الإقصاء الممنهج بدل النضال الوحدوي.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مؤتمرها 14 من 23 إلى 25 ماي 2025، في ظروف عادية لم تشتك من التضييق أو المنع من استغلال مرافق المركب الدولي للشباب والطفولة ببوزنيقة، رغم تصريحات رئيسها المنتهية ولايته المناهضة للوحدة الترابية للمغرب ومواقفه المؤيدة لأطروحات الانفصاليين في الداخل والخارج. ومن المفارقات أن شعار المؤتمر “نضال وحدوي ضد الفساد والاستبداد والتطبيع، ومن أجل مغرب الديمقراطية وكافة حقوق الإنسان للجميع”، لا يعكس الممارسة التنظيمية القائمة على التسلط والاستبداد والإقصاء للمكونات الحزبية التي لا تدعو إلى إسقاط النظام الملكي وإقامة نظام ستاليني فاشيستي يقوم على حكم الفرد المطلق ويلغي التعددية الحزبية والفكرية، ولا تعترف بالجمهورية الوهمية للبوليساريو. لهذا، انعقد المؤتمر 14 وفي مخطط المتحكمين فيه التصفية العضوية لمكونين رئيسيين هما: الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. فالحزبان معا مشهود لهما بدفاعهما عن الوحدة الترابية للمغرب وسيادته على الأقاليم الصحراوية المسترجعة. الأمر الذي لا يتوافق مع النزعة الانفصالية لحزب النهج الديمقراطي المتحكم في الجمعية والمستغل لها لتمرير مواقفه السياسية المستفزة للشعور الوطني للمغاربة. وليس غريبا على حزب النهج أن يقصي حلفاءه من نفس العائلة الاشتراكية وينخرط في تحالف شاذ مع جماعة العدل والإحسان ذات التوجهات العدائية للنظام والميولات الانقلابية عليه رغم التنافر الإيديولوجي والعقدي والسياسي بين الجماعة والنهج. فتحالفهما يجسده شعار "الضرب معا والسير على حدة". أي يجمع بينهما العداء للنظام والسعي لإسقاطه، بينما يحتفظ كل طرف بعقائده الإيديولوجية ومشروعه السياسي. ومن أجل أن يكون لحزب النهج، الميكروسكوبي تنظيميا، وجود فعلي في الاحتجاجات والمسيرات، تحالف مع الجماعة ليوفر لها مظلة حقوقية تسمح لها، عبر تجييش أتباعها، باستغلال قضية فلسطين والحرب على غزة، لمهاجمة سياسة الدولة والتحريض ضد النظام. من هنا يأتي تبادل الخدمات بين النهج والجماعة: للجماعة الحشود العددية وللنهج المظلة الحقوقية. وبهذا يجعل حزب النهج الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في خدمة الجماعة من حيث الدفاع عن أعضائها أمام المحاكم، وصياغة بلاغات تشهير واستعداء ضد الدولة وشرعنة خروقات الجماعة للقوانين. ومادام الحزب الاشتراكي الموحد على طرفي نقيض مما تطرحه الجماعة وما تسعى إليه، وقد ظهر هذا جليا في عدة مناسبات أبرزها "حركة 20 فبراير" التي حاولت الجماعة، دون جدوى، تحويلها إلى نواة "للقومة" فتصدى لها مناضلو الحزب، فإن إقصاءه من الهيئات القيادة للجمعية صار مطلوبا حتى يخلو لحزب النهج الجو لوضع الجمعية رهن إشارة الجماعة وفي خدمة مخططاتها. فشعار المؤتمر 14 لا يُقصد به "نضال وحدوي" مع القوى اليسارية والاشتراكية، وإنما المقصود به تحالف المتطرفين: يساريي النهج وأتباع الجماعة الساعين إلى إقامة "دولة الخلافة" التي تتنافى مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الدولة أكثر ديمقراطية من الجمعي
اعتمد المؤتمر 14 نهج الإقصاء في حق مكونين أساسيين من مكونات الجمعية، ساهم مناضلوهما في تأسيس الجمعية، وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو الذي رأس الجمعية لولايتين متتاليتين وتولى منصب الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. كل هذا الرصيد النضالي والحقوقي والتاريخي للحزب ومناضليه لم يشفع لهم لدى حزب النهج ليمنحهم ولو عضوية رمزية باللجنة الإدارية للجمعية. الأمر الذي دفعهم إلى فضح المتحكمين في الجمعية عبر بلاغ احتجاجي جاء فيه: " نحن مؤتمري و مؤتمرات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المقدمين طلبات الترشيح لعضوية اللجنة الإدارية في المؤتمر 14 المنعقد أيام 23-24-25 ماي 2025 ببوزنيقة نعلن للرأي العام احتجاجنا على الإقصاء الممنهج و المقصود لحزبنا من لجنتي رئاسة المؤتمر و التمثيلية في لجنة الترشيحات مما أكد أن عدم استدعاء قيادة حزبنا للجلسة الافتتاحية للمؤتمر حلقة من حلقات التآمر و التحايل الذي شكل مسّاً خطيرا بمبدأي الاستقلالية و الديمقراطية للجمعية". نفس الموقف الاحتجاجي عبّر عنه بلاغ الحزب الاشتراكي الموحد ضد “الطرف المهيمن على الجمعية (الذي) أصرّ على إقصاء ممثلي الحزب من اللجنة الإدارية، متجاهلا حضورهم القوي ودورهم الهام في فروع الجمعية وجهاتها، ودفاعهم المستمر عن قضايا حقوق الإنسان في المغرب”.
يزعم حزب النهج تبنيه "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان"، وينتقد، بل يهاجم الدولة على كل صغيرة وكبيرة يؤوّلها خرقا لتلك الحقوق، بينما يثبت بممارسته الإقصاء الممنهج للأطراف المؤسسة للجمعية والمناضلة من داخلها، أنه حزب أبعد ما يكون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو بهذا النهج يؤكد أن الدولة المغربية أكثر ديمقراطية وحرية وأكثر احتراما والتزاما بحقوق الإنسان منه ومن شعاراته الجوفاء.
