Tuesday 17 June 2025
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: البناء العشوائي وزيرُو ميكا علامتان من علامات فساد المشهد السياسي

أحمد الحطاب: البناء العشوائي وزيرُو ميكا علامتان من علامات فساد المشهد السياسي أحمد الحطاب
الكل يعلم ويتذكَّر تلك الحملةَ التي أطلقتها الحكومة سنة 2016 ضد التلوث البيئي la pollution de l'environnement الناجم عن انتشار المواد البلاستيكية في جميع أنحاء البلاد، تحت شعار "زيرو ميكا" zéro mika. وزيرو ميكا، هو في الحقيقة القانون رقم 77.15 الذي، بواسطته، عزمت الحكومة على التَّصدي للتلوث البلاستيكي. 
 
والهدف من إطلاق هذه الحملة، هو القضاء نهائياً، ليس على المواد البلاستيكية، ولكن، على الخصوص، للقضاء على الأكياس البلاستيكية les sacs en plastique من مختلف الأحجام، وخصوصا، تلك التي كانت تستعملها متاجر les épiceries التقسيط وبائعو الخضروات les marchands de légumes. 
 
والسبب في إطلاق هذه الحملة من طرف الحكومة، هو أن الزبناء، عندما يريدون التخلُّصَ من أكياس البلاستيك، يرمونها ضمن القمامة، أي يعتبرونها نِفايةً مثل النفايات المنزلية التي تُرمى في أماكن مخصَّصة لها، أي المزبلات les dépotoirs. 
 
لكن الكارثة العظمى هي أن الطبيعةَ لا تملك أيةَ وسيلة لتفكيك la dégradation المواد البلاستيكية، كما هو الشأن بالنسبة للمواد العضوية أو المعدنية التي، بواسطة تفاعلات كيميائية، تكون وراءها البكتيريا les bactéries والفِطريات المجهرية les   ،champignons microscopiques وتُعِيدها لدورة الحياة le cycle de la vie. ولهذا، فالأكياس البلاستيكية، كمادة غير قابلة للتَّفكيك الطبيعي la dégradation naturelle، محكوم عليها بالبقاء في الطبيعة مدةً طويلة قد تُقدَّر بعشرات السنين. وعندما تتفكَّك تحت عوامل الطقس les intempéries، فإنها تتحوَّل إلى جزيئات des particules تبقى في الطبيعة وتلوثها.
 
لكن، قبل أن تصِلَ إلى مرحلة التَّفكُّك على شكل جزيئات، فإنها، عندما تهبُّ الرياح ونظرا لخفة وزنِها la légèreté de son poids، تنتشر وتتراكم في الطبيعة وتساهم في بشاعة المنظر la laideur du paysage.
 
لكن هذه الحملة، كحَمَلاتٍ أخرى، لم تنجح، وعوض أن نصلَ إلى "زيرو ميكا"، أي إلى القضاء على الأكياس البلاستيكية، عادت هذه الأخيرة عند بعض متاجر التقسيط، وبالأخص، عند بائعي الخضروات. لماذا؟
 
أولاً، لأن مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، المنصوص عليه في الدستور المغربي، لم يتم تفعيلُه بما يكفي من الجرأة السياسية. حيث بقي هذا المبدأُ حبرٌ على ورق، وذلك رغم التقارير التي يقدمها المجلس الأعلى للحسابات، سنوِياً للحكومة وللبرلمان. ورغم ما تكشفه المفتشية العامة لوزارتي المالية والداخلية من تجاوزات في الحكامة وتدبير الموارد المالية للمؤسسات العمومية! كان من المفروض أن يحاكمَ كلّ شخص أهمل مسؤوليتَه في هذا الشأن، سواءً كان وزيراً أو مسؤولاً جهويا أو محلِّيا ثبت إهمالُه لهذه المسؤولية.
 
ثانيا، الحكومات والبرلمانات، المُتعاقِبة على تدبير الشأن العام، تبرع وتتفنَّن في سن القوانين والمراسيم المُنبثقة عنها لتنظيم الحياة ببُعدَيها الاجتماعي والاقتصادي. لكن هذه القوانين والمراسيم، غالبا، ما تعرف إهمالاً من حيث تطبيقها على أرض الواقع. بمعنى أن الأحزاب السياسية المسؤولة، سياسياً، تَشرِيعياً وتَنفيذياً، عن تطبيق القوانين والمراسيم على أرض الواقع، لا تُلحُّ لا على تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا على تفعيل القوانين والمراسيم الخاصة بتدبير الشأن العام. لماذا؟
 
أولاً، لأن الفسادَ لا يمكن أن يُحاربَ الفسادَ. كيف ذلك؟ لأن الأحزاب السياسية المتعاقبة على تدبير الشأن العام، لو كانت لها الإرادة السياسية القوية لمحاربة الفساد، منذ نهاية الستينيات، لتمَّ القضاء على هذا الفساد، أو على الأقل، لتمَّ الحدُّ من انعكاساته السلبية على التنمية بجميع مظاهِرِها. 
 
ثانياً، بحٌكم عدم مُحاربتِها للفساد، فإن هذه الأحزاب السياسية تُصبح، هي نفسُها، مصدرا للفساد. وهذا هو ما يجعلُ الرأيَ العامَّ يعتبر مشهدنا السياسي مشهداً فاسِداً حتى النخاع. ولستُ أنا مَن يقول هذا الكلام. بل التقارير السنوية التي تُصدرها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الفساد ومحاربته، هي التي تفيد بأن الفسادَ، في هذا البلد السعيد، في تزايدٍ مستمِرٍّ سنة بعد سنة.
 
أما البناء العشوائي، فلا يزال قائما منذ استقلال البلاد إلى يومنا هذا، رغم تعاقب الحملات ضده من طرف السلطات المحلية، العاملة تحت إشراف وزارة الداخلية. فهل يُعقَل أن هذه الوزارة التي نجحت نجاحاً باهرا في توفير الأمن والأمان للمواطنين، أي تعرف تفاصيلَ أدنى الأحداث التي تقع في المجتمع، أن لا يكونَ لها علمٌ بوجود البناء العشوائي، وخصوصا، أن لها أعينٌ حادة تعرف كلَّ شيءٍ، عن طريق ما يُسمى "المْقَدّْمْ". شيء لا يصدِّقه العقل! كيف نفسِّر هذا الأمرَ؟
 
هذا الأمرُ له تفسيرٌ واحد أوحد : "وجودُ تواطؤٍ واضحٍ بين السلطات والجماعات المحلية، من جهةٍ، والأطراف المدنية التي لها نفعٌ فى انتشار البناء العشوائي، من جهةٍ أخىى". لو كان مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" مُفعَّلاً، كما تقتضي ذلك الحكامة الجيِّدة la bonne gouvernance، لما اختفى البناءُ العشوائي الذي لا يُراعِي أدنى مُقوِّمات الحياة الكريمة la vie dans la dignité.
 
وفي الختام، سواءً تعلَّق الأمرُ بحملة "زيرو ميكا" أو ب"البناء العشوائي"، فهذان الأمران ليسا إلا علامتين من علامات الفساد des indices de la corruption المُنتشِر في كل أرجاء البلاد. وهو ما جعل بلاددَنا تُحصِّل، سنةَ 2024 على نقطة 37/100 وتحتلُّ المرتبةَ 99 من بين 180 بلداً في التَّصنيف العالمي الخاص بإدراك مؤشِّر الفساد Indice de perception de la corruption الذي تقوم به منظَّمة الشفافية الدولية Transparency International التي لها فروع في جل بلدان العالم. ما دامت الأحزاب السياسية المُكلَّفة بتدبير الشأن العام،  من ولايةٍ حكومية إلى أخرى، لا تُحارب الفسادَ، بجميع أشكاله، فإن سياساتِها العمومية les politiques publiques، معرَّضةٌ للفشل. وإن نجحت في بلوغ أهدافِها، فإن نجاحَها يتمُّ في جوٍّ مشحونٍ بالفساد. ونجاح السياسات العمومية في جوٍّ مشحونٍ بالفساد يُضيِّعُ على البلاد فرصاً مُهمَّةً في خلق الثروة، وبالتالي، يضيِّع على نفس البلاد نُقَطاً، كان من المفترض، أن تُنمِّيَ الناتجَ الداخلي الخام le produit intérieur brut.