تُؤدى أدوار الجراحة، ليس كفنّ تقنيّ، بل كلحظة شعرية، تنصهر فيها العلوم بالحواس، وتنصت فيها اليد إلى ما لا يُقال، بل يُلهم.
العملية الجراحية ليست تكرارًا باردًا لبروتوكولات مرقّمة.
هي أشبه بتعويذة، تُرتّل بين قواعدٍ مقدسة، ومفاجآتٍ مستعصية لا يحلّها إلا ذلك الوميض السريع في عين الجرّاح.
هي أشبه بتعويذة، تُرتّل بين قواعدٍ مقدسة، ومفاجآتٍ مستعصية لا يحلّها إلا ذلك الوميض السريع في عين الجرّاح.
تمامًا كطاهٍ ماهر، يتبع وصفته، ثم يضيف شيئًا من ذاته في لحظة إبداع، الجرّاح، حين تفاجئه نزيفات لا مبرر لها، أو شرايين مراوغة، أو ورم تغيّر ملامحه عن صور الرنين، لا يجد إلا نفسه، وحدسه، وذاكرته.
“سيدي، لا أعدك أن أُزيل كل شيء… لكن أعدك أن أبذل كل شيء.”
هكذا كان يهمس الأستاذ باء، شيخ الجراحين، لمرضاه، قبل أن تعبر قدماه باب الغرفة المعقمة.
هكذا كان يهمس الأستاذ باء، شيخ الجراحين، لمرضاه، قبل أن تعبر قدماه باب الغرفة المعقمة.
رأى المئات من الأجساد الممزقة، وعشرات المواقف، ولم يجد عملية تشبه أخرى.
"الجسد الإنساني"، كما كان يقول، "رواية بوليسية، كلّ فصل منها بلغة مختلفة."
وفي يوم، حين ضاق به الوقت، نسج تحويلة دموية بين شريانين، كما يعزف عازف جاز لحنًا مرتجلًا… فأنقذ حياة.
وصار فعله، الذي ولد في لحظة، قاعدة تُدرّس.
"الجسد الإنساني"، كما كان يقول، "رواية بوليسية، كلّ فصل منها بلغة مختلفة."
وفي يوم، حين ضاق به الوقت، نسج تحويلة دموية بين شريانين، كما يعزف عازف جاز لحنًا مرتجلًا… فأنقذ حياة.
وصار فعله، الذي ولد في لحظة، قاعدة تُدرّس.
إنّ الجرأة، في الجراحة، لا تأتي من العبث، بل من عمق المعرفة.
فالذي يعرف خارطة الطريق، هو وحده من يستطيع اختصار المسافات حين تضيق الخيارات.
فالذي يعرف خارطة الطريق، هو وحده من يستطيع اختصار المسافات حين تضيق الخيارات.
ليس الجرّاح لاعب نرد، بل هو بنّاء دقيق، يُعيد صياغة خططه، لا حبًا في التغيير، بل خوفًا من فقدان حياة.
لكن عليه أن يعرف متى يبدع، ومتى يتوقف.
فهناك خطّ أحمر، لا يُتجاوَز.
والحكمة السريرية، تلك الهمسة التي لا تُكتسب من كتاب، تأتي فقط بعد أعوامٍ من التجربة، والندوب، والليل الطويل.
لكن عليه أن يعرف متى يبدع، ومتى يتوقف.
فهناك خطّ أحمر، لا يُتجاوَز.
والحكمة السريرية، تلك الهمسة التي لا تُكتسب من كتاب، تأتي فقط بعد أعوامٍ من التجربة، والندوب، والليل الطويل.
البروتوكولات، ليست سلاسل تكبّل، بل هي جدران حماية، تحرس الطبيب من التهور، وتحرس المريض من الخطر.
لكنّ الحياة، بتموجها، لا تعترف دائمًا بالخريطة.
فأحيانًا، تكون الجرأة… ضرورة.
لكنّ الحياة، بتموجها، لا تعترف دائمًا بالخريطة.
فأحيانًا، تكون الجرأة… ضرورة.
في أحد مستشفيات الميدان، تحت شمس الساحل الإفريقي الحارقة، وجدت جرّاحة شابة نفسها بلا أدوات.
فاستخدمت خيط صيد معقّم لإصلاح أمعاء مريض، وقد قرأت هذه الفكرة مرة، عرضًا، في مجلة طبية قديمة.
نجا المريض.
وصارت قصتها، تُروى اليوم في المؤتمرات، لا كخرق، بل كدرس في الإنسانية، في الوقت، في القرار.
فاستخدمت خيط صيد معقّم لإصلاح أمعاء مريض، وقد قرأت هذه الفكرة مرة، عرضًا، في مجلة طبية قديمة.
نجا المريض.
وصارت قصتها، تُروى اليوم في المؤتمرات، لا كخرق، بل كدرس في الإنسانية، في الوقت، في القرار.
الجراحة، في جوهرها، ليست فنّ الإتقان، بل فنّ الالتفات إلى الإنسان.
إنها جسرٌ بين قوانين لا ترحم، وقلبٍ لا يتجاهل النبض.
إنها جسرٌ بين قوانين لا ترحم، وقلبٍ لا يتجاهل النبض.
الجرّاح، في لحظة العمل، يمشي كبهلوان، فوق خيط مشدود، بين البرود العلميّ والحنان الإنسانيّ، بين الدستور الطبيّ والحقيقة النابضة على الطاولة.
هو شاعر المبضع، مهندس اللحم والدم، ومخطّط المعارك الخفية بين الموت والحياة.
وحين تهدأ الأصوات في الغرفة، وتتركّز الأنوار على الجرح، وتتحرّك الأصابع على إيقاع التنفس الميكانيكي، لا يعود الجرّاح مجرد طبيب.
بل يصبح ناسكًا، بين الفناء والبقاء، يكتب بشقّ كلّ غرزٍ… عهدًا جديدًا مع الحياة.
بل يصبح ناسكًا، بين الفناء والبقاء، يكتب بشقّ كلّ غرزٍ… عهدًا جديدًا مع الحياة.
إلى أولئك الذين يظنون أن الطبّ علمٌ فقط، تعالوا…
تعالوا وانظروا جرّاحًا ينقذ قلبًا مثقوبًا… بقلبه.
تعالوا وانظروا جرّاحًا ينقذ قلبًا مثقوبًا… بقلبه.