Tuesday 17 June 2025
كتاب الرأي

محمد السباعي: الغابات والمياه الجوفية رهانات بيئية واستراتيجيات مستدامة لمواجهة اجتثاث الغطاء الغابوي

محمد السباعي: الغابات والمياه الجوفية رهانات بيئية واستراتيجيات مستدامة لمواجهة اجتثاث الغطاء الغابوي محمد السباعي

تُعد الغابات أحد الركائز الحيوية في المنظومة البيئية، نظراً لما تؤديه من وظائف متعددة تتقاطع مع الأمن المائي والغذائي، والتوازن المناخي، وحماية التربة. في السياق المغربي، تشهد بعض المناطق، وعلى رأسها منطقة بني وليد، عمليات اجتثاث متزايدة للغابات دون اتخاذ تدابير تعويضية مناسبة، ما يطرح إشكالات بيئية ومجتمعية متفاقمة. تستعرض هذه الورقة العلمية العلاقة العضوية بين الغابات والمياه الجوفية، وتُبرز تداعيات إزالة الغطاء الغابوي، مع اقتراح بدائل وتوصيات لإعادة إرساء التوازن البيئي.

 

أولاً: الدور البيئي للغابات في الحفاظ على المياه الجوفية

تلعب الغابات دوراً مركزياً في تغذية المياه الجوفية وتنظيم الدورة الهيدرولوجية، من خلال عدة آليات طبيعية متكاملة:

- التسلل الطبيعي للمياه: تُسهم أوراق الأشجار والتربة الغنية بالمواد العضوية في تسهيل تسرب مياه الأمطار إلى باطن الأرض، مما يعزز مخزون المياه الجوفية. كما تعمل الظلال التي توفرها الأشجار على تقليل التبخر السطحي، ما يسمح بزيادة فعالية امتصاص المياه.

- الاحتفاظ برطوبة التربة: يساهم الغطاء الغابوي في ضبط نسبة الرطوبة، من خلال الإفراز التدريجي للمياه داخل التربة، مما يضمن استقرار مستويات المياه الجوفية حتى في فترات الجفاف.

- الترشيح الطبيعي: تمارس الغابات وظيفة بيولوجية أساسية في تنقية المياه، حيث تمتص الجذور والنباتات الملوثات والمواد الكيميائية، قبل أن تصل إلى الطبقات الجوفية، مما يحسن من جودة المياه.

 

ثانياً: الآثار المدمرة لاجتثاث الغابات على النظام الهيدرولوجي

إن إزالة الغابات دون بدائل تشجيرية أو خطط استصلاح بيئي يُفضي إلى سلسلة من التأثيرات السلبية على الموارد المائية:

- تراجع تغذية المياه الجوفية: تؤدي إزالة الأشجار إلى إضعاف قدرة التربة على امتصاص مياه الأمطار، وهو ما يفضي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وجفاف عدد من الآبار والعيون، كما هو الحال في منطقة بني وليد.

- ارتفاع الجريان السطحي وتآكل التربة: مع اختفاء الغطاء النباتي، تزداد سرعة تدفق مياه الأمطار فوق سطح الأرض، مما يمنعها من التسرب نحو الأعماق، ويؤدي إلى فقدان طبقات التربة الخصبة نتيجة الانجراف والتعرية.

- تدهور جودة المياه: في ظل غياب أنظمة الترشيح البيولوجي التي توفرها الغابات، تصبح مصادر المياه الجوفية عرضة لتسرب الملوثات، مما يهدد سلامة المياه الموجهة للاستهلاك البشري والزراعي.

- اضطراب الدورة المائية: يتسبب اجتثاث الغابات في إرباك التوازن المائي الطبيعي، حيث تتعاظم مخاطر الفيضانات في فترات الأمطار، مقابل ندرة المياه أثناء الجفاف، مما يُفاقم من هشاشة النظام الإيكولوجي المحلي.

 

ثالثاً: التحديات البيئية في منطقة بني وليد نموذجاً

تمثل إزالة عشرات الهكتارات من الغابة في منطقة بني وليد، إقليم تاونات نموذجاً مقلقاً لتأثير التدخل البشري على التوازن البيئي، مما يتسبب في:

- اختلال الدورة المائية المحلية: سجّلت المنطقة تراجعاً ملحوظاً في تغذية المياه الجوفية، انعكس في جفاف عدد من العيون والآبار، الأمر الذي ألحق أضراراً بالغة بالزراعة المحلية وبالولوج إلى الماء الشروب.

- خسارة التنوع البيولوجي: الغابة موطن طبيعي لمجموعة من الكائنات الحية النباتية والحيوانية. اجتثاثها يُهدد بانقراض بعض الأنواع المحلية ويفقد النظام البيئي توازنه.

- زيادة التعرية والانجراف: أدى غياب الغطاء الغابوي إلى جعل التربة عرضة للانجراف بفعل الرياح والأمطار، وهو ما يرفع من احتمالات الانهيارات الأرضية ويقلص من خصوبة الأرض.

 

خاتمة وتوصيات

إن استمرار اجتثاث الغابات، دون اتخاذ تدابير مستعجلة لإعادة التشجير والتأهيل البيئي، يُعد تهديداً مباشراً للموارد المائية، لا سيما الجوفية منها. ومن هذا المنطلق، يتعين على السلطات العمومية، إلى جانب الفاعلين المحليين والبيئيين، تبني خطة متكاملة لحماية الغابات تتضمن:

1- تفعيل برامج التشجير التعويضي للمساحات المتضررة، وفق منهج تشاركي.

2- سن تشريعات صارمة تُجرم إزالة الغابات دون ترخيص واضح ومؤطر بيئياً.

3- إشراك الساكنة المحلية في جهود إعادة التشجير والحماية، لضمان استدامة المشاريع.

4- تعزيز آليات المراقبة البيئية والتتبع الدوري لمستويات المياه الجوفية وجودتها.

5- إطلاق حملات توعية بيئية تبرز أهمية الغابات في ضمان الأمن المائي والغذائي.

 

بناء مستقبل بيئي متوازن في المغرب يمر عبر الحفاظ على ثرواته الغابوية كشرط أولي وأساسي لاستدامة موارده المائية وحماية أجياله القادمة.