الثلاثاء 25 مارس 2025
خارج الحدود

رئيسة حزب الجمهورية الثالثة في تونس تدعو قيس سعيد إلى احترام مقوّمات الدولة التونسية ومؤسساتها وتحذر من انتهاكات دستورية

رئيسة حزب الجمهورية الثالثة في تونس تدعو قيس سعيد إلى احترام مقوّمات الدولة التونسية ومؤسساتها وتحذر من انتهاكات دستورية ألفة الحامدي وقيس سعيد
حذرت ألفة الحامدي رئيسة حزب الجمهورية الثالثة من انتهاكات دستورية ومخاطر اقتصادية سيادية في تونس، ودعت في بيان توصلت جريدة "أنفاس بريس" بنسخة منه لتجميد المفاوضات الاقتصادية المتعلقة بالموارد الطبيعية والبنية التحتية الاستراتيجية وتشكيل حكومة إنقاذ.
فيما يلي البيان الكامل لألفة الحامدي، رئيسة حزب الجمهورية الثالثة:


نوجه هذا البيان الرسمي إلى كافة الجهات حول التغيير الأساسي في هيئة الدولة التونسية الذي طرأ عقب اجتماع مجلس الأمن القومي بتاريخ 20 مارس 2025، والاجتماع الوزاري الأول بتاريخ 21 مارس 2025.
أولاً: محاولة الاستيلاء غير المشروع على سلطة المحكمة الدستورية
قام الرئيس قيس سعيّد بتغيير تفسير العلاقة الدستورية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بإعلانه أن "رئيس الحكومة هو كاتب عام لرئاسة الجمهورية". هذا التصرف يمثل استيلاءً صريحاً على صلاحيات المحكمة الدستورية في تفسير الدستور، وهي صلاحيات محفوظة حصراً للمحكمة الدستورية بموجب فصول الباب السادس من دستور 2022.
بمنح نفسه سلطة التفسير الدستوري، يكون الرئيس قد انتهك أحكام القانون الأساسي رقم 47 لسنة 2018 المتعلق بالهيئات الدستورية المستقلة، الذي ينص في المادة 7 صراحة على أنه "لا يمكن جمع صفة رئيس أو عضو مجلس هيئة مع صفة عضو في الحكومة أو في المحكمة الدستورية أو في المجلس الأعلى للقضاء أو تقلد منصب منتخب".
وهذا يعني أن الرئيس لا يمكنه قانوناً أن يمارس سلطة التفسير الدستوري وسلطة رئاسة الجمهورية في آن واحد، مما يجعل قراره باطلاً من الناحية الدستورية و القانونية. و يهمني التأكيد ان القانون رقم 47 لسنة 2018 ليس مرتبطا بدستور معيّن حسب نصّ اعتماده و هو ما يؤكّد مبدأ الفصل بين اختصاصات المحكمة الدستورية و رئاسة الجمهورية وفقا لقانون ساري المفعول.
ثانياً: محاولة استيلاء رئاسة الجمهورية على صلاحيات رئاسة الحكومة
من خلال إعادة تعريف رئيس الوزراء كـ "كاتب دولة" والحكومة كـ "فريق وزاري"، قام الرئيس سعيّد رسميا بمحاولة الاستيلاء المباشر على الصلاحيات الموكلة قانوناً لرئيس الحكومة بموجب المرسوم رقم 69-400 المؤرخ في 7 نوفمبر 1969.
هذا المرسوم، الذي ظل سارياً عبر جميع التغييرات الدستورية منذ خمسة عقود، ينص صراحة على أن رئيس الوزراء "يضمن تنفيذ السياسة العامة للحكومة" (المادة 4) و"يُنفذ سياسة الحكومة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية" (المادة 6).
هذا الاستيلاء على صلاحيات منصب رئيس الحكومة الدستوري ذي صفة مستقلّة دستوريا عن رئاسة الجمهورية تبعا للفصل 113 من دستور 2022 يشكل تغييراً في هيكل و هيئة الدولة (خاصّة في ما يتعلّق بسلسة التفويض و التسلسل في هرم الصلاحيات) وهو ما يمكن تحديده وتصنيفه كفعل جريمة تحت طائلة المادة 72 من المجلة الجزائية التونسية، ويبطل هذا شرعية أي قرارات تنفيذية تصدر تحت هذا الهيكل المعدّل بشكل غير قانوني و يفتح مجال البناء الجزائي لتسيير شؤون الدولة وفقا لجريمة أصلية أصبح الجميع على علم بها اليوم.
ثالثاً: فقدان السند القانوني للمشاريع التنموية والبنية التحتية
يهمني تذكير كل المسؤولين في الدولة التونسية، انه تنص المادة 77 من دستور 2022 صراحة على أن سياسات التنمية يجب أن تكون "وفقاً لأحكام القانون" وليس بقرارات رئاسية منفردة و مفاوضات غير شفافة. وبالتالي، فإن جميع المشاريع المتعلقة بالطاقة والموانئ والبنية التحتية والفسفاط والموارد الطبيعية تفتقر حالياً للإطار الدستوري والقانوني السليم في ظل التغيير غير القانوني في هيئة الدولة وغياب قانون تنمية مصادق عليه من قبل البرلمان التونسي و مجلس الجهات و الأقاليم.
ولقد رصد حزب الجمهورية الثالثة مخالفات متعددة منذ سنة 2021 لمجلة المناجم، قانون الأملاك العامة، مجلة الطاقة، مجلة المياه، ومجلة الاستثمار في العديد من المشاريع الجارية أو التي تمّ الإعلان عنها. هذا الوضع يجعل المشاريع الاستراتيجية الكبرى معرضة للإلغاء والإبطال، ويعرّض جميع المتعاملين فيها من تونسيين وأجانب للمساءلة القانونية الشخصية دون أي حماية من الحصانة التي قد يوفرها التعاقد مع سلطات قانونية و يجعل من كل المعاملات المالية المرتبطة بها ذات شبهة فساد وجرائم مالية وجزائية.
وعليه، و بمواصلة رئيس الجمهورية التأكيد على مخالفة القانون في المجال التنموي والاقتصادي، يهمني التأكيد على كل المسؤولية بوجوب تجميد كل المفاوضات الاقتصادية الجارية ذات الصبغة التنموية و خاصة منها التي تمسّ الموارد الطبيعية والبنية التحتية الاستراتيجية ملك الشعب التونسي إلى حين استعادة الاطار القانوني والدستوري والإداري الشفاف لمثل هذه المفاوضات والعقود.
رابعاً: تهديد مباشر للأمن القومي من خلال محاولة توريط قيادات أمنية
باستخدام مجلس الأمن القومي لإصدار قرار تغيير هيئة الدولة الباطل قانونيا، قام الرئيس سعيّد بمحاولة توريط قيادات الجيش والأمن والحرس والأمن الرئاسي في مخالفة صريحة للمادة 72 من المجلة الجزائية وجعلهم يتحملون كل التبعات الناتجة عن هذه القرارات معه. هذا الإجراء الخطير يضع هذه القيادات الأمنية العليا أمام مساءلة قانونية محتملة، حيث أنهم - خلافاً للرئيس - لا يتمتعون بأي حصانة قانونية.
الأمر الحكومي رقم 2017-70 المتعلق بمجلس الأمن القومي لا يمنح المجلس أي سلطة لتغيير هيكل الدولة، وهذا التوريط للقيادات الأمنية في مجال مختلف لاختصاصهم (المجال الدستوري والاقتصادي والقانون الإداري والدولي والحوكمة والمالية) في قرارات تتجاوز صلاحيات المجلس يشكل تهديداً مباشراً لمنظومة الأمن القومي من خلال محاولة إضعاف شرعية قيادات المؤسسات الأمنية وتعريض قيادتها للمساءلة القانونية.
هذا الوضع يتطلب التدخل العاجل لحماية المؤسسات الأمنية من التوظيف السياسي غير المشروع وإلغاء القرارات التي تتجاوز صلاحيات مجلس الأمن القومي.
خامساً: الآثار المالية والتعاقدية الدولية لحالة حكومة الأمر الواقع
في ضوء التغيير الجذري في هيئة الدولة، وإصرار الرئيس على الضغط على البنوك العامة و الخاصة والدعوة إلى ما يرتقي لمحاولة مصادرة لاحتياطي البنك المركزي، كما ورد في تصريحاته المعلنة في 21 مارس 2025 لمحافظ البنك المركزي، و مع انخفاض احتياطات النقد الأجنبي إلى ما دون تغطية 100 يوم من الواردات، يجب التنبيه إلى الوضع القانوني الخطير الذي نشأ.
تونس تعاني حالياً من وضع "حكومة الأمر الواقع" (de facto government) وفق تعريفات المؤسسات الدولية و القانون الدولي، مما يفعّل تلقائياً آليات حماية قانونية دولية و عقود دولية وعقود البنك الدولي و المؤسسات الدولية الأخرى.
هذا الوضع أيضا يؤدي إلى انتهاك واضح للمادة 46 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المتعلقة بالاختصاص في إبرام المعاهدات، وتفعيل بنود الاستثناء في عقود التأمين ضد المخاطر السياسية لدى وكالات الضمان الدولية مثل وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف (MIGA)، وتعطيل استيفاء متطلبات مجموعة العمل المالي التي أعلنت قيامها بتقييم لتونس في المستقبل القريب.
كما انه و للأسف، هذا الوضع لا يمكن اعتباره قانونيا قوة قاهرة بل هو إجراء سيادي إرادي (Volitional Sovereign Act - Action Souveraine Volontaire) تم اتخاذه رغم التحذيرات القانونية المتكررة، مما يلغي إمكانية الاحتماء ببند القوة القاهرة (Force Majeure) في العقود والتعاملات المالية و عقود التأمين وإعادة التأمين.
نداء لتشكيل حكومة إنقاذ
نظراً للتهديد الوجودي الذي يواجه الاقتصاد التونسي والنظام المالي نتيجة هذه الانتهاكات القانونية و الدستورية والإدارية ونظرا لخطورة التبعات السيادية للقرارات التي تمّ اتخاذها أخيرا، ندعو لتشكيل حكومة إنقاذ على وجه السرعة.
هذه الحكومة ضرورية لتصحيح الانحرافات القانونية الحالية وإعادة الثقة للمستثمرين والشركاء الدوليين و يجب أن يكون أول قراراتها إصدار أمر دعوة أعضاء المحكمة الدستورية للاجتماع وتقلّد مهامهم.
الفشل في معالجة هذا الوضع سيؤدي إلى عواقب اقتصادية كارثية، بما في ذلك تعليق المعاملات المالية الدولية وعزل تونس عن النظام المالي العالمي و توسّع رقعة الصراعات الجيوسياسة في تونس، مما سيؤثر مباشرة على المواطنين التونسيين وقيمة الأصول التونسية و مصلحة منظومة الامن القومي التونسي وسيادة الدولة والجمهورية التونسية.
نذكّر جميع المسؤولين، بما فيهم أعضاء "الفريق الوزاري" الحالي وأعضاء مجلس الأمن القومي، أنهم لا يتمتعون بأي حصانة ضد المساءلة القانونية الشخصية، محلياً ودولياً، عن المشاركة في أعمال تغيير هيكل الدولة خارج الأطر الدستورية.
ندعو السيد قيس سعيد مرّة أخرى إلى احترام مقوّمات الدولة التونسية ومؤسساتها وقوانينها ودستور 2022 الذي كتبه بأيديه.