قناة العيون الجهوية تسلط الضوء على مأساة المغاربة المطرودين من الجزائر

قناة العيون الجهوية تسلط الضوء على مأساة المغاربة المطرودين من الجزائر الرئيس السابق الجزائري هواري بومدين ومشاهد للمغاربة‭ ‬المقيمين‭ ‬بالجزائر‭ ‬عام ‭ ‬1975‭
سلطت‭ ‬قناة‭ ‬العيون‭ ‬الجهوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬«مع‭ ‬الناس»‭ ‬الذي‭ ‬يعده‭ ‬الزميل‭ ‬محمود‭ ‬عياش،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لطرد‭ ‬المغاربة‭ ‬المقيمين‭ ‬بالجزائر‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ ‬آنذاك‭ ‬بـ‭ ‬«المسيرة‭ ‬السوداء»‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬بالدعوة‭ ‬الى‭ ‬تنظيم‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬المستعمر‭ ‬الإسباني‭ . ‬الحلقة‭ ‬عرفت‭ ‬مشاركة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬لكبيري،‭ ‬محامي‭ ‬وعضو‭ ‬جمعية‭ ‬المغاربة‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬وجمال‭ ‬العثماني،‭ ‬أحد‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭.‬
 
 «‬‭ ‬المسيرة‭ ‬السوداء‮» ‬‭.. ‬ردا‭ ‬على‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬
في‭ ‬بداية‭ ‬الحلقة‭ ‬أكد‭ ‬محمد‭ ‬لكبيري،‭ ‬محامي،‭ ‬عضو‭ ‬جمعية‭ ‬المغاربة‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬أنه‭ ‬يستحضر‭ ‬ذكرى‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬بألم‭ ‬وأسف‭ ‬شديد،‭ ‬مشيرا‭ ‬بأن‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬للمغاربة،‭ ‬جاء‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬تنظيم‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لم‭ ‬تستسغ‭ ‬الأمر‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬اعتقادها‭ ‬أن‭ ‬طرد‭ ‬المغاربة‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬تنظيم‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬حساباتها‭ ‬خاطئة‭.‬
 
محمد لكبيري

وأكد‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬آنذاك‭ ‬يعد‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬الشيوخ‭ ‬ولا‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬المبارك‭ ‬وحلول‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬الطرد‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬1975،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية،‭  ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إخراج‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬والمرضى‭ ‬من‭ ‬المستشفيات،‭ ‬والعمال‭ ‬من‭ ‬مقرات‭ ‬عملهم‭ ‬ومن‭ ‬أوراش‭ ‬البناء،‭ ‬وتفريق‭ ‬الأزواج‭ ‬عن‭ ‬زوجاتهم‭ ‬الجزائريات‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تجميعهم‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬خاصة‭ ‬وبعدها‭ ‬تم‭ ‬استقدامهم‭ ‬الى‭ ‬مخافر‭ ‬الشرطة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬هويتهم،‭ ‬وتم‭ ‬ترحيلهم‭ ‬بعدها‭ ‬ليلا‭ ‬الى‭ ‬الحدود‭ ‬الجزائرية‭ ‬–‭ ‬المغربية‭.‬

ودعا‭ ‬لكبيري‭ ‬الى‭ ‬عرض‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬أنظار‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬لكي‭ ‬يطلع‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يتشدق‭ ‬باحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مضيفا‭ ‬بأن‭ ‬القضية‭ ‬عرضت‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬وأن‭ ‬الضحايا‭ ‬سيواصلون‭ ‬طرحها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬
 
تاريخ‭ ‬الوجود‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬
وعن‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬لدخول‭ ‬المغاربة‭ ‬للجزائر‭ ‬أشار‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬(البلد‭ ‬المستعمر)،‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الى‭ ‬يد‭ ‬عاملة،‭ ‬وخاصة‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬الفلاحة‭ ‬وفي‭ ‬البناء‭ ‬والأشغال‭ ‬العمومية،‭ ‬فعمدت‭ ‬إلى‭ ‬استقدام‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الشرقية‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭. ‬وبالتالي‭ ‬فهؤلاء‭ ‬-‭ ‬يضيف‭ ‬لكبيري‭ ‬-‭ ‬استقروا‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬قرن‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬وكانت‭ ‬حياتهم‭ ‬عادية،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬مقدما‭ ‬مثال‭ ‬والده‭ ‬الذي‭  ‬كان‭ ‬يستقبل‭ ‬المجاهدين‭ ‬بمنزله،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يتعرض‭ ‬لإنذارات‭ ‬واعتقالات‭ ‬متعددة‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭ ‬بدأ‭ ‬المغاربة‭ ‬يشعرون‭ ‬بوجود‭ ‬تفرقة،‭ ‬حيث‭ ‬شرع‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬زرع‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬الجزائريين‭ ‬والمغاربة‭. ‬وظل‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬حدث‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬الذي‭ ‬أعلنه‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬،‭ ‬والذي‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬ققام‭ ‬بطرد‭ ‬المغاربة‭ ‬ 350‭ ‬ألف‭ ‬مواطنة‭ ‬ومواطن‭ ‬وهو‭ ‬العدد‭ ‬الذي‭ ‬يوازي‭ ‬عدد‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭.‬
 
تنكر‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬لتضحيات‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭ ‬
وأشار‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬تنكر‭ ‬لتضحيات‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر،‭ ‬مقدما‭ ‬مثال‭ ‬النداء‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭  ‬سنة‭ ‬1956‭ ‬للمغاربة‭  ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬ذلك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬بتلبية‭ ‬نداء‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬وتم‭ ‬تجنيدهم،‭ ‬حيث‭ ‬انطلقوا‭ ‬الى‭ ‬القطر‭ ‬الجزائري‭ ‬لمكافحة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ . ‬لقد‭ ‬ظل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬تاريخه‭ ‬يمد‭ ‬يده‭ ‬للجزائر‭ ‬منذ‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬مرورا‭ ‬بالملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬ووصولا‭ ‬الى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬بينما‭ ‬ظلت‭ ‬الجزائر‭ ‬تقابل‭ ‬ذلك‭ ‬بالشرور‭ ‬والمؤامرات‭ ‬وأبرزها‭ ‬السعي‭ ‬الى‭ ‬تقسيم‭ ‬المغرب‭ ‬وطرد‭ ‬المغاربة‭  ‬المقيمين‭ ‬بالجزائر‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬للقيم‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وما‭ ‬قدمه‭  ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭  ‬-‭ ‬يحكي‭ ‬لكبيري‭ ‬-‭ ‬ساد‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المغاربة‭ ‬وكان‭ ‬الكل‭ ‬يترقب‭ ‬دوره‭  ‬في‭ ‬الطرد‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تحل‭ ‬الشاحنات‭ ‬أمام‭ ‬بيوتهم‭ ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬مغادرة‭ ‬البيت‭ ‬مع‭ ‬ترك‭ ‬جميع‭ ‬حاجياتهم‭ ‬وأموالهم‭ ‬وملابسهم‭ ‬وركوب‭ ‬الشاحنات‭. ‬

تم‭ ‬تجميعهم‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬ريثما‭ ‬ينقلون‭ ‬ليلا‭ ‬الى‭ ‬مفوضية‭ ‬الشرطة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬وهران‭ ‬لإحصائهم‭ ‬وأخذ‭ ‬هويتهم‭ ‬ثم‭  ‬نقلوا‭ ‬بعدها‭ ‬ليلا‭ ‬عبر‭ ‬الحافلات‭ ‬الى‭ ‬الشريط‭ ‬الحدودي‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬رميهم‭ ‬هناك‭.‬

‭‬للأسف‭  ‬-‭ ‬يقول‭ ‬لكبيري‭ ‬–‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متطورة‭ ‬مثل‭ ‬العصر‭ ‬الحالي،‭ ‬مما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬توثيق‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وفضح‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬حل‭ ‬فقط‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬الدولي‭ ‬لتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬للضحايا‭.
التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المغاربة‭ ‬
استعان‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬–‭ ‬بحسب‭ ‬لكبيري‭ ‬–‭ ‬بنظام‭ ‬للحالة‭ ‬المدنية‭ ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬الجزائري‭ ‬والمواطن‭ ‬المغربي‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعتمده‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬نيته‭ ‬المسبقة‭ ‬بطرد‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬تركوا‭ ‬دون‭ ‬أسماء‭ ‬عائلية‭ .‬

كانت‭ ‬عملية‭ ‬الطرد‭ ‬جد‭ ‬بشعة‭ ‬-‭ ‬يضيف‭ ‬-‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬تضرر‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬الجزائريين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرد‭ ‬الأزواج‭ ‬المغاربة‭ ‬وترك‭ ‬زوجاتهن‭ ‬الجزائريات‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬وواصل‭ ‬حديثه‭ ‬بالقول: «يدعون‭ ‬أنه‭ ‬استشهد‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬جزائري‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬بينما‭ ‬نصف‭ ‬الشهداء‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬،‭ ‬ونحن‭ ‬كدفاع‭ ‬لجمعية‭ ‬الضحايا‭ ‬نناشد‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭  ‬مدنا‭  ‬بالأرشيف‭ ‬المتعلق‭ ‬بالشهداء‭ ‬ومعطوبي‭ ‬الحرب‭ ‬والمختفين‭ ‬قسريا‭ ‬الذين‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ..‬»‭.‬

حتى‭ ‬الايرادات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتقاضاها‭ ‬المغاربة‭  ‬من‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تم‭ ‬السطو‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬إتلاف‭ ‬ملفات‭ ‬الضحايا،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬الإيراد‭ ‬الخاص‭ ‬بوالد‭ ‬لكبيري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتقاضاه‭ ‬بعد‭ ‬تعرضه‭ ‬لحادث‭ ‬شغل‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬للجزائر‭ .‬
مصادرة‭ ‬أملاك‭ ‬المطرودين.‭ ‬
 
أكد‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬ينكر‭ ‬وقوع‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬اعترف‭ ‬ضمنيا‭ ‬عندما‭ ‬أصدر‭ ‬سنة‭ ‬2010‭‬مرسوما‭ ‬وزاريا‭ ‬يقضي‭ ‬بضم‭ ‬ممتلكات‭ ‬المغاربة‭ ‬الى‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬مطالبا‭ ‬جميع‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬الدولي‭ ‬بتنسيق‭ ‬جهودها‭ ‬لمطالبة‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بالاعتذار‭ ‬الى‭ ‬المغرب‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬والى‭ ‬الضحايا‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬كما‭ ‬ناشد‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬بعرض‭ ‬القضية‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬وتكليف‭ ‬محامين‭ ‬دوليين‭ ‬لتبني‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ن‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬ينجم‭ ‬عنه‭ ‬تعيين‭ ‬خبراء‭ ‬لتقويم‭ ‬هذا‭ ‬حجم‭ ‬الضرر‭  ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬الضحايا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مطالبة‭  ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭  ‬بجبر‭ ‬الضرر‭.‬
 
جمال العثماني

من‭ ‬جهته‭ ‬أشار‭ ‬جمال‭ ‬العثماني،‭ ‬أحد‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬أن‭ ‬طرد‭ ‬المغاربة‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬ظروف‭  ‬لا‭ ‬أخلاقية‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬منحهم‭ ‬ولو‭ ‬مهلة‭ ‬لجمع‭ ‬أمتعتهم‭ ‬وحقائبهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬انتهكوا‭ ‬حرمات‭ ‬المنازل‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬يحترموا‭ ‬لا‭ ‬النساء‭ ‬الحوامل‭ ‬ولا‭ ‬المرضعات‭ ‬ولا‭ ‬الأطفال،‭ ‬وللشيوخ‭ ‬ولا‭ ‬المرضى،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬عملية‭ ‬الطرد‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭.‬

كان‭ ‬هاجس‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬–‭ ‬يقول‭ ‬العثماني‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬السعي‭ ‬الى‭ ‬إغراق‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬الشرقية،‭  ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬طرد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬عائلة‭ ‬مغربية‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬30‭ ‬يوما،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العائلات‭ ‬كانت‭ ‬تقيم‭ ‬بطريقة‭ ‬شرعية‭. ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬–‭ ‬يضيف‭ ‬-‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬والخروج‭ ‬منها‭ ‬بسلاسة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬الأزمة‭ ‬وإدماج‭ ‬المطرودين‭ ‬بتوظيف‭ ‬معظمهم‭ ‬ومنحهم‭ ‬منازل‭ ‬تأويهم‭ ‬في‭ ‬بوعرفة‭ ‬والدريوش‭ ‬وغيرها‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الذاكرة‭ ‬تظل‭ ‬حية‭ ‬ضد‭ ‬النسيان،‭ ‬وهذه‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬الانسانية‭ ‬وتتنافى‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬قدموا‭ ‬الكثير‭  ‬للثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬فمنهم‭ ‬شهداء،‭ ‬ومنهم‭ ‬أئمة‭ ‬كانوا‭ ‬يحفظون‭ ‬الأطفال‭ ‬القرآن‭.. ‬داعيا‭ ‬الى‭ ‬طرح‭ ‬القضية‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضية‭ ‬جنائية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قضية‭ ‬سياسية‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬يطالها‭ ‬التقادم‭.‬
 
انتهاك‭ ‬القيم‭ ‬والأعراف‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬
كما‭ ‬تطرق‭ ‬جمال‭ ‬العثماني،‭ ‬الى‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬والدته‭ ‬«حنا‭ ‬يامنة»‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬عمرها‭ ‬82‭ ‬سنة‭ ‬آنذاك‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬لايزال‭ ‬طفلا،‭ ‬حيث‭ ‬تعرضت‭ ‬للتنكيل‭ ‬وأخرجت‭ ‬من‭ ‬منزلها‭ ‬رفقة‭ ‬أبنائها‭ ‬بلا‭ ‬رحمة‭ ‬ولا‭ ‬شفقة،‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭  ‬انهيارها‭ ‬نفسيا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عمرها،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭  ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬وجدة‭ ‬ومنزلها‭ ‬في‭ ‬حمام‭ ‬بوحجر‭ ‬بالجزائر‭.‬

وأشار‭ ‬العثماني‭ ‬أن‭ ‬والدته‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬جيدة‭ ‬بفضل‭ ‬ممتلكات‭ ‬والده‭ ‬الحاج‭ ‬قويدر‭ ‬بالجزائر،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬شخصية‭ ‬معروفة‭ ‬بمدينة‭ ‬حمام‭ ‬بوحجر،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ذاق‭ ‬مرارة‭ ‬السجون‭ ‬الجزائرية‭. ‬ودعا‭ ‬العثماني‭ ‬الى‭ ‬عدم‭  ‬حصر‭  ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬المطرودين‭ ‬في‭ ‬الضرر‭ ‬المادي‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬نجمت‭ ‬عنه‭ ‬أيضا‭ ‬تداعيات‭ ‬نفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬خطيرة،‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬تمزيق‭ ‬الأسر‭ ‬والعائلات،‭ ‬مضيفا‭ ‬بأنه‭ ‬قرر‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬المأساة‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة،‭ ‬فكان‭ ‬كتابه‭  ‬بعنوان‭ ‬«تخاريف‭ ‬حنا‭ ‬مينة»‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬صورة‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬واجهته‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬مغدورة‭ ‬عاشها‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وهو‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭..‬»‭ ‬فما‭ ‬معنى‭  ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬والدي‭ ‬لمدة‭  ‬30‭ ‬أو‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬لمراكمة‭ ‬ثروته‭ ‬ويجرد‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف،‭ ‬ويطرد‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬حقيبة‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬لا‭ ‬أخلاقية‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية‭..‬»‭  ‬

كما‭ ‬أدلى‭ ‬بصور‭ ‬لمغاربة‭ ‬مطرودين،‭ ‬منهم‭ ‬أئمة‭ ‬وشهداء‭ ‬وأرامل‭ ‬الشهداء‭ ‬ومعطوبي‭ ‬الحرب‭ ‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أزقة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬شهداء‭ ‬مغاربة‭ ‬،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يشفع‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬حيث‭ ‬طردوا‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭. ‬«الجزائر‭ ‬تحمل‭ ‬حقدا‭ ‬دفينا‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬فكلما‭ ‬حقق‭ ‬المغرب‭ ‬انجازا‭ ‬معينا،‭ ‬كلما‭ ‬تضاعف‭ ‬عدائها‭ ‬ضده‭.. ‬وكيفما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬،‭ ‬فتبقى‭ ‬أكبر‭ ‬جريمة‭ ‬ارتكبوها‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المغرب‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬المغاربة‭ ‬المطرودين‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ..‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقاس‭ ‬بالأموال‭ ‬فقط‭ ‬حجم‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬الضحايا‭.. ‬لدينا‭ ‬حالة‭ ‬لمغربي‭ ‬ظل‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬عائلته‭ ‬لمدة‭ ‬47‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬كما‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬والدته‭ ‬بالجزائر‭ ‬وفي‭ ‬متزوجة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭ ‬ورزقت‭ ‬معه‭ ‬بأبناء‭ ‬آخرين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طردوا‭ ‬والده‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يخبروا‭ ‬عائلته‭..‬‭.‬
 
الزميل‭ ‬محمود‭ ‬عياش