إن كانت برامج التأهيل الحضري التي شملت عدة مدن بالمغرب في العقد الأخير قد أثمرت بعض التحسن في المشهد الحضري لهاته المدينة أو تلك وتصحيح بعض الاختلالات، فإن ذلك لا يسقط حق المرء في تسجيل ملاحظة مازالت للأسف تؤدي إلى خلق أحياء وأقطاب حضرية كئيبة وبئيسة بترابنا الوطني، نتيجة التغييب الفاضح لشرط التشجير والأغراس والحدائق قصد تمكين المدن من تهيئة منظرية تبهج العين وتهذب الذوق وتلطف الجو وتضفي مسحة من "الأنسنة" على المجال(حضريا كان أو قرويا).
فإذا كان المشرع قد ربط إعداد الأقطاب الحضرية والتجزئات والإقامات بوجوب مد قنوات الصرف الصحي والماء والكهرباء والطرق والشبكة الهاتفية، مما جفف العشوائية التي كانت تشوه من قبل التعمير بالمغرب، فالمطلوب اليوم من المشرع ( والمغرب يرفع شعار التنمية المستدامة والبيئة، وسبق أن احتضن مؤتمر "الكوب 22")، أن يتدخل بسرعة لإلزام فرض شرط التشجير والغرس في كل مشروع سكني أو صناعي أو خدماتي، كأحد الشروط الموجبة لتسليم رخص البناء وكذا رخص السكن والمطابقة.
لايعقل أن تبنى مدن وأحياء جديدة مثل: الرحمة أو فرح السلام أو الهراويين أو زناتة أو بوسكورة أو الدروة أو لخيايطة أو تامصلوحت أو تاشرافت أو بني يخلف أو أولاد صالح ، إلخ....، دون زرع ولو شجرة في شارع أو في ساحة عمومية أو في "رومبوان"، أو أمام مدرسة أو دار الشباب أو ملحقة إدارية أو مندوبية وزارة أو مستوصف أو مسجد أو مجمع تجاري.
ما الجدوى إذن، من التفاخر بأننا نتوفر على مكاتب دراسات ومكاتب مراقبة وهيآت تفتيش وأقسام الهندسة المعمارية والمدنية بالوزارات والولايات والعمالات والوكالات الحضرية والجماعات الترابية، ونحن عاجزون حتى عن زرع شجرة في درب أو شارع أو مدار أو أوطوروت أو Talus؟!
ماجدوى التفاخر إذن، بتوفر المغرب على معهد الحسن الثاني للزراعة ومعهد البستنة بأكادير والمدرسة الوطنية للمهندسين الغابويين والمدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس، إن لم نستفد من خبرة وأبحاث أطر هاته المدارس العليا في المصاحبة والتهيئة أثناء إعداد مشاريع البنية التحتية وتصميم الطرق والأحياء، عبر إرشادنا لنوع الغرس الملائم لكل مدينة مغربية غير ملتهم للماء وغير مضر بمواردنا الجوفية، وفي نفس الوقت إرشادنا لنوع الأشجار والغرس الذي يضفي زينة على الفضاء العام؟!
ما الجدوى إذن، من التوفر على شعب البيولوجيا في كليات العلوم التابعة ل 14 جامعة لتدريس البيولوجيا، وخاصة مسالك:Physiologie végétal, Botanique , la biotechnologie végétal، إلخ...، إن لم نستفد من عصارة دراسات الأساتذة المغاربة الباحثين في الشعب العلمية بالكليات المذكورة، لتطوير منظومتنا النباتية واختيار نوع الأشجار التي تتناسب مع المناخ والتربة وشح المياه بالمغرب؟!
انظروا إلى أستراليا التي حولت صحاريها إلى جنة تعج بالخضرة والأغراس التي تتأقلم مع مناخها؟
استلهموا تجربة ولاية "نيفادا" بالولايات المتحدة الأمريكية، التي استعانت بأطر جامعاتها ومهندسيها ومختبراتها لاعتماد مخطط مديري للتهيئة المنظرية بكافة مدن هذه الولاية القاحلة، وهو مخطط منظري يتكيف مع الطبيعة الصحراوية لهذه الولاية!
اذهبوا إلى أبوظبي واستأنسوا بتجربة دولة الإمارات التي نادت على المهندسين الأكفاء من كل أصقاع العالم والخبراء الجهابدة ( بمن فيهم خبراء دوليين مغاربة)، الذين قاموا بتطويع الطبيعة بتعميم الخضرة والجمال المنظري في كل طرقات وشوارع مدن هذه الإمارة، باعتماد سلالة من الأشجار والنخيل الذي يتأقلم مع البيئة المحلية!