صارت مدينة تيفلت، الهادئة في ظاهرها، تستفيق في الصباحات الأخيرة على توتر جديد، كأن ظلًّا خفيًّا يشق طريقه عبر الأزقة والأنفاس، تاركًا خلفه رائحة دم لا تُرى.
خمسة جثث. خمسة رجال. وُجدوا في أوضاع غريبة، كأن الموت باغتهم في عرضٍ مسرحيٍّ صامت، وجمّدهم كتماثيل من الرعب.
أسندت المهمة إلى العميد عبد السلام.
رجل قليل الكلام، محب للماحيا، عاشق للطواجن ولغناء الشيخات.
لا يؤمن بالصدف ولا بالأقدار العابثة. عنده، الحقيقة لا تسكن إلا في التفاصيل.
والتفاصيل هنا كانت ملوّثة بطعم الحديد، وصوت العظام المتكسّرة، وصمتٍ أثقل من القبور.
رجل قليل الكلام، محب للماحيا، عاشق للطواجن ولغناء الشيخات.
لا يؤمن بالصدف ولا بالأقدار العابثة. عنده، الحقيقة لا تسكن إلا في التفاصيل.
والتفاصيل هنا كانت ملوّثة بطعم الحديد، وصوت العظام المتكسّرة، وصمتٍ أثقل من القبور.
جاء الشعاع الأول من عيادة الدكتور "ب.ب."، طبيب أشعة لاذع الذكاء، حاد الفكر كالمشرط.
بعد فحص الجثث عبر الأشعة السينية ما بعد الوفاة، كشف أن كل العظام المكسورة تحطّمت بنفس الطريقة.
أداة صلبة... لكنها لا تضرب عبثًا.
الأمر بدا كأنه جراحة... أو فن قاتل.
كأن الجاني يرقص وهو يضرب!
الأمر بدا كأنه جراحة... أو فن قاتل.
كأن الجاني يرقص وهو يضرب!
قطّب العميد عبد السلام جبينه وقال:
- راقص قاتل؟
- أو متمرّن على الانضباط، وربما يعرف تشريح الجسد...
- راقص قاتل؟
- أو متمرّن على الانضباط، وربما يعرف تشريح الجسد...
كشفت الأشعة عن سمفونية سوداء من الكسر:
كسور لولبية في العضدين، تهشم دقيق في عظام الفخذ، وانضغاط أضلاع على شكل مروحة.
كسور لولبية في العضدين، تهشم دقيق في عظام الفخذ، وانضغاط أضلاع على شكل مروحة.
الأغرب؟
جميع الإصابات كانت متناظرة بدقة، كأنها رسالة مرقّمة بحرفية مؤلمة.
سادية منظّمة.
جميع الإصابات كانت متناظرة بدقة، كأنها رسالة مرقّمة بحرفية مؤلمة.
سادية منظّمة.
وعندما فُحصت الجثة الخامسة، ظهر الدليل القاطع:
كسر مائل في الجمجمة، بقوة غير عادية، يُظهر ضربة هائلة.
كسر مائل في الجمجمة، بقوة غير عادية، يُظهر ضربة هائلة.
الدكتور ب.ب.، مدفوعًا بحدسه، قارن الأشعة مع نماذج رقمية لاعتداءات بأنماط مختلفة معتمدا إلى الذكاء الاصطناعي لقراءة صور الأشعة.
النتيجة؟
أقرب احتمال: امرأة. شابة. قوية. مدرّبة على فن قتالي.
أقرب احتمال: امرأة. شابة. قوية. مدرّبة على فن قتالي.
- امرأة؟! قال العميد بدهشة.
- وقد فعلت كل هذا وحدها؟!
- وقد فعلت كل هذا وحدها؟!
أجابه الطبيب بثقة:
- التشريح والإشعاع لا يكذبان يا عميد... إنها لا تضرب صدفة. إنها تضرب لتتكلّم.
- التشريح والإشعاع لا يكذبان يا عميد... إنها لا تضرب صدفة. إنها تضرب لتتكلّم.
وهنا نطق الاسم...
"راقصة الظل"
"راقصة الظل"
كل الضحايا كانوا رجالًا، تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثلاثين والخمسين.
لا رابط واضح بينهم... إلا أنهم جميعًا كانوا في الماضي أعضاء في مجموعة مغلقة تُعرف باسم " رجال البلاد ".
نادٍ سري للنافذين، منسقو سهرات خاصة خلال تسعينات القرن الماضي بين تيفلت والرباط والقنيطرة.
لا رابط واضح بينهم... إلا أنهم جميعًا كانوا في الماضي أعضاء في مجموعة مغلقة تُعرف باسم " رجال البلاد ".
نادٍ سري للنافذين، منسقو سهرات خاصة خلال تسعينات القرن الماضي بين تيفلت والرباط والقنيطرة.
تداولت القصص الحضرية عن حفلات تنكرية، طقوس مشبوهة... وانتهاكات.
بدأ العميد عبد السلام الحفر في الماضي... حتى وصل إليها.
لمياء ك.
الناجية الوحيدة.
اليوم، أستاذة للرقص المعاصر بالرباط.
طفلة شوارع سابقة، أنقذتها جمعية خيرية.
صمتت طويلًا... حتى ذلك اليوم.
لمياء ك.
الناجية الوحيدة.
اليوم، أستاذة للرقص المعاصر بالرباط.
طفلة شوارع سابقة، أنقذتها جمعية خيرية.
صمتت طويلًا... حتى ذلك اليوم.
التقاها العميد في استوديو للرقص يغمره ضوء خافت.
كانت حركاتها حادة كنصل، ونظراتها كالصخر.
وعندما ذُكرت الكسور والأشعة، ابتسمت بابتسامة ناعمة... ومخيفة.
كانت حركاتها حادة كنصل، ونظراتها كالصخر.
وعندما ذُكرت الكسور والأشعة، ابتسمت بابتسامة ناعمة... ومخيفة.
قالت بهدوء:
- هل تجيد الرقص، سيادة العميد؟
- أفضل السير في صمت، أجابها.
- أما أنا... فأجعل العظام تتكلم.
الرجال كذبوا طوال حياتهم.
لكن عظامهم؟ تحكي الحقيقة.
- هل تجيد الرقص، سيادة العميد؟
- أفضل السير في صمت، أجابها.
- أما أنا... فأجعل العظام تتكلم.
الرجال كذبوا طوال حياتهم.
لكن عظامهم؟ تحكي الحقيقة.
فهم العميد حينها...
الدافع، الأداة، البصمة: كلها مرمّزة بالحركة.
الدافع، الأداة، البصمة: كلها مرمّزة بالحركة.
لمياء اخترعت رقصة للموت... باليه للانتقام... مشفّر بالأشعة.
كل كسر... كان حرفًا في لغة لا يقرأها إلا من مرّ عبر الجحيم.
الحكم
لكن لمياء لم تكن وحدها.
كانت تقود خلية سرّية من النساء والفتيات الناجيات...
تحولن إلى أمازونيات، جرّاحات للقصاص.
كانت تقود خلية سرّية من النساء والفتيات الناجيات...
تحولن إلى أمازونيات، جرّاحات للقصاص.
كل جريمة كانت رقصة.
كل كسر... شيفرة.
وتحوّلت الأسلحة الراضّة إلى امتداد لأطرافهن.
كل كسر... شيفرة.
وتحوّلت الأسلحة الراضّة إلى امتداد لأطرافهن.
لم يستطع العميد اعتقالهن.
لا شهود.
لا أدلة ملموسة.
فالحقيقة الوحيدة... بقيت محفورة في العظام، كالهيروغليفية... من الألم.
لا شهود.
لا أدلة ملموسة.
فالحقيقة الوحيدة... بقيت محفورة في العظام، كالهيروغليفية... من الألم.
الخاتمة
كتب العميد في آخر تقرير له:
"القاتل ليس شخصًا... بل كتيبة.
لا يتكلم... بل يرقص.
وتحت سطح تيفلت الهادئ،
تحكي الكسور عن عدالة... نسيتها القوانين."
"القاتل ليس شخصًا... بل كتيبة.
لا يتكلم... بل يرقص.
وتحت سطح تيفلت الهادئ،
تحكي الكسور عن عدالة... نسيتها القوانين."