السبت 19 إبريل 2025
كتاب الرأي

أحمد حضراني: الجامعة.. أي حكامة

أحمد حضراني:  الجامعة.. أي حكامة أحمد حضراني

تؤطر الجامعة و تعليمها ومؤسساتها بمجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية . وتحظى بمكانة وعناية بالغة الأهمية، جسدتها الخطب السياسية  والتقارير الرسمية و بلوزتها  السياسات العمومية . و هو ما جعل  المسألة البيداغوجية  تخضع لإصلاحات متوالية  في سبيل تأهيل الجامعة والارتقاء بالتعليم الجامعي إلى  مستوى الطموحات والتحديات المطروحة في عالم اليوم والحاضر.

 

تتمتع الجامعة، كمؤسسة عمومية ، بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي و البيداغوجـي والعلمي والثقافي(المادة الخامسة  من القانون رقم 01.00 يتعلق بتنظيم التعليم العالي). وهي الفضاء الطبيعي للتكوين والبحث، كوظائف  تقليدية  للجامعة ،وفي مختلف الأنواع والأصناف والتخصصات. و هو ما يحتم عليها  التعبئة  لخدمة  القضايا المجتمعية ، من خلال  التأقلم ومسايرة هذه التحولات السريعة للمجتمع، وهو ما يستدعي متطلبات أساسية لهذا الدور المركزي الذي تضطلع به الجامعة  ،ويتجلى في ضرورة  تطوير فلسفة ورسالة الجامعة، على أساس أنها لم تعد مكونة فقط للموارد البشرية لتلبية الاحتياجات المجتمعية، بل تشمل وظائف تشجيع القيم الأخلاقية والنهوض بالطبقات الاجتماعية وترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تكامل وشمول الدور المجتمعي للجامعة.

 

و تعد الجامعة مؤسسة اجتماعية  لخدمة  قضايا  المجتمع. فالجامعة  ومؤسساتها  لا يمكن  أن تكون  بمعزل عن محيطها، وإلا نتج عن ذلك تنافر وعدم القدرة على مواصلة المسيرة التعليمية التكوينية في مجتمع أصبح يطلق عليه بمجتمع المعرفة، ونظرا لتزايد أهمية خدمة المجتمع، أصبحت هذه الوظيفة جزء لا يتجزأ من وظائف التعليم العالي، بحيث أصبحت تقوم بدور أساسي في تنمية المجتمع؛ تنمية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فالجامعة تقدم خدماتها في كافة المجالات ولكافة المنظمات والأفراد ،ومن  خلال المشاركة في وضع السياسات التنموية وتأمين حاجاتها من الموارد البشرية المؤهلة للقيام بذلك انطلاقا من اهتمامها بكافة التخصصات التي يتطلبها المجتمع الحديث. و هكذا لابد للجامعة أن تتفاعل مع المجتمع، وتشارك في حل مشكلاته، وبالتالي تعكس فكرة الجامعة كمنظمة مفتوحة على محيطها الخارجي؛ تؤثر فيه وتتأثر به وتسهم في خدمته والارتقاء بمستوى أداء الأفراد فيه. كما يجب أن تحافظ الجامعة، ومن خلال مؤسساتها  على استقلاليتها كشرط أساسي، و لكن في منأى عن  الانعزالية والتقوقع على الذات، لأن هذا من شأنه أن يضر بمصداقية الجامعة لدى  الشركاء والفاعلين الآخرين.

 

و تظل الجامعة( ومؤسساتها)  مقاولة لإنتاج المغامرة الفكرية ، و فضاءات فعلية لنشر المعرفة والثقافة والتعليم بقيم راسخة (مقتطف من الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الندوة الدولية حول التعليم العالي في العالم العربي ،المنعقدة بمراكش في 13 مارس 2002) ، وحاضنة  للمواقف الريادية ، ومشتلا للتجديد والحداثة  والقيم الديمقراطية، وفضاء لفرز النخب .

 

وتظل بالتالي مشتلا لإنتاج وغرس قيم التسامح والحوار البناء والربط الوجداني (السيكولوجي والسوسيولوجي) بالمواطنة والوطن.  وتساهم بذلك الجامعة  في ربح واستثمار مواطن الغذ .ويأتي ذلك ترجمة حتى للإرادة الملكية: "إن الغاية هي تهذيب النفوس وتثقيف العقول وتكوين رجال يستطيعون بفضل هذا التهذيب وهذا التثقيف أن ينفعوا أنفسهم والمجتمع الـذي يعيشون فيه" (توجيهات من رسالة ملكية حول مشكلات التخلف والنمو في 20 أبريل 1995.  وهذا ما سعت إلى تأكيده  الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015- 2030)؛  بغية  تكوين مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه، والاستجابة لمتطلبات المشروع المجتمعي  والمواطن الديمقراطي والتنموي، وكذا الإسهام في انخراط البلاد في اقتصاد ومجتمع المعرفة، وتعزيز موقعها في مصاف  بلدان العالم.  ولكن هاته الأفكار القيمة  والأهداف  النبيلة  لا يمكن أن تتحقق في غياب حكامة المؤسسات الجامعية ،  وهو ما   استأثر  باهتمام  اللجنة الخاصة  بالنموذج التنـمـوي الجديـد  في تقريرها  العام (أبريل 2021)، تحت   عنوان :"الاختيار الاستراتيجي الثاني : نظام للتعليم الجامعي والتكويـن المهنـي والبحث العلمي، والذي تعرض  لمسألة حكامة مؤسسـات التعليـم العالـي  باقتراح مراجعـة طـرق حكامتهـا ؛بهـدف الرفـع مـن نجاعـة أدائهـا  مع ارتكاز هـذه الحكامة الجديـدة على نظـام لقيـادة المؤسسـات الجامعية، يكـون شـفافا وذا مصداقيـة وموجهـا نحـو حسـن الأداء، والعمل على استقطاب  الطلبة وقابليتهم للاندماج فـي سـوق الشـغل.