عادةً، الافتراس la prédation هو خاصية une propriété من خصائص بعض الحيوانات التي تُدعى الحيوانات المُفتَرِسة les animaux prédateurs. وتتمثَّل هذه الخاصية في صيد فريسة حية chasser une proie vivante والتهامها. وهذه الخاصية كانت، كذلك، من خصائص الإنسان البِدائي القديم الذي كان يعتمد، أساساً، في تغديتِه على صيدِ الفرائس وجنيِ التمار.
ولا يزال الافتراسُ معمولا به عند بعض الجماعات البشرية أو القبائل الإفريقية التي اختارت أن لا تدخلَ عالمَ الحضارة. غير أن الافتراسَ، لا يزال قائماً عند الإنسان المُتحضِّر عندما يصيد بعضَ الحيوانات والطيور البرية والمائية ويتخذها كوجَبات غذائية.
غير أن الافتراسَ، منذ القِدم وإلى يومنا هذا، اتَّخذَ منحى آخر وأصبح يعني استغلال البشر من طرف البشر. وهذا لا يعني أن البشرَ يأكل بعضُهم البعضَ الآخر. لا ثم لا. إنهم يمارسون عملاً لا يقبله العقل السليم، الحضاري والمُتمدِّن. وهو احتقارُ الإنسان وجعله مكان إهانةٍ، و ذلك بإلحاق الضرر بكرامته التي هي أغلى شيءٍ يملكه هذا الإنسان.
حينها، انتقل الافتراسُ من المفهوم الحيواني إلى مفهوم بشري تداولته ومارسته بعضُ الجماعات البشرية منذ القدم. ومنذ أن أصبح هذا الانتقال واقعا ملموساً، أصبح الافتراسُ افتراساً بشرياً، أو بعبارةٍ أخرى، الافتراس البشري يحدث عندما يقومُ شخصٌ من الأشخاص أو جماعة من الأشخاص باستغلال الضُّعفِ la faiblesse أو الهشاشة المادية والمعنوية la vulnérabilité matérielle et morale لشخصٍ آخرَ أو لجماعة من الأشخاص.
ولا داعيَ للقول أن الشخص أو جماعة الأشخاص الذين يُمارسون الافتراسَ البشري، لا يقومون به مجاناً، أي بدون مُقابل. لا ثم لا. كل كائن بشري مُفترِس أو كل جماعة مُفتَرِسة من الأشخاص لهم هدفٌ أو أهداف، أو دعونا نقول لهم مآرِب يريدون تحقيقها مستغلين ضعفَ أو هساشةَ الآخرين أو مُتلاعبين بحُسن نيَّتِهم.
وخير مَن يُمارِس الافتراسَ البشري ببراعة فائِقة، في هذا البلد السعيد، هي الأحزاب السياسية. كيف ذلك؟
أولا، المغاربة فقدوا الثقةَ في الأحزاب السياسية منذ زمان. لكن صعودَ الأحزاب الثلاثة إلى سدَّة الحكم زاد من فُقدان هذه الثقة. ولهذا، بالنسبة لهم، كل الأحزاب السياسية تتشابه لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، وبالأخص، أحزاب الأغلبية البرلمانية والحكومية الحالية. حزب التَّجمع الوطني للأحرار يدَّعون أنهم أحرارا. إنهم، فعلا، أحرار. لكن أحرار بالنسبة للشعب المغربي، أي لا تربطه أية صِلة بهذا الشعب. حزب الأصالة والمعاصرة، لا هم سايروا الحداثةَ واتَّخذوها نبراسا لتقدُّم البلاد وازدهارها. ولا هم سايروا الأصالة التي كان، من المفروض، أن تُقوِّيَ مواطنتَهم وحبَّهم للوطن. حزب الاستقلال نسي أو تناسى أن المغربَ نال استقلالَه منذ ما يزيد عن 70 سنة. كان، من المفروض، أن يتفرَّغَ لتعزيز هذا الاستقلال بالتنمية البشرية، الاجتماعية، ألاقتصادية والثقافية. فإذا عانت الحكومات السابقة من تداعيات التَّقويم الهيكلي l'ajustement structurel، ما بين بداية الثمانينيات وبداية التسعينيات، فإن الحكومة الحالية ضربت رقماً قياسياً في افتراس الشعب المغربي تارِكةً إياه يتصارع أو يتخبَّطُ، وحده، مع ما خلقته له من مشاكل اقتصادية واجتماعية. أليس هذا افتراس بسري؟
ثانيا، الأغلبية البرلمانية والحكومية ساهمت، إلى حدٍّ كبير، في تفقير l'appauvrissement الشعب المغربي. وذلك بتركه يتحارب مع التضخُّم وتدهور القدرة الشرائية وغلاء المعيشة. إذ كان بالإمكان حلُّ هذه المشاكل الاقتصادية، غير الشعبية ولو جزئياً، بالتَّخلي عن هذه الحكومة وعن هذا برلمان. وذلك بصرف الأموال المُخصَّصة لاشتغالها pour son fonctionnement واشتغال الأجهزة التابعة لها. لكن الأحزاب الثلاثة أعطت الأولوية للجلوسَ على كراسي السلطة وهمَّشت ما يفرضه عليها حب الوطن والمواطنة.
وللتَّذكيرِ، إعطاء الأولوية للجلوس على كراسي السلطة ليس حكراً على هذه الأحزاب الثلاثة. إنها خاصيةُ من خصائص كل أحزابنا السياسية، بدون استثناء. لماذا؟ لأن مشهدنا السياسي فاسد. وفسادُه مصدره الأحزاب السياسية التي لا تُحارِب الفساد. بل تفضِّل تظبيرَ شؤون البلاد في مشحونٍ بالفساد. لماذا؟ لأن مَن ينشر الفسادَ لا يمكن، إطلاقا، أن يُحاربه.
أحزابنا السياسية أحزاب مُفترِسة بامتياز. أليس هذا استغلالٌ وتهميشٌ لثقة الناس فيها؟ أليس هذا استغلال لضعف وهشاشة فئةٍ عريضة من الشعب المغربيّ؟ ما بهمُّها ليس خدمة مصالح الوطن والشعب المغربي. ما يهمُّها هو احتلال كراسي السلطة. وقد نجحت، غيرما مرة، في تحقيق هذا المأرب من مآرِبها الكثيرة التي تتنافى مع المواطنة وحب الوطن. ومن بين هذه المآرب، أذكر بيعَ الأوهام للناس والتَّديير اليومي ألمُرتَجل لشؤون البلا والعباد. فما هو الهدف من النتخابات، هل الديمقراطية أو الافتراس؟