الثلاثاء 25 مارس 2025
خارج الحدود

محمد الطيار:  تطور الموقف الاسباني من القضية الفلسطينية وعلاقته بالترسانة العسكرية المغربية

محمد الطيار:  تطور الموقف الاسباني من القضية الفلسطينية وعلاقته بالترسانة العسكرية المغربية احتجاجات شعيبة جابت معظم المدن الإسبانية لمناصرة القضية الفلسطينية

تفاقمت الأزمة بين إسرائيل وإسبانيا بعد دعم مدريد لغزة، واعلانها بشكل صريح عن تشكيكها في احترام تل أبيب للقانون الإنساني الدولي في حربها على القطاع المحاصر. كما استدعت تل أبيب السفير الإسباني بعد تصريحات لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، حول قطاع غزة، وأعلن أيضا وزير الخارجية الإسرائيلي عن استدعاء سفيرة بلاده في مدريد للتشاور.

 

انخراط اسبانيا بشكل كبير في مناصرة القضية الفلسطينية، عرف تطورا كبيرا بعد أحداث 7 أكتوبر، كما قادت "شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين" احتجاجات شعيبة جابت معظم المدن الإسبانية، مما شكل رأيا عاما قويا يطالب بقطع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل.

 

وقد تبنت الحكومة الاسبانية مواقف دبلوماسية مخالفة لمواقف أغلب حكومات المعسكر الغربي. وظهرت كحاملة مشعل القضية الفلسطينية داخل الدوائر الأوروبية، في مواجهة الموقف الألماني المساند لإسرائيل.

 

 بل ان تصريحات المسؤولين الرسميين الاسبان، كانت حادة بشكل ملحوظ تجاه إسرائيل، لدرجة ان وزيرة العمل ونائبة رئيس الوزراء يولاندا دياز ، طالبت صراحة بـ"تحرير فلسطين من النهر إلى البحر"، وهو ما يعني بشكل ضمني إنهاء وجود دولة إسرائيل.

 

وهنا تطفو على السطح أسئلة من قبيل، لماذا ارتفعت حدة الموقف الاسباني من إسرائيل مؤخرا ؟، وهل للأمر علاقة بالتطور الي شهدته الترسانة العسكرية المغربية؟، وهل تستعمل اسبانيا القضية الفلسطينية فقط للضغط على إسرائيل لتتوقف عن دعم المغرب عسكريا؟.

 

من المعلوم ان المغرب استطاع في السنوات الأربع الاخيرة ، تطوير  ترسانته العسكرية بأحدث الأسلحة والدفاعات الجوية المتطورة والتكنولوجيا العسكرية  الدقيقة ، وحصل على افضل  التقنيات الإسرائيلية و الأمريكية في المجال العسكري ، مما جعل الترسانة العسكرية المغربية تشكل هاجسا كبيرا داخل الأوساط السياسة الاسبانية ، بل واصبح الحديث عن حرب وشيكة  يشنها المغرب من اجل استرجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين مطروحا، واصبح الحديث كدلك عن ضرورة انخراط أوروبا في حماية اسبانيا، بل وحلف شمال الأطلسي في حالة قيام حرب مع المغرب .

 

وقد عبرت اسبانيا مرارا عن غضبها وتبرمها الشديد من إسرائيل بسبب  تفضيلها للمغرب، في الحصول على أسلحة إسرائيلية جد متطورة، فمثلا رفضت إسرائيل بيع منظومات الدفاع الجوي لإسبانيا التي حاولت مرارا شرائها من إسرائيل، في حين فضلت تل أبيب بيعها للمغرب.

 

التغييرات في معدل التوازنات العسكرية بين المغرب واسبانيا، لها تأثير كبير ايضا على ميزان القوة بين الدولتين، ولها تأثير أيضا على فتح الملفات التي لازالت عالقة بين الدولتين، وعلى رأسها الاحتلال الاسباني لمدينتي سبتة ومليليه وعدد من الجزر.

 

تقاعس اسبانيا في توجيه الاتهام إلى البوليساريو  يسائل موقفها من فلسطين

اذا كان الموقف الاسباني من الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة ،  يستند الى موقف أخلاقي والى القانون الدولي كما تزعم، فلماذا يغيب عن اسبانيا ان تتبنى موقفا مماثلا يندد بما اقترفته مليشيات البوليساريو في حق المواطنين الاسبان بالخصوص ، فضلا  عن ما يعيشه  منذ عقود المحتجزون في مخيمات تندوف من حصار وانتهاكات سافرة لحقوق الانسان. ولماذا لم تطالب الجزائر بمراجعة سياستها القائمة على الاستمرار في تفويض   ولايتها القانونية والقضائية لفائدة مليشيات مسلحة داخل مخيمات تندوف، مما يتناقض كليا مع مقتضيات القانون الدولي؟

 

اسبانيا لا زالت تتقاعس عن القيام بتوجيه الاتهام إلى تنظيم البوليساريو  ، ولازالت  الساحة السياسية الإسبانية ترفض مأْسسةَ النقاش في الموضوع ، ليس فقط بسبب  الموقف المساند للبوليساريو  من طرف عدد  من الأحزاب الراديكالية في اليسار وبعض الأوساط الأخرى في اليمين، بل ان الحكومة الاسبانية نفسها لا تجد  بعد مصلحة في توجيه الاتهام إلى البوليساريو، رغم قيامها بتبني موقف مساند للمغرب في قضية وحدته الترابية، فقد قامت البوليساريو في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بهجمات عديدة استهدفت الصيادين والمدنيين الكناريين، وخلفت 289 من القتلى، تم الاعتراف بهم كضحايا إرهاب وهناك أزيد من النصف لم يتم العثور عليهم.

 

 وبذلك تكون البوليساريو هي ثاني حركة إرهابية تسببت في أكبر عدد من الضحايا في إسبانيا بعد منظمة «إيتا " الباسكية ، وقد قامت  الحكومة الاسبانية  سنة  1985، التي كان يقودها آنذاك فيليبي غونزاليس ، بطرد تمثيلية البوليساريو من فوق الأراضي  الاسبانية  كإجراء مؤقت  الى حدود سنة 1989، ليتم فتح مكاتب الحركة الانفصالية من جديد ، كما ساعدت اسبانيا بشكل سافر إبراهيم غالي  سنة 2021  للإفلات من العقاب ، رغم  خطورة عدة قضايا مرفوعة ضده امام القضاء الاسباني ،والتي ترقى الى جرائم حرب .

 

الغريب ان الدولة الإسبانية لازالت تناقض نفسها، فهي تعترف  من جهة بأن مقتل الصيادين والمدنيين الكناريين كان سببه عمل إرهابي، إلا أنها ترفض توجيه الاتهام إلى جبهة البوليساريو بشكل رسمي، كما لم يتقدم القضاء الاسباني طيلة العقود الماضية في التحقيق في هذه العملية. كما أنها ورغم قيامها في عدة مناسبات بتكريم الصيادين والمدنيين الكناريين كضحايا ارهاب، إلا أنها لم تتقدم بعد أمام اللجنة السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي لإدراج تنظيم البوليساريو في قائمة الاتحاد للمنظمات الإرهابية.

محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدارسات الاستراتيجية