رغم وجود 1503 جماعة ترابية بالمغرب، فإن جماعة تيفاريتي، التابعة لنفوذ إقليم السمارة، تكتسي مكانة جد خاصة في الهندسة الترابية للمملكة وتوجد تحت مجهر السلطة: مركزيا ومحليا.
الاهتمام المركزي بجماعة تيفاريتي وإن كان حاضرا منذ اندلاع نزاع الصحراء ونشوب الحرب بين المغرب من جهة، وبين الجزائر والبوليساريو من جهة أخرى، فإنه تقوى أكثر منذ تطهير معبر الكركارات من عصابة البوليساريو على يد القوات المسلحة الملكية في 2020. إذ شكلت تلك العملية الأمنية فرصة للمغرب لتجفيف كل المنافذ التي كانت تستغلها الجزائر للتحرش بتراب المغرب، بدءا من تعزيز الحزام الأمني قرب جماعة المحبس بإقليم أسا الزاك، وانتهاء بإقفال الحزام عند مقطع الكركارات بإقليم أوسرد، مرورا باستعادة المغرب للمنطقة العازلة، وعلى رأسها ما تبقى من تراب جماعة تيفاريتي.
وهذا ما يعطي لجماعة تيفاريتي وجاهة جيواستراتيجية في المواجهة بين المغرب ضد دولة العصابة، وملحقتها البوليساريو.
تراب جماعة تيفاريتي الذي كان يدخل في نطاق "المنطقة العازلة"، وفق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991، تحول اليوم إلى مقبرة لدفن أوهام عسكر الجزائر وتطلع دولة العصابة لاقتطاع هذا التراب المغربي من أجل توطين البوليساريو. كما تحولت تيفاريتي إلى مقبرة لدفن كل بلاغات بروباغاندا البوليساريو من كون تيفاريتي منطقة أصبحت "محررة من طرف البوليساريو"!!
المغرب لم يكتف بالرد العسكري في الميدان المتمثل في إحكام الطوق على الجزائر وخنقها بعد تأمين القوات المسلحة الملكية للحدود، بل مر إلى السرعة القصوى عبر إدخال تيفاريتيه ( ومعها إقليم السمارة)، في الرادار بسرعة، وعلى أعلى مستوى.
هناك مؤشران دالان على ذلك:
المؤشر الأول، يرتبط بمدخل مؤسسة إمارة المؤمنين التي تتحلق حولها الزوايا الدينية حسب الموروث الديني المغربي منذ قرون.
وهذا ما ترجمه شرفاء الرقيبات أولاد موسى أهل بلاو، بتنظيمهم لموسم الولي"بلاو" في فبراير 2025. هذا الحفل نظم بزاوية "بلاو" في قلب تيفاريتي، على مرمى حجر من الحدود مع الجزائر، بحضور كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين والمنتخبين وشيوخ القبائل والجمعويين في حفل بهي وضخم ترأسه عامل إقليم السمارة.
الحفل الديني كان مشحونا برسائل سياسية بالنظر إلى أن المؤسسة السلطانية بالمغرب، ومعها مؤسسة إمارة المؤمنين، ظلت على مر التاريخ محكومة بمنطق ضم القبائل المغربية ضد الغزو الأجنبي، علما أن كل الزوايا (سواء بشمال المملكة أو بالصحراء) قاومت المستعمر وحصنت وحدة البلاد، تحت مظلة مرجعية إمارة المؤمنين.
وبالتالي، فتنظيم الموسم الديني بزاوية "بلاو" في قلب "المنطقة العازلة" بتيفاريتي يدخل في إطار ترسيخ مشروعية المغرب في أرضه وفي عدالة قضيته.
المؤشر الثاني، ذو مدخل تنموي، إذ بادر مجلس جماعة تيفاريتي إلى التصويت، وبالإجماع، على أهم مشروع طرقي مهيكل للتراب المحلي بإقليم السمارة. ويتعلق الأمر بالمصادقة على إنجاز طريق بطول 16 كلم تربط مدينة السمارة بزاوية "بلاو" قرب الحزام الأمني. هذا المشروع، الذي دخل للمسارب المسطرية وسيرى النور عما قريب، من شأن إنجازه أن يعطي زخما ترابيا مهما، ليس لجماعة تيفاريتي وحدها فقط، بل لعموم إقليم السمارة. هذا الإقليم الذي يعيش مؤخرا فورة، استعدادا لفتح معبر أمكالة نحو مدينة "بئر أم كرين" بموريتانيا، بعد أن أنهى المغرب مؤخرا أشغال تعبيد الطريق الرابطة بين مدينة السمارة والحدود الموريتانية بطول 93 كلم. هذه الطريق ينتظر أن تفتح في وجه حركة تنقل البضائع والأشخاص في المستقبل القريب، بعد إنهاء الترتيبات التقنية واللوجيستية الخاصة بخلق المعبر الحدودي أمكالة.
فطوبى للمغرب بزاوية "بلاو"، وطوبى للسمارة بصحوة السلطة العمومية المركزية لرد الاعتبار للعاصمة الروحية للصحراء.