على هامش الدورة 17 للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس 2025، حاورت "أنفاس بريس"، محمد الطاهر السرايري، أستاذ باحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، وأوضح فيه أن المغرب ما زال دولة شبه قاحلة رغم التساقطات الأخيرة، مؤكّداً أن الموارد المائية في البلاد لا تزال في حالة حرجة.
ولفت السرايري إلى أن السياسات الفلاحية السابقة التي تشجّع على زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك المائي خلفت ضغطاً كبيراً على الفرشة المائية، ومن التداعيات لهذه السياسات الفلاحية، عدم قدرة الفلاحة المعيشية على التكيف مع التغيرات المناخية، مما أدى إلى فقدان المغرب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والحليب، وارتفاع مؤشرات التبعية الغذائية.
وفي ما يلي نص الحوار.
ولفت السرايري إلى أن السياسات الفلاحية السابقة التي تشجّع على زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك المائي خلفت ضغطاً كبيراً على الفرشة المائية، ومن التداعيات لهذه السياسات الفلاحية، عدم قدرة الفلاحة المعيشية على التكيف مع التغيرات المناخية، مما أدى إلى فقدان المغرب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والحليب، وارتفاع مؤشرات التبعية الغذائية.
وفي ما يلي نص الحوار.
تسلط الدورة الـ 17 للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، الضوء على الماء واستدامة الفلاحة، ما هو تقييمك للوضعية الحالية للموارد المائية في المغرب في ظل التساقطات المطرية الأخيرة؟
فيما يتعلق بوضعية الماء، أرى أنها ما زالت حرجة، رغم التساقطات التي شهدتها أغلب مناطق المملكة في نهاية موسم الشتاء وبداية فصل الربيع. ويُعزى ذلك لسببين رئيسيين: أولاً، استمرار نقص العرض، حيث لم تصل كميات الأمطار إلى المعدلات السنوية المعتادة. وثانيًا، الارتفاع الملحوظ في الطلب على الماء، خاصة من طرف القطاع الفلاحي، إلى جانب قطاعات أخرى كالمناجم، والسياحة، والأنشطة الحضرية.
فيما يتعلق بوضعية الماء، أرى أنها ما زالت حرجة، رغم التساقطات التي شهدتها أغلب مناطق المملكة في نهاية موسم الشتاء وبداية فصل الربيع. ويُعزى ذلك لسببين رئيسيين: أولاً، استمرار نقص العرض، حيث لم تصل كميات الأمطار إلى المعدلات السنوية المعتادة. وثانيًا، الارتفاع الملحوظ في الطلب على الماء، خاصة من طرف القطاع الفلاحي، إلى جانب قطاعات أخرى كالمناجم، والسياحة، والأنشطة الحضرية.
كيف تقيم الاستراتيجيات القطاعية مثل “الجيل الأخضر” في مواجهة تحديات الماء والتغيرات المناخية؟
هذا الواقع يدفعنا إلى إعادة تقييم الاستراتيجية الفلاحية السابقة، والتي بُنيت على منطق استبدال الزراعات المطرية، خاصة زراعة الحبوب، بزراعات تتطلب السقي، كالأشجار المثمرة. وقد بدأت نتائج هذه الاستراتيجية تظهر بوضوح من خلال الضغط الكبير على المياه الجوفية، التي نضبت في العديد من المناطق، واقتلاع آلاف الهكتارات من الأشجار المثمرة مثل الحوامض، رغم استفادتها من دعم مالي حقيقي من الدولة، ومن تقنيات كالسقي الموضعي أو التنقيطي.
ومن التداعيات الأخرى لهذه السياسة الفلاحية، عدم قدرة الفلاحة المعيشية على التكيف مع التغيرات المناخية، مما أدى إلى فقدان المغرب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والحليب، وارتفاع مؤشرات التبعية الغذائية. فقد وصلت واردات الحبوب، وزيوت المائدة، والسكر إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى فقدان آلاف مناصب الشغل في العالم القروي بسبب الجفاف، ما ساهم في تفاقم ظاهرة الهجرة القروية.
وتؤكد معطيات المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب فقد حوالي 300 ألف منصب شغل في القطاع الفلاحي ما بين سنة 2020 ويومنا هذا.
هذا الواقع يدفعنا إلى إعادة تقييم الاستراتيجية الفلاحية السابقة، والتي بُنيت على منطق استبدال الزراعات المطرية، خاصة زراعة الحبوب، بزراعات تتطلب السقي، كالأشجار المثمرة. وقد بدأت نتائج هذه الاستراتيجية تظهر بوضوح من خلال الضغط الكبير على المياه الجوفية، التي نضبت في العديد من المناطق، واقتلاع آلاف الهكتارات من الأشجار المثمرة مثل الحوامض، رغم استفادتها من دعم مالي حقيقي من الدولة، ومن تقنيات كالسقي الموضعي أو التنقيطي.
ومن التداعيات الأخرى لهذه السياسة الفلاحية، عدم قدرة الفلاحة المعيشية على التكيف مع التغيرات المناخية، مما أدى إلى فقدان المغرب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والحليب، وارتفاع مؤشرات التبعية الغذائية. فقد وصلت واردات الحبوب، وزيوت المائدة، والسكر إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى فقدان آلاف مناصب الشغل في العالم القروي بسبب الجفاف، ما ساهم في تفاقم ظاهرة الهجرة القروية.
وتؤكد معطيات المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب فقد حوالي 300 ألف منصب شغل في القطاع الفلاحي ما بين سنة 2020 ويومنا هذا.
ما هي الحلول أو البرامج الممكنة لترشيد استعمال المياه في القطاع الفلاحي؟
أولاً، عندما نتحدث عن الحلول الواجب اتباعها للاستعمال المعقلن للماء في المجال الفلاحي، فإن الأمر يتطلب أن نطرح السؤال حول السياسة الفلاحية نفسها وطبيعة الزراعة المعتمدة. فنحن في دولة ذات طابع قاحل، ولا يمكن أن نتخيل أن يتم تعميم زراعات مطرية مثل الأشجار المثمرة على جميع مناطق البلاد.
لقد تبين أن توفير الماء عبر تقنيات الري الموضعي لم يحقق النتائج المرجوة. بل أكثر من ذلك، ظهرت حلول أخرى مثل الجمع بين الإنتاج الحيواني وزراعة الحبوب، وهي ممارسة كانت سائدة في التاريخ الفلاحي القديم. كما تبرز أهمية المادة العضوية في التربة، والتي كانت مهملة في استراتيجيات الفلاحة السابقة، رغم دورها الحيوي في تحسين خصوبة الأرض واحتباس الماء.
ومن الضروري أيضًا الالتفات إلى تكوين الفلاح، خاصة الفلاح الصغير، في تقنيات الزراعة الحديثة. إذ لم يُبذل جهد حقيقي في هذا المجال، رغم أن هذه التقنيات قادرة على ترشيد استعمال الماء بشكل كبير.
أولاً، عندما نتحدث عن الحلول الواجب اتباعها للاستعمال المعقلن للماء في المجال الفلاحي، فإن الأمر يتطلب أن نطرح السؤال حول السياسة الفلاحية نفسها وطبيعة الزراعة المعتمدة. فنحن في دولة ذات طابع قاحل، ولا يمكن أن نتخيل أن يتم تعميم زراعات مطرية مثل الأشجار المثمرة على جميع مناطق البلاد.
لقد تبين أن توفير الماء عبر تقنيات الري الموضعي لم يحقق النتائج المرجوة. بل أكثر من ذلك، ظهرت حلول أخرى مثل الجمع بين الإنتاج الحيواني وزراعة الحبوب، وهي ممارسة كانت سائدة في التاريخ الفلاحي القديم. كما تبرز أهمية المادة العضوية في التربة، والتي كانت مهملة في استراتيجيات الفلاحة السابقة، رغم دورها الحيوي في تحسين خصوبة الأرض واحتباس الماء.
ومن الضروري أيضًا الالتفات إلى تكوين الفلاح، خاصة الفلاح الصغير، في تقنيات الزراعة الحديثة. إذ لم يُبذل جهد حقيقي في هذا المجال، رغم أن هذه التقنيات قادرة على ترشيد استعمال الماء بشكل كبير.
هل هناك نماذج ناجحة لدول أجنبية تمكنت من تحقيق نتائج مثمرة في القطاع الفلاحي من خلال ترشيد استخدام الموارد المائية؟
علينا أن ننطلق من واقع البلاد: نحن دولة شبه قاحلة، بل ونعاني اليوم من التأثيرات المباشرة لتغير المناخ. لذلك، لا يمكننا أن نستمر في تصور المغرب كقوة فلاحية بنفس المفهوم السابق وفي ظل هذه الظروف المناخية الصعبة.
علينا أن نستفيد من التجارب الفلاحية للدول القاحلة، والتي اعتمدت استراتيجيات فلاحية قائمة على التجدد، كما يُطلق عليها بالفرنسية "agriculture régénératice". وكما أشرت سابقًا، يجب أن نولي أهمية قصوى للمادة العضوية في التربة، وأن نعود إلى فكرة الدمج بين الإنتاج الحيواني والزراعات الموسمية المعتمدة على مياه الأمطار، بدل الاستمرار في نهج الاستراتيجيات السابقة التي سعت إلى سقي المغرب كله.
علينا أن ننطلق من واقع البلاد: نحن دولة شبه قاحلة، بل ونعاني اليوم من التأثيرات المباشرة لتغير المناخ. لذلك، لا يمكننا أن نستمر في تصور المغرب كقوة فلاحية بنفس المفهوم السابق وفي ظل هذه الظروف المناخية الصعبة.
علينا أن نستفيد من التجارب الفلاحية للدول القاحلة، والتي اعتمدت استراتيجيات فلاحية قائمة على التجدد، كما يُطلق عليها بالفرنسية "agriculture régénératice". وكما أشرت سابقًا، يجب أن نولي أهمية قصوى للمادة العضوية في التربة، وأن نعود إلى فكرة الدمج بين الإنتاج الحيواني والزراعات الموسمية المعتمدة على مياه الأمطار، بدل الاستمرار في نهج الاستراتيجيات السابقة التي سعت إلى سقي المغرب كله.
